مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-08-02

علم‭ ‬النفس‭ ‬ووقاية‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬التطرف

في‭ ‬علم‭ ‬نفس‭ ‬الواقع‭ ‬ليس‭ ‬مثيراً‭ ‬للاندهاش‭ ‬ان‭ ‬يتطرف‭ ‬احد‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬اي‭ ‬بلد‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬شخص‭ ‬كما‭ ‬يقال‭) ‬متفتح‭ ‬(،‭ ‬كما‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬بأمر‭ ‬صعب‭ ‬ان‭ ‬يتطرف‭ ‬شخص‭ ‬بعدما‭ ‬يتم‭ ‬استدراجه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬ولكن‭ ‬الغير‭ ‬مقبول‭ ‬نهائيا‭ ‬ًان‭ ‬يتمكن‭ ‬المتطرفون‭ ‬من‭ ‬استقطاب‭ ‬نماذج‭ ‬تنتمي‭ ‬للمؤسسات‭ ‬العسكرية،‭ ‬حيث‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬درجة‭ ‬الانتماء‭ ‬والوعي‭ ‬عند‭ ‬هوءلاء‭ ‬تتضاعف‭ ‬عن‭ ‬الافراد‭ ‬الآخرين‭ .
بقلم‭ ‬الإعلامية‭ ‬الدكتورة‭ / ‬رشا‭ ‬الجندي‭ ‬
 
لقد‭ ‬تعمق‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬نفوس‭ ‬المتطرفين،‭ ‬فوجد‭ ‬ان‭ ‬أصعب‭ ‬أنواع‭ ‬التطرف‭ ‬هم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتطرفون‭ ‬بعد‭ ‬الوطنية‭ ‬والوعي‭ ‬الفكري‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬فهم‭ ‬بالفعل‭ ‬أصعب‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬الوعي‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬ترعرعوا‭ ‬على‭ ‬التطرف‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬أقدارهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ان‭ ‬آباءهم‭ ‬آو‭ ‬أمهاتهم‭ ‬أو‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬رعايتهم‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬المتطرفة‭ .‬
 
ان‭ ‬انتساب‭ ‬فرد‭ ‬لمؤسسة‭ ‬عسكرية‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بتنظيف‭ ‬المكان‭ ‬الى‭ ‬أكبر‭ ‬قيادة‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬أمن‭ ‬قومي‭ ‬لأي‭ ‬بلد،‭ ‬ولذا‭ ‬فالدورات‭ ‬التدريبية‭ ‬المستمرة‭ ‬لجميع‭ ‬الأفراد‭ ‬حول‭ ‬الاعتدال‭ ‬هي‭ ‬دورات‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬التدريب‭ ‬العسكري،‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬الأصحاء‭ ‬نفسياً‭ ‬اي‭ ‬المعتدلون‭ ‬في‭ ‬أفكارهم‭ ‬ومشاعرهم‭ ‬وبالتالي‭ ‬سلوكهم‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬البالغة‭ ‬ان‭ ‬ينجذبوا‭ ‬للتطرف،‭ ‬ولذا‭ ‬فعلم‭ ‬النفس‭ ‬دائما‭ ‬يصف‭ ‬دواء‭ ‬الاعتدال‭ ‬للوقاية‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬العلاج‭ ‬وكما‭ ‬يتردد‭ ‬على‭ ‬السنتنا‭ ‬جميعاً‭ ‬‮«‬‭ ‬الوقاية‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬‮»‬‭.‬
 
تبدأ‭ ‬اولى‭ ‬خطوات‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬الاعتدال‭ ‬بالتدريب‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الشهوات،‭ ‬فالمتحكمون‭ ‬في‭ ‬شهواتهم‭ ‬هم‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬انفعالاتهم‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مشاعرهم،‭ ‬أفكارهم‭ ‬وسلوكياتهم‭. ‬ذكر‭ ‬الخالق‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭ ‬بسورة‭ ‬ال‭ ‬عمران‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ) ‬زُيِّنَ‭ ‬لِلنَّاسِ‭ ‬حُبُّ‭ ‬الشَّهَوَاتِ‭ ‬مِنَ‭ ‬النِّسَاءِ‭ ‬وَالْبَنِينَ‭ ‬وَالْقَنَاطِيرِ‭ ‬الْمُقَنطَرَةِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الذَّهَبِ‭ ‬وَالْفِضَّةِ‭ ‬وَالْخَيْلِ‭ ‬الْمُسَوَّمَةِ‭ ‬وَالْأَنْعَامِ‭ ‬وَالْحَرْثِۗذَٰلِكَ‭ ‬مَتَاعُ‭ ‬الْحَيَاةِ‭ ‬الدُّنْيَاۖوَاللَّهُ‭ ‬عِندَهُ‭ ‬حُسْنُ‭ ‬الْمَآبِ‭(.‬
 
عندما‭ ‬تتعمق‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬ستجد‭ ‬أنه‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬بدأ‭ ‬بالجنس‭ ‬الآخر،‭ ‬وعندما‭ ‬نتعمق‭ ‬في‭ ‬أشهر‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬في‭ ‬التجنيد‭ ‬والجاسوسية‭ ‬كانت‭ ) ‬الجنس‭ ‬الآخر).
 
‬وعندما‭ ‬يتعمق‭ ‬أكثر‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬يكتشفون‭ ‬وجود‭ ‬شهوات‭ ‬اخرى‭ ‬خطيرة‭ ‬جدأ‭ ‬كالمال،‭ ‬الطعام،‭ ‬السلطة‭ ‬‮…‬‭. ‬وهكذا،‭ ‬لذا‭ ‬فالمنتسبون‭ ‬للمؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬لابد‭ ‬وان‭ ‬يتم‭ ‬تدريبهم‭ ‬نفسياً‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لديهم‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭. ‬فهل‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬نتخيل‭ ‬شخص‭ ‬عسكري‭ ‬لديه‭ ‬شهوة‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬لديه‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف؟‭!! ‬ بالفعل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لعلم‭ ‬النفس‭ ‬تقبل‭ ‬ذلك،‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬فهذا‭ ‬مؤشر‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬فوراً‭ ‬لتقويمه،‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬شديدة‭ ‬سيكون‭ ‬عرضة‭ ‬للاستقطاب‭ ‬للتطرف‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬وقت‭ ‬تعرضه‭ ‬لضغوط‭ ‬حياتية‭ ‬أو‭ ‬مادية‭ ‬أو‭ ‬عاطفية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬عامة‭ ‬‮…‬‭ ‬وهكذا‭ . ‬
 
بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الشهوات‭ ‬لابد‭ ‬وان‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬هرم‭ ‬السلام‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬بالتقبل‭ ‬ثم‭ ‬التسامح‭ ‬فالتعاون‭ ‬ويتدرج‭ ‬للحب‭ ‬والأمان‭ ‬فالانتماء‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الفوز‭ ‬بالوصول‭ ‬لقمة‭ ‬الهرم‭ ‬وهي‭ ‬نبذ‭ ‬العنف‭. ‬كما‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التدريب‭ ‬النفسي‭ ‬على‭ ‬تفريغ‭ ‬الضغوط،‭ ‬فالإنتماء‭ ‬للمؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬وظيفة‭ ‬شاقة‭ ‬نفسياً‭ ‬لانها‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الكتمان،‭ ‬والصحة‭ ‬النفسية‭ ‬تنفر‭ ‬منه‭ ‬دائماً‭ ‬لان‭ ‬من‭ ‬أساسياتها‭ ‬الفضفضة‭ ‬والتفريغ‭ ‬المستمر‭ ‬منعاً‭ ‬للتراكم‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬الضغط‭ ‬النفسي‭ !! ‬اذاً‭ ‬هل‭ ‬لنا‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬كيف‭ ‬يتحملون‭ ‬هوءلاء‭ ‬الرجال‭ ‬؟‭! ‬فليست‭ ‬مهامهم‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬الذي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تحمله‭ ‬اي‭ ‬إنسان‭ ‬ولذا‭ ‬فهي‭ ‬حقاً‭ ‬وظيفة‭ ‬الأبطال‭ . ‬
 
ماذا‭ ‬يريد‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬لهؤلاء‭ ‬؟‭ ‬هل‭ ‬أراد‭ ‬انتزاع‭ ‬أحاسيسهم‭ ‬؟‭!‬‭ ‬
بالطبع‭ ‬لا،‭ ‬ولكن‭ ‬يريدهم‭ ‬محترفون‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬بسيكولوجية‭ ‬البدائل،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬أنسب‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬تناسبهم‭ ‬نفسياً،‭ ‬كما‭ ‬تناسب‭ ‬كل‭ ‬انسان‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يحيا‭ ‬بصحة‭ ‬نفسية‭ ‬جيدة‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬أسوأ‭ ‬الظروف‭ ‬أو‭ ‬عكسها‭. ‬وهل‭ ‬للفضفضة‭ ‬بديل‭ ‬؟‭! ‬نعم‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬بدائل‭ ‬عديدة‭ ‬تناسب‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬حسب‭ ‬وظيفته‭ ‬وموقعه‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬ومهامه‭ .‬
 
الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أيضاً‭ ‬ان‭ ‬وجود‭ ‬دورات‭ ‬اخرى‭ ‬لترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬المعتدل‭ ‬أمر‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬بصفة‭ ‬دورية‭ ‬ومستمرة‭ . ‬
في‭ ‬النهاية‭ ‬لابد‭ ‬وان‭ ‬نسترجع‭ ‬من‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬المربية‭ ‬وبنيتنا‭ ‬المعرفية‭ ‬اهم‭ ‬مباديء‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والحماية‭ ‬من‭ ‬التطرف‭ ‬الا‭ ‬وهو‭ ‬“‭ ‬طالما‭ ‬اخترت‭ ‬وظيفة‭ ‬ستتعامل‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬بشر‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يفارقك‭ ‬علم‭ ‬النفس،‭ ‬فالعملية‭ ‬الحسابية‭ ‬الشهيرة‭ 2‬‭=1‭+‬1‬‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬خاطئة‭ ‬لوجود‭ ‬الفروق‭ ‬الفردية‭ ‬بين‭ ‬البشر‭. ‬
 
قوموا‭ ‬بتغذية‭ ‬الموءسسات‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬والعسكرية‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬بدورات‭ ‬وكتب‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية،‭ ‬فهي‭ ‬السبيل‭ ‬الأهم‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬النفسي‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬التطرف،‭ ‬اجعلوهم‭ ‬يأثرون‭ ‬لا‭ ‬يتأثرون‭ ‬وهذا‭ ‬واجبهم‭ ‬الوطني‭ .‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره