مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-09-01

طالبان... تغيرات تكتيكية أم استراتيجية

تهاوت المدن والمحافظات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى في أيدي حركة «طالبان»  بشكل مفاجئ، بينما كانت توقعات الإستخبارات الأميركية أن تصمد حكومة كابول لستة أشهر على أقل تقدير قبل أن تكون الحركة قد أحكمت قبضتها على العاصمة، وأدى هذا الانهيار لحدوث فراغ إستراتيجي وأثار قلقاً كبيراً لاسيما لدى دول الجوار الأفغاني. 
 
بقلم: العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
 
لكن فى عام2021 هل ستكون طالبان نسخة معدلة من السابق، وهل سنشهد تغييرات حقيقية فى سياساتها داخلياً وخارجياً. فى الواقع أن الخطابات التى صدرت من بعض قادة طالبان ومنهم المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد فى أول مؤتمر صحفى للحركة  تضمنت تطمينات وتعهدات للداخل والخارج، حيث تعهدت الحركة بإعطاء النساء حقوقهن فى العمل والتعليم والزامهم فقط بارتداء الحجاب فى إطار قوانين الشريعة الإسلامية وهو مفهوم مطاط وعام. كما أصدرت الحركة عفواً عاماً عن موظفى الحكومة وكذلك قوات الجيش والمتعاونين مع القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو وطالبت الشباب الأفغان بالبقاء فى أفغانستان لتنمية بلدهم، إضافة إلى تعهد الحركة بألا تكون أفغانستان نقطة تهديد للدول الخارجية أو لدول الجوار، بما يعنى أنها لن تكون مأوى للتنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة. لكن على المستوى العملى فإن الدول الخارجية والغربية اتسم موقفها بالحذر من تعهدات وتصريحات قادة طالبان, ورهنوها بتغيير حقيقى فى سلوك الحركة على أرض الواقع، أى ترجمة الأقوال إلى أفعال.
 
وتستهدف طالبان من وراء هذا الخطاب والتصريحات والتطمينات النظرية، كسر عزلتها الدولية وكسب الاعتراف الدولى بها وجذب الاستثمارات الأجنبية فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعيشها الشعب الأفغانى، لكنها فى المقابل أعلنت إقامة نظام الإمارة الإسلامية وتغيير النظام السياسى فى البلاد، ولذلك فإن التغيير فى سياسات طالبان قد يكون فقط فى التكتيكات وليس الاستراتيجيات أو الأهداف. ورغم أن الحركة قدمت تعهدات بألا تكون أفغانستان منطلقاً لأعمال إرهابية ضد الأخرين، إلا انه عملياً فإن أفغانستان طالبان ربما ستكون ساحة لاجتذاب التنظيمات الإرهابية الدينية المتشددة فى الكثير من دول العالم فى ظل حالة الفوضى التى تعيشها البلاد خاصة مع تصاعد الحركات المعارضة للحركة، كما حدث فى جلال أباد وغيرها نتيجة لاعتراض السكان على سياسات طالبان وتغيير الهوية الأفغانية القائمة على التعددية، كذلك الشكوك حول تشكيل حكومة وطنية تمثل كل أطياف الشعب الأفغانى، والتى ستكون حكومة صلبها عناصر طالبان مع إدخال بعض العناصر من النظام القديم والقبائل لتجميل الصورة ليس أكثر أمام العالم. ولكن تبقى علاقة طالبان مع التنظيمات الارهابية المحدد الرئيسي لعلاقتها مع العالم خلال المرحلة المقبلة، لأنه لا أحد يستطيع التسليم تماماً بانقطاع العلاقة بين الحركة وهذه التنظيمات، فرغم التعهدات بألا تصبح أفغانستان مصدر تهديد للآخرين فإن هناك شكوك في استمرار العلاقات بشكل سري بين طالبان وقادة الارهاب بحكم التقارب الفكري والتعاون لفترات طويلة.  كما يبقى شكل الحكم الذي ستقيمه الحركة وممارساتها على أرض الواقع وتعاملها مع معارضيها محددات مهمة لاثبات مدى حدوث تغير في نهجها من عدمه.
 
في المقابل، أطلق الإنسحاب الأميركي من أفغانستان سباقاً بين عدة توازنات إقليمية لملء الفراغ،حيث بدأت باكستان وإيران وتركيا ناهيك عن روسيا والصين كل منهم يعد نفسه لمرحلة ما بعد أميركا.
 
فباكستان البلد المجاورسيزداد نفوذها بحكم العلاقة التاريخيةمع طالبان، وستعمل إيران أن تحقق موطيء قدم لها في أفغانستان عبر أقلية الهزارة، بينما ستسعى تركيا إلى دور عبر بناء تواصل مع حركة طالبان وتقديم الدعم الأمني الذي تحتاجه الحركة.   كما تلوح بوادر تفاهم بين بكين وحركة طالبان من ناحية، وروسيا وطالبان من ناحية أخرى تتمثل في تأكيد الحركة أنها لن تتدخل في قضية «الإيغور» المسلمين في الصين باعتبارها أمراً داخلياً، كما أكدت الحركة أنها ستعمل على تحسين علاقتها مع روسيا .
 
هكذا مرت الأعوام العشرة للوجود السوفيتي، تماماً كما مرت الأعوام العشرين على الغزو الأميركي وقبلها الاحتلال البريطاني في القرن التاسع عشر من دون أن يغير ذلك شيئاً من طبيعة الأفغان، وكأن الشعب الأفغاني يقول يأتي من يأتي ونحن باقون....
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره