2022-11-02
زيارة محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا... أبعاد ودلالات حيوية مهمة
حظيت الزيارة التاريخية المهمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، إلى روسيا في الحادي عشر من أكتوبر الماضي، باهتماماً استثنائياً إقليمياً ودولياً، حيث جاءت الزيارة في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة للأزمة في اوكرانيا، ما ضاعف أهمية الزيارة التي راهنت عليها الدوائر السياسية الدولية في تبريد أجواء التصعيد وتهدئة الأوضاع نسبياً، وذلك بالنظر إلى العلاقات الشخصية القوية التي تربط بين سموه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلاً عن اهتمام دولة الإمارات بالسعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار والتخفيف من حدة التوترات العالمية وتبذل في سبيل تحقيق ذلك الكثير من الجهد.
بقلم العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
تنطوي الزيارة التاريخية المهمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا، على أبعاد عدة بعضها يتعلق بالعلاقات الثنائية، بينما يتصل بعضها الآخر بالقضايا ذات الطابع الدولي والاقليمي، وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية، التي تؤكد الشواهد أنها حظيت بنصيب كبير من نقاشات الجانبين، ورغم أن الزيارة مبرمجة ضمن أجندة علاقات البلدين الصديقين، فإن توقيت الزيارة أضفى عليها أهمية استثنائية للغاية، حيث جاءت في توقيت «حساس» للأزمة الأوكرانية، والتي دخلت منعطفاً خطيراً مؤخراً، بعد تفجير جسر القرم، ورد روسيا بهجمات صاروخية على كييف والتلويح بالنووي سلاحًا، ما يكشف عن تحرك دبلوماسي مدروس وذكي من دولة الإمارات، لخفض منسوب التوتر الذي بات يهدد العالم بأكمله. وفيما يلي استعراض أهم أبعاد ودلالات هذه الزيارة:
الأزمة الأوكرانية: في ضوء السمات والخصائص التي تتمع بها الدبلوماسية الاماراتية الفاعلة والهادئة في آن معاً، لم تتطرق التصريحات الاماراتية كثيراً إلى دور ما في تهدئة التوترات والسعي لإيجاد مخرج من الأزمة الأوكرانية التي تؤثر في اقتصادات دول العالم أجمع، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بادر خلال لقاء صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ للقول : «نحن ممتنون لكم على جهود الوساطة التي بذلتموها والتي أدت إلى حل عدد من القضايا الإنسانية الحساسة إلى حد ما. إنني أعلم بقلقك بشأن تطور الوضع ككل ورغبتك في المساهمة في تسوية جميع القضايا الخلافية، بما في ذلك الأزمة التي تحدث اليوم في أوكرانيا. أود أن أشير إلى أن هذا بالفعل عامل مهم يجعل من الممكن استخدام نفوذكم من أجل التحرك نحو تسوية الوضع»، كما قال الرئيس بوتين قبل ذلك خلال مؤتمر صحفي عقب قمة «رابطة الدول المستقلة» في كازاخستان، إنه «منفتح» على المفاوضات مع كييف وعلى وساطة دول مثل الإمارات العربية المتحدة أو تركيا، وهذا الحديث المهم يعني قبول روسياً صريحاً بدور إماراتي للبحث عن حلول، بل دعا صاحب السمو رئيس الدولة لاستخدام نفوذه من أجل التحرك نحو تسوية الوضع في أوكرانيا، وهذا الأمر يعكس تقدير روسيا للدبلوماسية الاماراتية، وشخص صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وما يتمتع به من حكمة وبعد نظر وقبول من جميع الأطراف، بما يؤهل سموه للقيام بدور وساطة مؤثر في أزمة باتت من التعقيد والتداخل بحيث تحتاج إلى تضافر جهود حكماء العالم جميعهم من أجل ايجاد مخرج آمن يحول دون تحقق السيناريوهات المتشائمة التي تنذر بدمار عالمي.
ولاشك أن الوساطة الإماراتية ترتكز ليس فقط على علاقات الصداقة والتعاون القوية بين دولة الامارات وروسيا الاتحادية، ولكن أيضاً على العلاقات الشخصية القوية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس فلاديمير بوتين، حيث حظيت هذه العلاقات باهتمام كبير من وسائل الاعلام الدولية، التي سلطت الضوء على كل تفاصيل الزيارة، بما في ذلك المواقف واللفتات الشخصية المتبادلة بين الرئيسين، حيث تعرضت بعض التقارير الاعلامية لدلالات المحادثات الثنائية بين الرئيسين، والتي حرص البروتوكول الروسي المعروفة بدقته الشديدة على جعل مسافة الجلوس قريبة للغاية، بعكس كل اللقاءات التي عقدها الرئيس بوتين منذ بداية انتشار جائحة «كورونا» وتواصلت خلال أزمة أوكرانيا، حتى أصبحت التباعد بين الرئيس بوتين وضيوفه مؤشراً مهماً لتقارب وتباعد المواقف ووجهات النظر والرؤى السياسية. وبلغ الأمر أن وسائل الاعلام قد اتخذت من هذا التباعد الذي تجسده طاولة الاجتماعات الروسية الشهيرة، مؤشراً على مواقف الرئيس بوتين حيال قادة وزعماء آخرين، وهو الأمر الذي اختفى تماماً خلال لقائه مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث عقدت المحادثات في أجواء صداقة قوية، وعكست الكلمات المتبادلة واللفتات الشخصية العديدة مستوى استثنائي من الصداقة الشخصية، التي يمكن أن تسهم كثيراً في حلحلة الأزمات الدولية المعقدة.
وقد تناولت التقارير الاعلامية تفاصيل العلاقات الشخصية القوية التي تربط بين الزعيمين، والتي ظهرت بشكل في مظاهر الترحيب والحفاوة المتبادلة خلال اللقاء والتي ظهرت في لفتات عدة، منذ اللحظات الأولى للقاء الزعيمين بسانت بطرسبرج، حيث حرص الرئيس الروسي على استقبال ضيفه بحفاوة بالغة، واصفا زيارته الأخيرة للإمارات في 15 أكتوبر 2019 بأنها كانت «شيئا لا ينسى»، كما ظهرت عندما خاطب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نظيره الروسي بكلمة «صديقي»، وقال سموه مخاطباً بوتين: «سعيد جداً بشوفك ( برؤيتك) صديقي فخامة الرئيس»، مشيراً إلى طول المدة منذ اللقاء الأخير بسبب تفشي جائحة «كورونا»، في إشارة إلى واجبات الصداقة القوية، كما هنأ سموه الرئيس الروسي بمناسبة عيد ميلاده، ورد الرئيس بوتين بالعربية على كلمات ضيفه قائلاً «شكراً»، وفي لفتة تدل على قوة العلاقة بين الزعيمين، أهدى الرئيس بوتين، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان معطفه للوقاية من برد سانت بطرسبرج، وأظهر مقطع فيديو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يخرج عقب لقاء بوتين وقد ارتدى معطفا، يبدو أنه خاص بالرئيس الروسي.
أهمية دور الوساطة الإماراتي في الأزمة الأوكرانية : قد يبدو للبعض أن الإمارات لا تستطيع لعب دور فاعل في تسوية الأزمة الأوكرانية، ولكن هذا الاستنتاج أو التصور بعيد تماماً عن واقع الأمور لاعتبارات وحسابات عدة أهمها أن الأزمة لا تحتاج لتدخلات قوى كبرى بقدر ما تحتاج إلى وسطاء يمتلكون علاقات قوية مع الأطراف جميعها، ويحظون بالقبول من الجميع، وفي الوقت ذاته يمتلكون نوايا جادة وإرادة قوية وعزيمة لا تلين للبحث عن السلام والاستقرار، فضلاً عن توافر خبرات دبلوماسية متراكمة تتيح لهم رأب الفجوات وبناء الجسور وطرح الحلول والتسويات التي تحفظ ماء وجه، وهذه الشروط والمواصفات تحديداً لا تكاد تتوافر في التوقيت والظروف الراهنة سوى في قادة معدودين عالمياً، في مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يمتلك موروثاً كبيراً من الخبرات الدبلوماسية والسياسية وتسوية الصراعات والنزاعات مدعومة برصيد هائل من علاقات الصداقة القوية مع رؤساء وزعماء العالم شرقاً وغرباً، وهو ماتحتاج هذه الأزمة المعقدة في هذا التوقيت تحديداً، حيث تصاعدت الأمور وازدادت تعقيداً وسخونة لدرجة التهديد باستخدام السلاح النووي، الأمر الذي يحتاج إلى قائد عالمي حقيقي يدرك خطورة الموقف ويسعى إلى تبريد الأجواء، وطرح مقترحات ونقل الرسائل عبر قنوات دبلوماسية متعارف عليها من أجل الاسهام الجاد في البحث عن مخارج، لاسيما أن الأزمة لم تعد تتحمل الحسابات الصفرية التي يراهن عليها البعض في الغرب، بل تتطلب البحث عن مخارج تحفظ ماء وجه الجميع وتتضمن تنازلات من الأطراف جميعها لانقاذ اقتصادات العالم وشعوبه من المعاناة المتزايدة جراء استمرار هذه الحرب التي يصعب بناء توقعات متماسكة بشأن مالآتها في ظل التصعيد الراهن المتبادل. ومن الضروري التأكيد هنا على أن أدوار الوساطة في مثل هذه الأزمات المعقدة لا تنتهي بزيارة أو اثنتين بل تستغرق وقتاً طويلاً يتم فيها التباحث والمناقشات عبر قنوات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة، ويقوم فيها الوسيط بالتشاور مع وسطاء آخرين ومناقشة البدائل والحلول والمقترحات مع الأطراف المعنية كافة.
وبالتالي فإن من المتصور أن تبدأ جهود الوساطة في مثل هذه الظروف بتبريد الأجواء وتهيئة الظروف للنقاشات والبحث عن حلول ومخارج من الأزمة، ويلي ذلك مراحل تالية وهكذا، كون الوضع معقداً بدرجة تحتاج إلى جهود وطاقات دبلوماسية كبيرة لبناء المشتركات والتوصل إلى ما يمكن البناء عليه في مراحل لاحقة.
زيارة روسيا واتجاهات السياسة الخارجية الاماراتية
رغم أن دولة الامارات اشتهرت اقليمياً ودولياً بالتميز والتنافسية والتفوق على الصعيد التنموي وفقاً لمؤشرات التنافسية العالمية، فإن طموحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لمواصلة مسيرة الصعود الاماراتي في مختلف مجالات وقطاعات التنمية المستدامية، والحفاظ على تنافسية النموذج الاماراتي وضمان جاذبيته، تطلبت هذه الطموحات رسم سياسة خارجية جديدة تخدم هذه الأهداف وتسعى إلى تحقيقها، لذا فقد اتجهت الامارات إلى الامساك بزمام المبادرة الدبلوماسية ومواصلة خطواتها الاختراقية التي بدأت بفتح مسار عربي جديد للسلام مع اسرائيل، وفي هذا الإطار يمكن الاشارة إلى تحركات عدة وصفت بأنها تستهدف ـ»تصفير المشاكل»، بينما وصفها آخرون بسياسة بناء الجسور وردم الفجوات، واعتبرها فريق ثالث شرق أوسط جديد يعكس التحولات الجيوسياسية الحاصلة في توازنات القوى الاقليمية، ولكنها الواقع يقول أنها يمكن أن تكون مزيجاً من كل هذه الرؤى والتصورات التحليلية.
وقد وضعت الامارات في مستهل الخمسينية الجديدة استراتيجية طموحة للمستقبل، تضمنتها وثيقة الخمسين، التي نصت على عشر مبادىء ترسم في مجملها خطوات الامارات في سنواتها المقبلة، وتعد بمنزلة خارطة طريق سياسية واقتصادية وتنموية للمستقبل المنظور، وبالتالي فإن فهم ماوراء التحركات الدبلوماسية الإماراتية يجب أن يبدأ من قراءة دقيقة لهذه المبادىء، التي تضمنت بحسب نص المبدأ الثاني من الوثيقة ـ «التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم. التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى، وجميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية ستكون مسؤوليتها بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين عاما السابقة»، والمعنى هنا واضح تمام الوضوح ويعني أن تركيز القيادة الرشيدة بدولة الامارات سينصب «بشكل كامل» خلال السنوات المقبلة على «بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم» وأن «التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى»، وإذا كان هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يحظى بأولوية مطلقة في تخطيط ورؤية القيادة الرشيدة، فإن من البديهي أن تأتي الوثيقة على ذكر الآليات التي تحقق هذا الهدف وهنا لابد من الاشارة إلى المبدأ الثالث بالوثيقة، والذي يكمل ماقبله وينص على أن «السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات، هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الإمارات»، وهنا تبدو الأمور واضحة حيث يؤطر هذا المبدأ لدور السياسة الخارجية الاماراتية ويضعها في خدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية، مشيراً بمنتهى الوضوح إلى أن هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وصولاً إلى توفير «أفضل حياة» لشعب الامارات، أو الارتقاء بمؤشرات السعادة التي تعد ثمرة أو حصاداً لمجمل جهود التنمية.
ووقد اتجهت دولة الامارات إلى تبني نهج تشاركي يعكس رؤية الامارات وميلها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، فالامارات لا تسعى للجمع بين المتناقضين كما يتصور البعض، بل تريد تشارك بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها واقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع، وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهداف طموحة ـ كالتي وردت في وثيقة الخمسين ـ أو التي تعلنها القيادة الرشيدة بأن الطموحات لا سقف لها سوى السماء، تطرق أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت، لاسيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمكاسب اقتصادية وتجارية، بل برغبة صادقة في نشر قيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر، لذا ليس من باب المنطق أن تُبذل كل هذه الجهود في التقريب بين البشر سواء من خلال وثيقة الأخوة الانسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك ـ التي وقعها الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس في الرابع من فبراير 2019 في أبوظبي، في حين لا تستطيع اختراق الحواجز في علاقاتها الثنائية مع أطراف اقليمية مثل اسرائيل أو تركيا أو إيران.
وتعكس زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لروسيا، تطور السياسة الخارجية للدولة بتطور المعطيات الدولية، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والدينامكية والهدوء، يضاف إلى ذلك كله السمات الشخصية القيادية والكاريزما التي يتمتع بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله، وهي سمات تسهم في بناء الجسور وتقريب وجهات النظر وإنجاح جهود الوساطة وتسوية الأزمات، ولا ينفك ذلك كله عن اهتمام الدبلوماسية الاماراتية بالاضطلاع بمسؤولياتها الدولية باعتبارها عضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي، ـ لمدة عامين ـ للفترة 2023-2022؛ حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وقتذاك، إن انتخاب دولة الإمارات العربية المتحدة، لعضوية مجلس الأمن الدولي، يجسد ثقة العالم بالسياسة الإماراتية، وكفاءة منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها، مؤكداً أن الإمارات ستواصل مسؤوليتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية. وفي المجمل فإن عضوية دولة الامارات غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية (كانت الامارات عضواً في مجلس الأمن في الفترة 1986 – 1987) لمدة عامين، تمثل فرصة ثمينة لتعزيز دور الدولة ومكانتها وتحقيق رسالتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية. وهنا يبدو تحرك الامارات على الصعيد الدولي سواء من خلال خلال زيارة روسيا في هذه الظروف، أو غير ذلك، انعكاساً لرؤيتها الاستراتيجية التي عبر عنها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بالقول: “التزمت دولة الإمارات بالعمل المتعدد الأطراف، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة منذ تأسيسها وستستمر الدولة في التمسك بهذه المبادئ خلال عضويتها في مجلس الأمن. وإنني على ثقة من أن تاريخنا ودورنا كشريك ووسيط موثوق به، سيمكننا من تقديم مساهمة فاعلة خلال السنتين اللتين سنعمل فيهما في مجلس الأمن.
وإننا ندرك المسؤولية الكبيرة المرتبطة بالعضوية وأهمية التحديات التي يواجها المجلس، وبكل عزم ومثابرة، ستحرص دولة الإمارات على الحفاظ على السلم والأمن الدوليين». وهذه الرسالة بالغة الأهمية حقيقتين مهمتين أولهما تمسك الامارات برؤيتها الخاصة بأن ميثاق الأمم المتحدة ومبادىء القانون الدولي هي الركيزة الأهم في العلاقات الدولية، وثانيهما استشعار الامارات لأهمية دورها في توظيف قدراتها وامكانياتها الكبيرة لمصلحة تنفيذ التزاماتها ومسؤولياتها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة.
الخلاصة
تحرص الامارات في علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى على تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، وتوظيف شراكاتها مع الأطراف جميعها في التوصل إلى حلول وسط ومخارج وبدائل تحفظ ماء وجه الجميع بما يسهم في تفادي تدهور الصراعات وانزلاقها إلى ماهو أخطر وأكثر تدميراً، لذلك فإن تعميق التعاون والشراكة الاستراتيجية الاماراتية - الروسية، وكذلك الأمر بين الإمارات والصين، وجميعها شراكات قوية لا تأتي على حساب العلاقات الاستراتيجية القوية التي تربط دولة الامارات بالولايات المتحدة الأمريكية ولا خصماً من رصيدها، حيث تتحرك الدبلوماسية الاماراتية في مناطق الشراكة والتعاون مع الأطراف الاقليمية والدولية بعيداً عن التحليلات والتأويلات القائمة على فكرة الإحلال والتبديل في هياكل التحالفات الاستراتيجية الاقليمية والدولية، فعلاقات الشراكة الاستراتيجية التي باتت تربط الامارات بالصين وروسيا وقوى أخرى لا تحل بديلاً لعلاقاتها الاستراتيجية الراسخة مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف التقليدي المهم للإمارات. لذا يلاحظ أن الإمارات التي تمتلك شراكة استراتيجية شاملة مع الصين، هي نفسها التي تعزز شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، وهي أيضاً الشريك الاستراتيجي المهم للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والشرق الاوسط.
لا يوجد تعليقات