مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-01-10

عين الصقر .. ومقومات ريادة الإمارات في مجال صناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية

جاء إطلاق الإمارات للقمر الاصطناعي «عين الصقر» في الثاني من ديسمبر 2020، ليعزز من ريادة الإمارات في مجال الأقمار الاصطناعية، ويضعها على خارطة الدول المتقدمة، بعد أن أصبح امتلاك برامج الفضاء والقدرة على الانخراط في مجال تصنيع الأقمار الاصطناعية أهم مؤشرات قياس قوة الدول وتطورها المعرفي والتقني في عالمنا المعاصر. 
 
بقلم : يوسف جمعة الحداد
 
«عين الصقر» .. مهام نوعية متطورة 
تدرك دولة الإمارات الأهمية المتزايدة للأقمار الاصطناعية في المجالات كافة، المدنية والعسكرية، ولهذا فإنها تحرص على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، لتحقيق الاستفادة القصوى من المزايا النسبية التي يتيحها، خاصة بعد أن شهدت مهام الأقمار الاصطناعية تطوراً لافتاً في الآونة الأخيرة لتشمل كافة جوانب الحياة، التعليمية والبيئية والمناخية والاقتصادية والطبية والصناعية. 
 
ويمثل «عين الصقر» إضافة نوعية لخبرات الإمارات في مجال الأقمار الاصطناعية، حيث كان لها السبق قبل سنوات في إطلاق مشروع «الياه سات»، والذي يعد أول مشروع من نوعه يخدم القطاعين العسكري والمدني من خلال أقماره في منطقة الشرق الأوسط حيث يركز على نقل المعرفة والخبرة الفضائية، إضافة إلى شراء الأنظمة وصناعتها.  كما يعد “عين الصقر» نموذجاً للاستخدامات المدنية والعسكرية، فقد تم تصميمه لتوفير تغطية عالمية لمدة عشر  سنوات قادمة، ‎ويتميز بأنه مزود بنظام تصوير عالي الوضوح والدقة وبمجرد دخوله إلى مداره المنخفض حول الأرض سيبدأ عملية التقاط صور فضائية للأرض وإرسالها إلى محطة التحكم الأرضي. كما يتميز مدار القمر بأنه يكمل 15 دورة على الأرض بشكل يومي وسيتم استلام الصور مباشرة على المحطة الأرضية التابعة لمركز الاستطلاع الفضائي عن طريق محطات قطبية تسهم في سرعة وصول الصور. كما يمتلك «عين الصقر» محطة متنقلة قادرة على إرسال واستقبال الصور من أي منطقة في العالم.
 
هذه الخصائص التقنية العالية تعزز من مهام القمر الاصطناعي «عين الصقر» في المجالات العسكرية والمدنية، حيث سيخدم القمر القوات المسلحة لدولة الإمارات في توفير صور وخرائط عالية الدقة تساعدها في تحقيق مهامها بكل كفاءة واحترافية. كما سيتم استخدام صور القمر في العديد من الاستخدامات المدنية، وخاصة في مجالات المسح الخرائطي، والرصد الزراعي، والتخطيط المدني، والتنظيم الحضري والعمراني، والوقاية من الكوارث الطبيعية وإدارتها، ورصد التغيرات في البيئة والتصحر، فضلاً عن مراقبة الحدود والسواحل، وهذا ما يجعل من «عين الصقر» إنجازاً فريداً يرسخ من مكانة الإمارات كمركز رائد ومعترف به على الصعيد العالمي في مجال الاستشعار عن بعد، والابتكار التقني، والتطبيقات الجغرافية المكانية.
 
عين الصقر .. تجسيد للتفوق العلمي والتقني لدولة الإمارات
لا شك أن نجاح الإمارات في إطلاق القمر الصناعي «عين الصقر» ينطوي على العديد من الدلالات المهمة، لعل أبرزها:
1 - امتلاك الإمارات لمنظومة متطورة في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة: فـ «عين الصقر» هو نتاج منظومة علمية متطورة وكوادر متخصصة في صناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية، فقد استثمرت الإمارات منذ وقت مبكر في تطوير منظومة التعليم في الدولة لتواكب القطاعات الجديدة التي تخدم اقتصاد المعرفة، وفي مقدمتها قطاع الفضاء والأقمار الاصطناعية. في الوقت ذاته، فإن الاستعدادات الفنية والتقنية التي سبقت عملية إطلاق «عين الصقر» تمت بنجاح منقطع النظير؛ لامتلاك الإمارات خبرات علمية وتكنولوجية متطورة، فعملية تصميم القمر بدأت عن طريق تطوير التكنولوجيا المتوفرة و تحليل الأداء الشامل للمنظومة المصممة، ومن ثم تصنيع أجهزة وأجزاء القمر بالمواصفات المطلوبة والتأكد من جاهزيتها لتركيبها ودمجها لبناء القمر الاصطناعي النهائي، وهي عملية شديدة التعقيد لما تتضمنه من اختبارات ملاءمة القمر على حامل القمر، ومرحلة اختبارات سلامة القمر ومرحلة تزويده بوقود الهايدرازين، ومرحلة الأعمال المشتركة بين القمر والصاروخ، ومرحلة تغليف القمر بغطاء الحمولة، ومرحلة دمج القمر على الصاروخ، ومرحلة الجاهزية النهائية للإطلاق، وهي عمليات فنية نوعية دقيقة تعكس المستوى العلمي والتكنولوجي المتقدم الذي تتمتع به الإمارات، وتمكنها من إدارة وتشغيل هذه النوعية من الأقمار الاصطناعية. 
 
لقد أصبحت منظومة التعليم والبحث العلمي في الإمارات تواكب صناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية، وليس أدل على ذلك من الدور المهم الذي تقوم به الجامعات ومراكز البحوث في مجال الأقمار الصناعية، وخاصة» النانومترية»، وهي أقمار صغيرة الحجم تزيد قليلاً على كيلوجرام واحد، كالقمر الصناعي النانوي «نايف - 1» الذي تم تطويره من جانب «مركز محمد بن راشد للفضاء» بإسهام من طلاب الهندسة الإلكترونية والميكانيكية وهندسة الحواسيب الإماراتيين المنتمين إلى مؤسسات تعليمية مختلفة، أبرزها الجامعة الأمريكية في الشارقة. كما تم تصنيع القمر الصناعي «ماي سات-1» بجهود طلاب جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا ضمن «مختبر الياه سات للفضاء»، وغيرها العديد من الإسهامات التي تعكس المستوى المتطور لمنظومة التعليم والبنية التقنية في الإمارات.
 
2 - نجاح سياسة الإمارات في الاستثمار في الثروة البشرية المواطنة: لقد كان الاستثمار في بناء الكوادر المواطنة أهم مرتكزات مشروع الإمارات لاستكشاف الفضاء والانخراط في مجال الأقمار الاصطناعية. وبالفعل تمتلك الإمارات قاعدة من الكوادر المواطنة المتخصصة التي تمتلك الخبرات الكافية لإدارة وتشغيل الأقمار الاصطناعية، فـ «عين الصقر» الذي استغرق تصنيعه خمس سنوات نفذه فريق من الكوادر يضم خبرات وكفاءات وطنية عالية من القوات المسلحة في مجال إدارة المشاريع الضخمة وهندسة الأنظمة العسكرية والفضائية بالتعاون مع نخبة من المهندسين الاماراتيين الشباب وبمساعدة خبراء وفنيين وأجانب في مجال التصنيع الفضائي. والواقع أن استثمار الإمارات في الثروة البشرية في هذا القطاع ينطلق من قناعتها بأهمية توطينه، باعتباره من القطاعات الاستراتيجية التي تقتضي أن يكون العاملون فيها من الخبرات المواطنة.
 
ولا شك في أن الإنجازات التي حققتها الإمارات في مجال الأقمار الاصطناعية في السنوات القليلة الماضية هي نتاج استثمارها في بناء قاعدة كبيرة من الكوادر المواطنة المتخصصة في هذا المجال الحيوي الدقيق، سواء من خلال تطوير منظومة التعليم والبحث العلمي لمواكبة صناعة الفضاء أو من خلال ابتعاث الطلاب إلى الخارج والالتحاق بأرقى المعاهد والكليات المتخصصة في مجال القضاء والأقمار الاصطناعية أو من خلال الشراكات التي أجرتها الدولة مع الدول الرائدة في مجال الأقمار الاصطناعية وأتاحت لأبناء الوطن الفرصة للاطلاع على تجارب هذه الدول عن قرب والاستفادة منها، أو من خلال إعداد البرامج التأهيلية والتدريبية المتخصصة في مجال الفضاء. ولعل من الإحصائيات المهمة في هذا السياق أن عدد العاملين في قطاع الفضاء الإماراتي يبلغ حالياً 3100 موظف من مختلف التخصصات ذات الصلة بالقطاع، بينهم من النساء، فيما يعمل 150 إماراتياً من مهندسين وباحثين وعلماء على مشروع “مسبار الأمل”. ووصل عدد الجهات التي تعمل في القطاع نحو 56 جهة، بينها 3 مشغلين رئيسيين، و3 جامعات وطنية، و5 مراكز للبحث والتطوير.
 
3 - نجاح الإمارات في توطين التكنولوجيا المتقدمة: لا شك أن قمر «عين الصقر»، وغيره العديد من الأقمار الاصطناعية يجسد بوضوح نجاح استراتيجية الإمارات في توطين التكنولوجيا المتقدمة، وتأهيل الكوادر المواطنة لامتلاك أدواتها المختلفة، وبما يمكنهم في إدارة وتشغيل الأقمار الاصطناعية بكفاءة عالية. وليس أدل على ذلك من نجاح فريق عمل «مسبار الأمل» في تنفيذ 200 تصميم تكنولوجي علمي جديد، وتصنيع 66 قطعة من مكوناته في الإمارات، الأمر الذي يؤكد أن الإمارات باتت ضمن الكبار في مجال امتلاك التكنولوجيا المتقدمة وتطويعها لخدمها مشروعاتها التنموية واقتصادها المعرفي.
 
 في السياق ذاته، فإن قطاع الفضاء يأتي ضمن القطاعات الاستراتيجية التي حددتها السياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار فيما يتعلق بالقطاع الفضائي وخاصة في مجالات تطوير تكنولوجيا الاتصالات والأقمار الصناعية، إضافة إلى تطبيق أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الفضاء للاستخدامات الأرضية. في الوقت ذاته، تهدف الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 إلى دعم تحقيق رؤية الإمارات في مجال صناعة الفضاء بمختلف علومه وتقنياته وتطبيقاته وخدماته، وتحدد النتائج الإيجابية لتلك الصناعة على الدولة خلال عشر سنوات من خلال برامج ومبادرات نوعية، وخمسة أقمار اصطناعية جديدة سيتم إطلاقها حتى 2021.
 
ريادة الإمارات في مجال صناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية
جاء إطلاق القمر الاصطناعي «عين الصقر» ليجسد ريادة الإمارات في مجال صناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية، فهذا القمر هو الرابع لأغراض الرصد الذي تمتلكه الدولة، ليرتفع عدد الأقمار الاصطناعية للإمارات إلى 12 قمراً إضافة إلى عدد من الأقمار المكعبة الصغيرة للأغراض التعليمية والبحث والتطوير في مجالات تقنيات الفضاء.
 
والواقع أن دولة الإمارات تمتلك كافة المقومات التي تمكنها من قيادة المنطقة في هذا المجال، خاصة أنها بدأت الانخراط في هذا القطاع منذ عقدين من الزمان، وتحديداً في أكتوبر من العام 2000، حينما أطلقت إلى الفضاء القمر الصناعي “الثريا-1”، على متن الصاروخ الروسي “سي لاونش زينت - 3”، وهو القمر الذي أسهم في تقديم نقلة كبيرة لتطوير الاتصالات في المنطقة، نظراً لتغطيته 99 بلداً من مناطق مختلفة من العالم، وتوفير خدمات الاتصالات الفضائية المتنقلة. وبلغ عدد المستفيدين من خدمات القمر الاصطناعي أكثر من ثلث سكان العالم، عبر الحصول على أرقى خدمات الاتصالات. 
 
وعلى مدار هذين العقدين رسخت الإمارات مكانتها في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية، وحققت إنجازات مشهودة فيه لم تقتصر مردوداتها الإيجابية عليها وإنما على المنطقة والعالم بوجه عام، وأطلقت سلسلة من الأقمار الاصطناعية متعددة المهام والاسـتخدامات، أهمها “الثريا- 2” عام 2003، و“الثريا - 3” عام 2008، و“دبي سات - 1” عام 2009، و“الياه- 1” عام 2011، و“الياه - 2” عام 2012، و“دبي سات - 2” عام 2013، و“نايف - 1” عام 2017، و“الياه- 3” في يناير 2018، و“خليفة سات” في أكتوبر 2018، و“ماي سات - 1” في نوفمبر 2018، و“مسبار الأمل” في يوليو 2020.
 
تولي دولة الإمارات قطاع الفضاء والأقمار الاصطناعية اهتماماً استثنائياً، وتنظر إليه باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمنها الوطني واقتصادها المعرفي، لأن الاستخدامات المدنية والعسكرية للأقمار الاصطناعية ترتبط بشكل وثيق بمسيرة النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة في المجالات كافة؛ فالاستراتيجية الوطنية لقطاع الفضاء 2030 تستهدف تعزيز مساهمة القطاع الفضائي في الاقتصاد الوطني، ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة، والعمل على تحقيق ستة أهداف رئيسية من بينها، تشكيل شراكات واستثمارات محلية وعالمية فاعلة في صناعة الفضاء ، وتعزيز القدرات المحلية المتقدمة في البحث والتطوير والتصنيع لتكنولوجيا الفضاء.
 
في الوقت ذاته، فإن تفوق الإمارات في هذا المجال يعزز من مكانتها الإقليمية والدولية، خاصة أن العائد والمردود من هذه الأقمار الاصطناعية يشمل أيضاً دول المنطقة والعالم، ولعل نظرة سريعة إلى طبيعة الاستخدامات المختلفة لهذه الأقمار الاصطناعية يؤكد ذلك بوضوح، فالقمر الاصطناعي “الثريا 3”، الذي تم إطلاقه عام 2008 على سبيل المثال، ساهم في مد تغطية الاتصالات إلى بلدان مثل الصين واليابان وكوريا وماليزيا وفيتنام واندونيسيا والفلبين واستراليا، مقدماً إضافة مهمة للخدمات في آسيا والمحيط الهادي. بينما يلبي قمر “الياه سات” المتطلبات العسكرية العملياتية، ويتميز بمواصفات عسكرية تلبي احتياجات القوات المسلحة لدولة الإمارات ودول مجلس التعاون والدول الشقيقة والصديقة، فضلاً عن ربطه سفارات الإمارات في الخارج، وتوفير وسيلة اتصالات مؤمنة تمكنها من التواصل مع أجهزة الدولة، خاصة في حالات الطوارئ والكوارث التي قد تتعرض لها الدول التي تتواجد فيها سفارات الإمارات، كما يوفر حلول الاتصالات الصوتية والمرئية واتصالات البيانات.  ويوفر للجانب العسكري كذلك حلول الاتصالات الفضائية العسكرية المؤمنة التي يصعب التقاطها، وتكون بياناتها مشفرة إلى حد ما، وتتمتع بمواصفات عسكرية أمنية يصعب اختراقها من أي جهة مضادة. وقد استفادت القوات المسلحة لدولة الإمارات من خدمات “الياه سات” خلال مشاركاتها الخارجية في مهام حفظ السلام والإغاثة الإنسانية حيث وفرت الاتصالات المرتبطة بالأقمار الصناعية المرونة وسرعة الاتصال المأمون للقوات المتواجدة هناك بفضل استخدام أجهزة الاتصال الطرفية المحمولة على الظهر، أو التي يتم تركيبها على الآليات .
 
‎ويعتبر «خليفة سات» الذي تم إطلاقه في التاسع والعشرين من أكتوبر 2018 بنجاح كبير إلى الفضاء أيقونة تقنية متطورة للغاية، وهو أول قمر صناعي يتم تطويره داخل الغرف النظيفة في مختبرات تقنيات الفضاء في مركز محمد بن راشد للفضاء، ويعتبر القمر الصناعي الثالث لأغراض الرصد الذي تمتلكه الإمارات في المدار. ‎ ويعتبر «خليفة سات» أحدث الأقمار الصناعية المتقدمة على مستوى العالم، لما يشتمل عليه من تقنيات متطورة ومحدّثة تقدم خدمات ذات جودة عالية للمستخدمين.
 
ودخلت الإمارات بالقمر «خليفة سات» عصر التصنيع الفضائي الكامل، خاصة أن فريق تصنيع القمر المكون من 70 مهندساً هم جميعاً من مواطني الدولة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 27 و28 سنة مما يبشر بتحقيق المزيد من الإنجازات في هذا القطاع الفتي نوعا ما . وتكمن أهمية «خليفة سات» ليس فقط في كونه قد أسس قاعدة وطنية لتصنيع الأقمار الاصطناعية بكفاءات إماراتية بشكل كامل، لتصبح معه الإمارات الدولة العربية الأولى التي تمتلك تقنيات بناء أقمار اصطناعية في شكل كامل ومستقل عن أي دعم خارجي، وإنما أيضاً لأنه يشتمل على سبعة ابتكارات فضائية، هي ابتكار تقنية للتواصل مع القمر ذاته من أي مكان في العالم، إلى جانب تطوير تقنيات لتحريك القمر في الفضاء الخارجي لتوفير صور ثلاثية الأبعاد بكميات أكبر، إضافة إلى تطوير تقنية للتحكم التلقائي بالقمر، وتطوير تقنية تحديد مواقع التصوير، ما يجعله من أفضل الأقمار الاصطناعية العالمية في مجال تأمين الصور العالية الجودة، فضلاً عن إدخال تحسينات على سرعة الاستجابة.
 
وجاء إطلاق «مسبار الأمل» في يوليو 2020 من قاعدة مركز «تانيغاشيما» الفضائي في اليابان، ليؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الإمارات، لتكون واحدة من بين تسع دول فقط في العالم تمتلك برامج استكشاف هذا الكوكب، والانطلاق من هذا الإنجاز إلى الريادة العالمية، حيث تطمح الإمارات إلى إيصال البشر إلى الكوكب الأحمر خلال العقود المقبلة، من خلال مشروع (المريخ 2117)، الذي يتضمن برنامجاً وطنياً لإعداد كوادر علمية بحثية تخصصية إماراتية في مجال استكشاف المريخ، من أجل بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر.
 
في الوقت ذاته، فإن مردود مسبار الأمل يشمل دول العالم أجمع، حيث تستهدف الإمارات من ورائه خدمة الإنسانية جمعاء، بصفته أول مهمة من نوعها في العالم توفر معلومات غير مسبوقة عن مناخ المريخ، وتتيحها للمجتمع العلمي العالمي مجاناً، لتؤكد من جديد أنها صاحبة رسالة حضارية وإنسانية عالمية تستهدف بث قيم الأمل وثقافة الإنجاز وتحدي المستحيل والإصرار على تنفيذ الطموحات حتى لو كانت في عناق السماء.
 
مقومات ريادة الإمارات في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية
تمتلك الإمارات المقومات البشرية والتقنية والتكنولوجية التي تؤهلها لأن مركزاً رائداً في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، وأهمها:
1 - التركيز على الاستثمار في تطوير قطاع الفضاء والأقمار الاصطناعية: يعد قطاع الفضاء في دولة الإمارات هو الأكبر من نوعه على مستوى المنطقة، من حيث الاستثمارات وحجم المشاريع، فضلاً عن عدد الشركات، التي تشتغل بالقطاع، ويقدر حجم استثمارات الإمارات في هذا القطاع حوالي 22 ملياراً، ويشمل ذلك المشاريع الفضائية المختلفة، التي تتم بجهود المؤسسات والجهات العاملة والمشغلة له في الدولة، فيما بات من القطاعات الاستراتيجية في الإمارات، خصوصاً في ما يخص استكشاف الكواكب وتطوير تكنولوجيا الاتصالات والأقمار الصناعية، إضافة إلى تطبيق أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الفضاء للاستخدامات الأرضية. 
 
2 - تراكم خبرات الشركات الوطنية العاملة في مجال الأقمار الصناعية، والتي نجحت في مواكبة التكنولوجيا المرتبطة بهذا القطاع والعمل على توطينها سواء من خلال الشراكات مع الشركات العالمية الكبرى أو من خلال السياسات والاستراتيجيات الوطنية التي تركز على تطوير هذا القطاع. فعلى سبيل المثال فإن الاستراتيجية الوطنية لقطاع الفضاء 2030، تتضمن محوراً خاصاً بتطوير القدرات المحلية المتقدمة في البحث والتطوير والتصنيع لتكنولوجيا الفضاء، من خلال برنامج خاص لدعم وتعزيز القدرات التصنيعية والأنشطة المتعلقة بالأقمار الاصطناعية والتقنيات ذات الصلة بها، عبر تخصيص ستة مبادرات لذلك وتتضمن تطوير آلية فاعلة لنقل التقنيات في مجال تصنيع الأقمار والتقنيات الفضائية إلى الدولة، إضافة إلى إجراء تجارب ومهمات لزيادة قدرات الأقمار الصغيرة، بما في ذلك استخدامها في مهمات استكشاف الفضاء. ومن ضمن أهم المبادرات البرنامج الوطني للأقمار الصغيرة لتشجيع وتنسيق المشاريع ودعم الأفكار المبتكرة، وتطوير مبادئ توجيهية لتعزيز الكفاءة والسلامة في استخدامات الأقمار الصغيرة، إضافة إلى توسيع المرافق والإمكانيات والبدء في استخدام قدرات التصنيع التراكمي والتكامل والاختبار.
 
3 - تطوير منظومة التعليم في الإمارات، ومواكبتها لصناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية، فالبرنامج التعليمي لوكالة الإمارات للفضاء يهدف إلى تأسيس بنية تعليمية وعلمية متكاملة وذلك من خلال إعداد وتنمية وتأهيل الكوادر الوطنية لتشجيعهم على العمل في قطاع الفضاء في الدولة بما يتناسب مع احتياجات القطاع الفضائي الوطني، حيث تقوم الوكالة باستقطاب الطلاب المتميزين من مواطني الدولة لتحصيل الدرجات العلمية في مجال الفضاء داخل وخارج الدولة. كما يسعى البرنامج إلى رعاية المواهب الناشئة وتطوير مهارات الطلبة والمعلمين وتنميتهم في مجال العلوم والهندسة والتكنولوجيا والرياضيات كما تعمل الوكالة على نشر الوعي والمعرفة بمجال الفضاء لإلهام الطلبة لدراسة التخصصات الفضائية المطلوبة. هذا فضلاً عن قيام العديد من الجامعات والمعاهد باستحداث أقسام متخصصة في قطاع الفضاء والأقمار الاصطناعية، وتوفير برامج تدريبية عالية المستوى لتدريب الطلاب في هذا المجال.
 
4 -  امتلاك الإمارات لبنية تحتية وتقنية واتصالية متطورة داعمة لقطاع الفضاء  ليس فقط على مستوى المنطقة ، ولكن على مستوى العالم ككل، وتتضمن المرافق الخاصة بتطوير الأقمار الاصطناعية وأنظمة لاستقبال ومعالجة البيانات والاستشعار عن بعد ، وتأسيس مراكز البحث والتطوير العلمي الخاصة بعلوم ومشاريع الفضاء، وذلك بالتعاون مع العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية في الدولة. فضلاً عن امتلاك شبكة اتصالات متطورة، حيث جاءت الإمارات في المركز الأول خليجياً وعربياً وفي غرب آسيا، والسابع عالمياً في مؤشر البنية التحتية للاتصالات، بحسب تقرير استبيان الأمم المتحدة للحكومة الذكية 2020. 
 
خاتمة
استطاعت الإمارات خلال العام 2020 أن ترسخ مكانتها على خارطة الدول المتقدمة في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية، بتحقيقها إنجازين نوعين، الأول «مسبار الأمل» والثاني «عين الصقر»، وتطمح إلى تحقيق إلى المزيد في المستقبل، لأنها تسعى إلى قيادة دول المنطقة في هذا المجال الحيوي، الذي بات عنــواناً لنهضتهــا الشـــــاملــــة ومؤشراً على تفوقهــا التكنولوجي وتمــيز منظومتها التعليميـــة، مرتكزة في ذلك على الدعــم اللامحـــدود من جــانــب القيادة الرشيدة، ومتسلحة بالكوادر البشرية المواطنة المؤهلة للانطلاق بهذا القطاع إلى مرحلة أكثر تقدماً في السنوات المقبلة.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره