مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-11-02

زيارة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭... ‬أبعاد‭ ‬ودلالات‭ ‬حيوية‭ ‬مهمة

حظيت‭ ‬الزيارة‭ ‬التاريخية‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬ـ‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬باهتماماً‭ ‬استثنائياً‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬الزيارة‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬بالغ‭ ‬الحساسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأزمة‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا،‭ ‬ما‭ ‬ضاعف‭ ‬أهمية‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬راهنت‭ ‬عليها‭ ‬الدوائر‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تبريد‭ ‬أجواء‭ ‬التصعيد‭ ‬وتهدئة‭ ‬الأوضاع‭ ‬نسبياً،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬سموه‭ ‬والرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬اهتمام‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬بالسعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬التوترات‭ ‬العالمية‭ ‬وتبذل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجهد‭. ‬
 
‭ ‬بقلم‭ ‬العقيد‭ ‬الركن‭/ ‬يوسف‭ ‬جمعه‭ ‬الحداد
 
أبعاد‭ ‬ودلالات‭ ‬مهمة
 
تنطوي‭ ‬الزيارة‭ ‬التاريخية‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬إلى‭ ‬روسيا،‭ ‬على‭ ‬أبعاد‭ ‬عدة‭ ‬بعضها‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الثنائية،‭ ‬بينما‭ ‬يتصل‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بالقضايا‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الدولي‭ ‬والاقليمي،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬الشواهد‭ ‬أنها‭ ‬حظيت‭ ‬بنصيب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬نقاشات‭ ‬الجانبين،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الزيارة‭ ‬مبرمجة‭ ‬ضمن‭ ‬أجندة‭ ‬علاقات‭ ‬البلدين‭ ‬الصديقين،‭ ‬فإن‭ ‬توقيت‭ ‬الزيارة‭ ‬أضفى‭ ‬عليها‭ ‬أهمية‭ ‬استثنائية‭ ‬للغاية،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬‮«‬حساس‮»‬‭ ‬للأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬والتي‭ ‬دخلت‭ ‬منعطفاً‭ ‬خطيراً‭ ‬مؤخراً،‭ ‬بعد‭ ‬تفجير‭ ‬جسر‭ ‬القرم،‭ ‬ورد‭ ‬روسيا‭ ‬بهجمات‭ ‬صاروخية‭ ‬على‭ ‬كييف‭ ‬والتلويح‭ ‬بالنووي‭ ‬سلاحًا،‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬تحرك‭ ‬دبلوماسي‭ ‬مدروس‭ ‬وذكي‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬لخفض‭ ‬منسوب‭ ‬التوتر‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يهدد‭ ‬العالم‭ ‬بأكمله‭. ‬وفيما‭ ‬يلي‭ ‬استعراض‭ ‬أهم‭ ‬أبعاد‭ ‬ودلالات‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭:‬
 
الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭: ‬ في‭ ‬ضوء‭ ‬السمات‭ ‬والخصائص‭ ‬التي‭ ‬تتمع‭ ‬بها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الاماراتية‭ ‬الفاعلة‭ ‬والهادئة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معاً،‭ ‬لم‭ ‬تتطرق‭ ‬التصريحات‭ ‬الاماراتية‭ ‬كثيراً‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬التوترات‭ ‬والسعي‭ ‬لإيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬ولكن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بادر‭ ‬خلال‭ ‬لقاء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬ـ‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ـ‭ ‬للقول‭ : ‬‮«‬نحن‭ ‬ممتنون‭ ‬لكم‭ ‬على‭ ‬جهود‭ ‬الوساطة‭ ‬التي‭ ‬بذلتموها‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحساسة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬إنني‭ ‬أعلم‭ ‬بقلقك‭ ‬بشأن‭ ‬تطور‭ ‬الوضع‭ ‬ككل‭ ‬ورغبتك‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬جميع‭ ‬القضايا‭ ‬الخلافية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬بالفعل‭ ‬عامل‭ ‬مهم‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬استخدام‭ ‬نفوذكم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرك‭ ‬نحو‭ ‬تسوية‭ ‬الوضع‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬عقب‭ ‬قمة‭ ‬‮«‬رابطة‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‮»‬‭ ‬في‭ ‬كازاخستان،‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬منفتح‮»‬‭ ‬على‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬كييف‭ ‬وعلى‭ ‬وساطة‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬تركيا،‭ ‬وهذا‭ ‬الحديث‭ ‬المهم‭ ‬يعني‭ ‬قبول‭ ‬روسياً‭ ‬صريحاً‭ ‬بدور‭ ‬إماراتي‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول،‭ ‬بل‭ ‬دعا‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬لاستخدام‭ ‬نفوذه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرك‭ ‬نحو‭ ‬تسوية‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يعكس‭ ‬تقدير‭ ‬روسيا‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬الاماراتية،‭ ‬وشخص‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬وما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حكمة‭ ‬وبعد‭ ‬نظر‭ ‬وقبول‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬بما‭ ‬يؤهل‭ ‬سموه‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬وساطة‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬باتت‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭ ‬والتداخل‭ ‬بحيث‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬حكماء‭ ‬العالم‭ ‬جميعهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ايجاد‭ ‬مخرج‭ ‬آمن‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬تحقق‭ ‬السيناريوهات‭ ‬المتشائمة‭ ‬التي‭ ‬تنذر‭ ‬بدمار‭ ‬عالمي‭. ‬
 
ولاشك‭ ‬أن‭ ‬الوساطة‭ ‬الإماراتية‭ ‬ترتكز‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬الصداقة‭ ‬والتعاون‭ ‬القوية‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬القوية‭ ‬بين‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬والرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬حيث‭ ‬حظيت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬سلطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الزيارة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المواقف‭ ‬واللفتات‭ ‬الشخصية‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين،‭ ‬حيث‭ ‬تعرضت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الاعلامية‭ ‬لدلالات‭ ‬المحادثات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين،‭ ‬والتي‭ ‬حرص‭ ‬البروتوكول‭ ‬الروسي‭ ‬المعروفة‭ ‬بدقته‭ ‬الشديدة‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬مسافة‭ ‬الجلوس‭ ‬قريبة‭ ‬للغاية،‭ ‬بعكس‭ ‬كل‭ ‬اللقاءات‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬انتشار‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬وتواصلت‭ ‬خلال‭ ‬أزمة‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬التباعد‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬وضيوفه‭ ‬مؤشراً‭ ‬مهماً‭ ‬لتقارب‭ ‬وتباعد‭ ‬المواقف‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر‭ ‬والرؤى‭ ‬السياسية‭. ‬وبلغ‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التباعد‭ ‬الذي‭ ‬تجسده‭ ‬طاولة‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الروسية‭ ‬الشهيرة،‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬حيال‭ ‬قادة‭ ‬وزعماء‭ ‬آخرين،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬اختفى‭ ‬تماماً‭ ‬خلال‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬حيث‭ ‬عقدت‭ ‬المحادثات‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬صداقة‭ ‬قوية،‭ ‬وعكست‭ ‬الكلمات‭ ‬المتبادلة‭ ‬واللفتات‭ ‬الشخصية‭ ‬العديدة‭ ‬مستوى‭ ‬استثنائي‭ ‬من‭ ‬الصداقة‭ ‬الشخصية،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬حلحلة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬المعقدة‭. ‬
 
وقد‭ ‬تناولت‭ ‬التقارير‭ ‬الاعلامية‭ ‬تفاصيل‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الزعيمين،‭ ‬والتي‭ ‬ظهرت‭ ‬بشكل‭ ‬في‭ ‬مظاهر‭ ‬الترحيب‭ ‬والحفاوة‭ ‬المتبادلة‭ ‬خلال‭ ‬اللقاء‭ ‬والتي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬لفتات‭ ‬عدة،‭ ‬منذ‭ ‬اللحظات‭ ‬الأولى‭ ‬للقاء‭ ‬الزعيمين‭ ‬بسانت‭ ‬بطرسبرج،‭ ‬حيث‭ ‬حرص‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬استقبال‭ ‬ضيفه‭ ‬بحفاوة‭ ‬بالغة،‭ ‬واصفا‭ ‬زيارته‭ ‬الأخيرة‭ ‬للإمارات‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬شيئا‭ ‬لا‭ ‬ينسى‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬عندما‭ ‬خاطب‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬نظيره‭ ‬الروسي‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬صديقي‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬سموه‭ ‬مخاطباً‭ ‬بوتين‭: ‬‮«‬سعيد‭ ‬جداً‭ ‬بشوفك‭ ( ‬برؤيتك‭) ‬صديقي‭ ‬فخامة‭ ‬الرئيس‮»‬،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬طول‭ ‬المدة‭ ‬منذ‭ ‬اللقاء‭ ‬الأخير‭ ‬بسبب‭ ‬تفشي‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬واجبات‭ ‬الصداقة‭ ‬القوية،‭ ‬كما‭ ‬هنأ‭ ‬سموه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده،‭ ‬ورد‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬بالعربية‭ ‬على‭ ‬كلمات‭ ‬ضيفه‭ ‬قائلاً‭ ‬‮«‬شكراً‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬لفتة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الزعيمين،‭ ‬أهدى‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين،‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬معطفه‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬برد‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبرج،‭ ‬وأظهر‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬يخرج‭ ‬عقب‭ ‬لقاء‭ ‬بوتين‭ ‬وقد‭ ‬ارتدى‭ ‬معطفا،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬خاص‭ ‬بالرئيس‭ ‬الروسي‭.‬ 
 
 
أهمية‭ ‬دور‭ ‬الوساطة‭ ‬الإماراتي‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ : ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬أو‭ ‬التصور‭ ‬بعيد‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الأمور‭ ‬لاعتبارات‭ ‬وحسابات‭ ‬عدة‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬لتدخلات‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وسطاء‭ ‬يمتلكون‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬جميعها،‭ ‬ويحظون‭ ‬بالقبول‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يمتلكون‭ ‬نوايا‭ ‬جادة‭ ‬وإرادة‭ ‬قوية‭ ‬وعزيمة‭ ‬لا‭ ‬تلين‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬توافر‭ ‬خبرات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متراكمة‭ ‬تتيح‭ ‬لهم‭ ‬رأب‭ ‬الفجوات‭ ‬وبناء‭ ‬الجسور‭ ‬وطرح‭ ‬الحلول‭ ‬والتسويات‭ ‬التي‭ ‬تحفظ‭ ‬ماء‭ ‬وجه،‭ ‬وهذه‭ ‬الشروط‭ ‬والمواصفات‭ ‬تحديداً‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭ ‬والظروف‭ ‬الراهنة‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬قادة‭ ‬معدودين‭ ‬عالمياً،‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬موروثاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والسياسية‭ ‬وتسوية‭ ‬الصراعات‭ ‬والنزاعات‭ ‬مدعومة‭ ‬برصيد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬الصداقة‭ ‬القوية‭ ‬مع‭ ‬رؤساء‭ ‬وزعماء‭ ‬العالم‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً،‭ ‬وهو‭ ‬ماتحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬المعقدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬تحديداً،‭ ‬حيث‭ ‬تصاعدت‭ ‬الأمور‭ ‬وازدادت‭ ‬تعقيداً‭ ‬وسخونة‭ ‬لدرجة‭ ‬التهديد‭ ‬باستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قائد‭ ‬عالمي‭ ‬حقيقي‭ ‬يدرك‭ ‬خطورة‭ ‬الموقف‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬تبريد‭ ‬الأجواء،‭ ‬وطرح‭ ‬مقترحات‭ ‬ونقل‭ ‬الرسائل‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاسهام‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مخارج،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتحمل‭ ‬الحسابات‭ ‬الصفرية‭ ‬التي‭ ‬يراهن‭ ‬عليها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬بل‭ ‬تتطلب‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مخارج‭ ‬تحفظ‭ ‬ماء‭ ‬وجه‭ ‬الجميع‭ ‬وتتضمن‭ ‬تنازلات‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬جميعها‭ ‬لانقاذ‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم‭ ‬وشعوبه‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬المتزايدة‭ ‬جراء‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬بناء‭ ‬توقعات‭ ‬متماسكة‭ ‬بشأن‭ ‬مالآتها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التصعيد‭ ‬الراهن‭ ‬المتبادل‭. ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬التأكيد‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أدوار‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬المعقدة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬بزيارة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭ ‬بل‭ ‬تستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬التباحث‭ ‬والمناقشات‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة،‭ ‬ويقوم‭ ‬فيها‭ ‬الوسيط‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬وسطاء‭ ‬آخرين‭ ‬ومناقشة‭ ‬البدائل‭ ‬والحلول‭ ‬والمقترحات‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬كافة‭. ‬
 
وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬المتصور‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬جهود‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬بتبريد‭ ‬الأجواء‭ ‬وتهيئة‭ ‬الظروف‭ ‬للنقاشات‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬ومخارج‭ ‬من‭ ‬الأزمة،‭ ‬ويلي‭ ‬ذلك‭ ‬مراحل‭ ‬تالية‭ ‬وهكذا،‭ ‬كون‭ ‬الوضع‭ ‬معقداً‭ ‬بدرجة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬وطاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كبيرة‭ ‬لبناء‭ ‬المشتركات‭ ‬والتوصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬لاحقة‭.‬
 
زيارة‭ ‬روسيا‭ ‬واتجاهات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الاماراتية
رغم‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬اشتهرت‭ ‬اقليمياً‭ ‬ودولياً‭ ‬بالتميز‭ ‬والتنافسية‭ ‬والتفوق‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬التنموي‭ ‬وفقاً‭ ‬لمؤشرات‭ ‬التنافسية‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬طموحات‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬لمواصلة‭ ‬مسيرة‭ ‬الصعود‭ ‬الاماراتي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬وقطاعات‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامية،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬تنافسية‭ ‬النموذج‭ ‬الاماراتي‭ ‬وضمان‭ ‬جاذبيته،‭ ‬تطلبت‭ ‬هذه‭ ‬الطموحات‭ ‬رسم‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬جديدة‭ ‬تخدم‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬اتجهت‭ ‬الامارات‭ ‬إلى‭ ‬الامساك‭ ‬بزمام‭ ‬المبادرة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬ومواصلة‭ ‬خطواتها‭ ‬الاختراقية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بفتح‭ ‬مسار‭ ‬عربي‭ ‬جديد‭ ‬للسلام‭ ‬مع‭ ‬اسرائيل،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يمكن‭ ‬الاشارة‭ ‬إلى‭ ‬تحركات‭ ‬عدة‭  ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬تستهدف‭ ‬ـ»تصفير‭ ‬المشاكل‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬وصفها‭ ‬آخرون‭ ‬بسياسة‭ ‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬وردم‭ ‬الفجوات،‭ ‬واعتبرها‭ ‬فريق‭ ‬ثالث‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬يعكس‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الحاصلة‭ ‬في‭ ‬توازنات‭ ‬القوى‭ ‬الاقليمية،‭ ‬ولكنها‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مزيجاً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الرؤى‭ ‬والتصورات‭ ‬التحليلية‭. ‬
 
وقد‭ ‬وضعت‭ ‬الامارات‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬الخمسينية‭ ‬الجديدة‭ ‬استراتيجية‭ ‬طموحة‭ ‬للمستقبل،‭ ‬تضمنتها‭ ‬وثيقة‭ ‬الخمسين،‭ ‬التي‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬عشر‭ ‬مبادىء‭ ‬ترسم‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬خطوات‭ ‬الامارات‭ ‬في‭ ‬سنواتها‭ ‬المقبلة،‭ ‬وتعد‭ ‬بمنزلة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وتنموية‭ ‬للمستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬فهم‭ ‬ماوراء‭ ‬التحركات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإماراتية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬دقيقة‭ ‬لهذه‭ ‬المبادىء،‭ ‬التي‭ ‬تضمنت‭ ‬بحسب‭ ‬نص‭ ‬المبدأ‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الوثيقة‭ ‬ـ‭ ‬‮«‬التركيز‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأفضل‭ ‬والأنشط‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدولة‭ ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الأعلى،‭ ‬وجميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬تخصصاتها‭ ‬وعبر‭ ‬مستوياتها‭ ‬الاتحادية‭ ‬والمحلية‭ ‬ستكون‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬بناء‭ ‬أفضل‭ ‬بيئة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالمية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬المكتسبات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها‭ ‬خلال‭ ‬الخمسين‭ ‬عاما‭ ‬السابقة‮»‬،‭ ‬والمعنى‭ ‬هنا‭ ‬واضح‭ ‬تمام‭ ‬الوضوح‭ ‬ويعني‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة‭ ‬بدولة‭ ‬الامارات‭ ‬سينصب‭ ‬‮«‬بشكل‭ ‬كامل‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأفضل‭ ‬والأنشط‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدولة‭ ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الأعلى‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬بأولوية‭ ‬مطلقة‭ ‬في‭ ‬تخطيط‭ ‬ورؤية‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬الوثيقة‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاشارة‭ ‬إلى‭ ‬المبدأ‭ ‬الثالث‭ ‬بالوثيقة،‭ ‬والذي‭ ‬يكمل‭ ‬ماقبله‭ ‬وينص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬هي‭ ‬أداة‭ ‬لخدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬هدف‭ ‬السياسة‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وهدف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬هو‭ ‬توفير‭ ‬أفضل‭ ‬حياة‭ ‬لشعب‭ ‬الإمارات‮»‬،‭ ‬وهنا‭ ‬تبدو‭ ‬الأمور‭ ‬واضحة‭ ‬حيث‭ ‬يؤطر‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬لدور‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الاماراتية‭ ‬ويضعها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬مشيراً‭ ‬بمنتهى‭ ‬الوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬السياسة‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬‮«‬أفضل‭ ‬حياة‮»‬‭ ‬لشعب‭ ‬الامارات،‭ ‬أو‭ ‬الارتقاء‭ ‬بمؤشرات‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬ثمرة‭ ‬أو‭ ‬حصاداً‭ ‬لمجمل‭ ‬جهود‭ ‬التنمية‭. ‬
 
ووقد‭ ‬اتجهت‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬نهج‭ ‬تشاركي‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬الامارات‭ ‬وميلها‭ ‬الدائم‭ ‬نحو‭ ‬ترسيخ‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين،‭ ‬فالامارات‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬للجمع‭ ‬بين‭ ‬المتناقضين‭ ‬كما‭ ‬يتصور‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬تريد‭ ‬تشارك‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬تحقق‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬قفزاً‭ ‬على‭ ‬التناقضات‭ ‬والتباينات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعظيم‭ ‬المشتركات‭ ‬والبناء‭ ‬عليها‭ ‬واقصاء‭ ‬الاختلافات‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تأثيرها،‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وليس‭ ‬مفاجئاً‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬أهداف‭ ‬طموحة‭ ‬ـ‭ ‬كالتي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬الخمسين‭ ‬ـ‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تعلنها‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة‭ ‬بأن‭ ‬الطموحات‭ ‬لا‭ ‬سقف‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬السماء،‭ ‬تطرق‭ ‬أبواب‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أينما‭ ‬كانت،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بمكاسب‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية،‭ ‬بل‭ ‬برغبة‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬لذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المنطق‭ ‬أن‭ ‬تُبذل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وثيقة‭ ‬الأخوة‭ ‬الانسانية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬ـ‭ ‬التي‭ ‬وقعها‭ ‬الامام‭ ‬الأكبر‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬الطيب‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬والبابا‭ ‬فرانسيس‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬أبوظبي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬اختراق‭ ‬الحواجز‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الثنائية‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬اقليمية‭ ‬مثل‭ ‬اسرائيل‭ ‬أو‭ ‬تركيا‭ ‬أو‭ ‬إيران‭.‬
 
وتعكس‭ ‬زيارة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬ـ‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ـ‭ ‬لروسيا،‭ ‬تطور‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدولة‭ ‬بتطور‭ ‬المعطيات‭ ‬الدولية،‭ ‬مع‭ ‬احتفاظها‭ ‬بسماتها‭ ‬الأساسية‭ ‬المميزة‭ ‬والمتفردة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الفاعلية‭ ‬والدينامكية‭ ‬والهدوء،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬السمات‭ ‬الشخصية‭ ‬القيادية‭ ‬والكاريزما‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬ـ‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬وهي‭ ‬سمات‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬وتقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬وإنجاح‭ ‬جهود‭ ‬الوساطة‭ ‬وتسوية‭ ‬الأزمات،‭  ‬ولا‭ ‬ينفك‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬عن‭ ‬اهتمام‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الاماراتية‭ ‬بالاضطلاع‭ ‬بمسؤولياتها‭ ‬الدولية‭ ‬باعتبارها‭ ‬عضو‭ ‬غير‭ ‬دائم‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬ـ‭ ‬لمدة‭ ‬عامين‭ ‬ـ‭ ‬للفترة‭ ‬2023‭-‬2022؛‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬وقتذاك،‭ ‬إن‭ ‬انتخاب‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬لعضوية‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬يجسد‭ ‬ثقة‭ ‬العالم‭ ‬بالسياسة‭ ‬الإماراتية،‭ ‬وكفاءة‭ ‬منظومتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وفاعليتها،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬ستواصل‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬السلام‭ ‬والتعاون‭ ‬والتنمية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬وفي‭ ‬المجمل‭  ‬فإن‭ ‬عضوية‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬غير‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ (‬كانت‭ ‬الامارات‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬1986‭ ‬–‭ ‬1987‭) ‬لمدة‭ ‬عامين،‭ ‬تمثل‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬لتعزيز‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬ومكانتها‭ ‬وتحقيق‭ ‬رسالتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬السلام‭ ‬والتعاون‭ ‬والتنمية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬وهنا‭ ‬يبدو‭ ‬تحرك‭ ‬الامارات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬انعكاساً‭ ‬لرؤيتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭  ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي‭ ‬بالقول‭: ‬“التزمت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬بالعمل‭ ‬المتعدد‭ ‬الأطراف،‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬وستستمر‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬بهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬خلال‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬وإنني‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تاريخنا‭ ‬ودورنا‭ ‬كشريك‭ ‬ووسيط‭ ‬موثوق‭ ‬به،‭ ‬سيمكننا‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬مساهمة‭ ‬فاعلة‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬اللتين‭ ‬سنعمل‭ ‬فيهما‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬
 
وإننا‭ ‬ندرك‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكبيرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعضوية‭ ‬وأهمية‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجها‭ ‬المجلس،‭ ‬وبكل‭ ‬عزم‭ ‬ومثابرة،‭ ‬ستحرص‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‮»‬‭. ‬وهذه‭ ‬الرسالة‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬حقيقتين‭ ‬مهمتين‭ ‬أولهما‭ ‬تمسك‭ ‬الامارات‭ ‬برؤيتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بأن‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومبادىء‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬هي‭ ‬الركيزة‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وثانيهما‭ ‬استشعار‭ ‬الامارات‭ ‬لأهمية‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬قدراتها‭ ‬وامكانياتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬لمصلحة‭ ‬تنفيذ‭ ‬التزاماتها‭ ‬ومسؤولياتها‭ ‬كعضو‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬
 
الخلاصة‭ ‬
تحرص‭ ‬الامارات‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الدوليين،‭ ‬وتوظيف‭ ‬شراكاتها‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬وسط‭ ‬ومخارج‭ ‬وبدائل‭ ‬تحفظ‭ ‬ماء‭ ‬وجه‭ ‬الجميع‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬تدهور‭ ‬الصراعات‭ ‬وانزلاقها‭ ‬إلى‭ ‬ماهو‭ ‬أخطر‭ ‬وأكثر‭ ‬تدميراً،‭  ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬تعميق‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الاماراتية‭ - ‬الروسية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬والصين،‭ ‬وجميعها‭ ‬شراكات‭ ‬قوية‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولا‭ ‬خصماً‭ ‬من‭ ‬رصيدها،‭ ‬حيث‭ ‬تتحرك‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الاماراتية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الشراكة‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬التحليلات‭ ‬والتأويلات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الإحلال‭ ‬والتبديل‭ ‬في‭ ‬هياكل‭ ‬التحالفات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬فعلاقات‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تربط‭ ‬الامارات‭ ‬بالصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وقوى‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬بديلاً‭ ‬لعلاقاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الراسخة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الحليف‭ ‬التقليدي‭ ‬المهم‭ ‬للإمارات‭. ‬لذا‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬شراكتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬الشريك‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المهم‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والشرق‭ ‬الاوسط‭.‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره