مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-10-03

دور الإعلام في المبادئ العشرة لوثيقة الخمسين

ما زالت الاحتفالات تتوالى بمرور خمسين عاماً على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر الذي يوفر لتلك الدولة الفتية والراسخة في آن واحد الفرص لاستعراض الإنجازات الضخمة والنجاحات العملاقة التي تحققت في شتى المجالات بفضل هذا التضافر الرائع بين قيادتها الرشيدة وشعبها الطموح.
 
بقلم: د. ياسر عبد العزيز
كاتب ومدرب ومستشار في مجالات الاتصال والإعلام 
 
لقد أنجزت الإمارات في خمسة عقود فقط، منذ تأسست على يد زعيمها الأسطوري المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ما عجزت عن إنجازه دول أخرى في مئات السنين، وقد تحقق هذا بفضل عاملين أساسيين؛ أولهما امتلاك القيادة الرؤية الواضحة والعزم القوي والهمة العالية، وثانيهما قدرة المواطن الإماراتي على تلبية استحقاقات العصر ومواجهة التحديات واجتراح النجاح.
لكن الإمارات لم تجد لهذا الاحتفال وسيلة أفضل من إطلاق تأسيس جديد للمستقبل، بحيث تعلن لشعبها ولإقليمها وللعالم أجمع أن ما جرى على مدى العقود الخمسة الفائتة ليس سوى لبنة أولى في طرق طويل لن تتوقف فيه عن إلهام العالم وإدهاشه.
 
وفي هذا التأسيس الجديد للمستقبل، وجدت الإمارات أن ثمة ضرورة لوضع إطار عمل مستقبلي، وهو إطار يتلخص في رؤية واضحة، واستراتيجية فعالة، ومبادئ مُلهمة، تؤسس للأداء الوطني في السنوات الخمسين المقبلة، وتضمن وفاءه بمقتضيات الوحدة والإنجاز والتقدم والتفوق.
 
وثيقة الخمسين ومبادئها العشرة
في يوم 5 سبتمبر 2021، واسترشاداً بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بعد التشاور مع أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن وثيقة مبادئ الخمسين... وهي الوثيقة التي تحدد المسار الاستراتيجي للدولة في دورتها التنموية القادمة في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية الداخلية.
 
 وفي معرض توضيحه لفحوى هذه الوثيقة التاريخية، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد “إن أولويتنا الأولى هي تنمية بلادنا... وغايتنا شعب الاتحاد... وهدفنا أن يعمل الجميع كفريق واحد... لأن بلدنا واحد... وعلمنا واحد... ورئيسنا واحد... والخمسين القادمة والأجيال القادمة ستذكر هذه اللحظات التاريخية الفارقة في مسيرتنا”.
 
وقد شدد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على أن المبادئ العشرة لدولة الإمارات خلال العقود الخمسة المقبلة، والمتُضمنة في تلك الوثيقة، “تشكل مرجعاً لجميع مؤسساتها لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم”.
وعند استعراض المبادئ العشرة الواردة في الوثيقة يتضح أن دولة الإمارات ترسي من خلالها استراتيجية وقواعد عملية وأخلاقية ومسارات للعمل الوطني في آن واحد، كما تحدد الأولويات الوطنية، والغايات المتوخى إدراكها وصولاً إلى مئوية الدولة.
 
دور الإعلام
ورغم أن كلمة الإعلام لم ترد نصاً ضمن المبادئ العشرة لوثيقة الخمسين؛ فإن الإعلام كان حاضراً دوراً ومسؤولية وآليات عمل ضمن هذا البيان المُلهم بوضوح.
ويمكن القول إن دور الإعلام ظهر واضحاً في أربعة مبادئ على الأقل ضمن المبادئ العشرة؛ إذ يتعلق المبدأ الأول بقيمة تقوية الاتحاد، عبر التنمية المتوازنة التي تشمل كافة مناطق الدولة وقطاعاتها، وهي قيمة لا يمكن أن تترسخ وتزدهر إلا من خلال منظومة إعلامية وطنية رشيدة وقوية وفعالة.
 
ولعلنا نذكر في هذا الصدد أن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان انتبه إلى دور الإعلام مبكراً جداً، وعندما أسس صحيفة في أغسطس من العام 1969، قبل إعلان الاتحاد، اختار لها اسم “الاتحاد”، إذ أدرك حاكم أبو ظبي آنذاك، وصاحب الرؤية الاتحادية المُلهمة، أن مستقبل شعبه وبلاده لن يتحقق على النحو الأمثل من دون بناء دولة الاتحاد، ولهذا فقد اختار هذا العنوان/ الهدف/ الرؤية للصحيفة العامة الأولى.
 
وواصل الشيخ زايد بناء مؤسسات الدولة الإعلامية لاحقاً على ذات المنوال، بعدما أسس الإذاعة وأطلق تليفزيون أبو ظبي، وأشرف وساند وفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من المؤسسات والإصدارات التي انطلقت لاحقاً، لتشكل منظومة إعلامية متكاملة ورشيدة، تعكس مناقب الدولة وخصال شعبها النبيلة.
كان “الاتحاد” هو الركيزة الأولى في المنظومة الإعلامية الوطنية؛ ولذلك، فقد اتفق المحتوى المقدم عبر الوسائط الإعلامية الإماراتية، على إحياء أفكار الولاء، والانتماء، والمواطنة.
وعملت المنظومة الإعلامية الفتية بموازاة ذلك على تكريس مبدأ “التنمية”. فلم يكن إعلام الإمارات إثارياً ولا فضائحياً ولا تجارياً، بل كان إعلاماً مسؤولاً، منضبطاً، بناء، قائماً على أسس الاحترافية والمهنية، وعدم الانسياق وراء الاعتبارات التجارية.
وعندما يتم التأسيس لمسار العمل الوطني خلال الخمسين عاماً المقبلة، فإن دعم غاية تقوية الاتحاد يأتي على رأس المهام التي ينهض بها الإعلام الوطني، خصوصاً بعدما اكتمل بناؤه المؤسسي، وتنوعت قدراته المهنية، وزادت قدرته على التأثير والنفاذ.
 
ترسيخ السمعة العالمية للدولة
لا يمكن النظر إلى مسيرة الإعلام الإماراتي إلا باعتبارها عنواناً معبّراً عن مجمل سجل الأداء الوطني للدولة؛ وقد تحققت هذه المهمة من خلال أربعة عناصر رئيسية؛ أولها يتعلق بانطلاق الممارسة الإعلامية الإماراتية من رؤية طموحة وواضحة ومكتملة، وثانيها يتصل بالتزام هذه المسيرة نهجاً مؤسسياً على الدوام، وثالثها يختص بتوفير درجة عالية من الاتساق والمواءمة بين الأداء الإعلامي من جهة وثوابت الدولة وركائزها المعنوية والأخلاقية من جهة أخرى، أما العنصر الرابع فيركز على الدرجة العالية من الاحترافية، التي جعلت من المنتج الإعلامي الإماراتي منتجاً قادراً على المنافسة وتحقيق الاختراق وتقديم الإمارات للعالم، وبناء سمعتها، وتعزيز صورتها الذهنية، بوصفها وجهة للطموح والموهبة، وموئلاً لرغبات معظم الشباب العربي في العيش وممارسة الأعمال.
لذلك، فقد اختص المبدأ السادس في وثيقة الخمسين بترسيخ السمعة العالمية للدولة، واعتبار هذا الدور مهمة وطنية، وهو دور يجب أن ينهض به إعلام قوي ومؤثر يتحلى بالمصداقية والجاذبية، ويعبر عن الدولة ونهجها ويشرح مرتكزاتها السياسية والإنسانية للإقليم والعالم.
 
وفي مواكبة كافة الإنجازات المبهرة والاختراقات الضخمة التي حققتها دولة الإمارات على مدى نصف القرن من عمرها، ظل الإعلام الإماراتي قادراً على مخاطبة الإقليم والعالم بلغة مهنية وموضوعية، استطاع من خلالها أن يطلع الجمهور العالمي على مستجدات التطورات والإنجازات الوطنية، وأن يشرح أبعاد السياسة الإماراتية، وأن يكون مطمحاً لآلاف من المهنيين الموهوبين والطموحين للالتحاق بمؤسساته والتمتع ببيئة العمل المهنية فيها.
 
التفوق الرقمي
ويظهر دور الإعلام مجدداً في المبدأ السابع؛ الذي يشير إلى أهمية العمل على تعزيز التفوق الرقمي والتقني والعلمي للدولة ومؤسساتها وأبنائها؛ وهو أمر لا يتأتى من دون امتلاك منظومة اتصالية وإعلامية محترفة ومتقدمة.
لم تبخل الإمارات على الاستثمار في هذا المجال، بل هي خصصت أفكاراً وجهوداً وحشدت موارد كبيرة من أجل التمركز في أفضل مكانة عند الحديث عن الحالة الرقمية والتقنية لبلدان العالم.
وتحتل الإمارات في هذا الصدد مواقع الصدارة الإقليمية، وتنافس بقوة على الصعيد العالمي، بفضل بنيتها الرقمية التي تعكس تطلعها للحداثة وطموحها للإنجاز وقدرتها على خلق إبداعها الخاص فضلاً عن نقل أفضل الخبرات العالمية إلى منظومة العمل الوطني بها في قطاعات الإدارة والتعليم والاتصالات والإعلام والصحة والاقتصاد.
وتمتلك الإمارات بنية رقمية مؤسسية ضخمة، وهي بنية يمكن معاينة رسوخها ونجاعتها في المجال الإعلامي تحديداً عبر استعراض المؤسسات الإعلامية الوطنية والمنصات الإماراتية التي تهدف إلى تعزيز المجال الإعلامي والاتصالي الإقليمي والدولي.
ومن خلال هذه المنصات لا تقوم الإمارات فقط بعرض تطورات بنيتها التقنية والاتصالية، لكنها تسعى أيضاً إلى تصدير تجاربها وتقنياتها وإلهام الدول الأخرى لاقتفاء أثر تجربتها الناجحة.
 
القيم الإماراتية
ويظهر الإعلام مجدداً في المبدأ الثامن من مبادئ وثيقة الخمسين، وهو المبدأ الذي يكرس القيم التي قامت عليها الدولة والتي صبغت كافة ممارساتها وعززت مبادراتها والتصقت بصورتها العالمية؛ وعلى رأسها بطبيعة الحال قيم الانفتاح والتسامح واحترام تنوع الثقافات وقبول الآخر، في ظل الحفاظ على الهوية الوطنية وصيانتها وإحلالها مواضع الفخر والزهو الوطنيين.
لا يمكن تحقيق هذا الهدف النبيل من دون منظومة إعلامية فعالة وقوية ومؤسسة على قيم مماثلة، بحيث تكون الممارسة الإعلامية المنفتحة والمتسامحة مرشداً ومحفزاً على تمثل تلك القيم في أوساط الجمهور الذي تتوجه له.
 
وفي تفعيلها لمبادئ الخمسين، ستواصل المنظومة الإعلامية الإماراتية تقديم الإمارات للعالم وتقديم العالم للإمارات، وهي حين تقوم بهذه المهمة، ستركز على إعلاء الهوية الوطنية والخصوصية والتراث، كما ستشيع قيم التفاهم والتعايش وقبول الآخر وإحلال السلام.
تعطينا وثيقة الخمسين برهاناً جديداً على حيوية الدولة الإماراتية ويقظتها وحسها الاستشرافي ونزوعها للمبادرة، وهي أيضاً دليل جديد على رؤية القيادة المستقبلية الثاقبة والقائمة على أسس علمية والمؤمنة بأهمية التخطيط الاستراتيجي.
 
ورغم أن الوثيقة لا تنص على دور الإعلام حرفياً في سطورها المُحكمة والتأسيسية، فإن هذا الدور يظل موجوداً في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتقوية الاتحاد وترسيخه، وفي تعزيز السمعة العالمية للدولة المرموقة، وفي الحفاظ على التفوق الرقمي والتقني، وفي تكريس القيم التي تميز دولة الإمارات، وترافق صورتها في العالم، وترسخ مكانتها السياسية والأخلاقية في الضمير والوجدان العالميين.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره