مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-09-01

عِشرون عاما على 11سبتمبر ....لماذا أخفق العالم في مواجهة الإرهاب؟

مع حلول سبتمر من العام الجاري 2021، تكون قد مضت عشرون سنةً على أحد أكبر الحوادث الإرهابِيّة حول العالم، اليوم الذي أطلق عليه زعيمُ تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، يوم غزوتَيْ نيويورك وواشنطن.
 
بقلم: إميل أمين
 
والمعروف أنّه منذ صباح ذلك الثلاثاء المشؤوم، دخل العالمُ في نفقِ ما عُرِف بالحرب على الإرهاب، وقد حملت الولاياتُ المتحدة الأمريكيّة، في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش، لواءَ المواجهة المُسلَّحة، تلك التي بدأت مع الحرب على أفغانستان، ثمّ تَبِعتْها بغزو العراق. وقد كان الهدفُ الرئيس من المغامرة الأولى هو القضاء على تنظيم القاعدة وإنهاء الحكم الدينِيّ لجماعة طالبان، أما الثانية فقد جاءت تحت ذريعة وجود أسلحة دمار شامل على الأراضي العراقِيّة.
 
على أنّه ومهما يكنْ من شأن الذرائع والمبرّرات التي اتّخذتْها واشنطن طريقًا إلى حروبها على الإرهاب، يجد المرءُ ذاتَه أمام تساؤل جوهريّ هذه الأيّام: “ماذا عن حصاد تلك الحرب؟ وهل قولاً وفعلاً جَنّبتْ العالم أهوال الإرهاب وقضتْ على الإرهابِيّين، وبات العالم يَنْعم بسلام وأمان؟
 
يمكن الجواب من عند اللحظة الراهنة بكلّ ما تحمله من مخاوف، وبخاصّة بعد عودة طالبان إلى واجهة الحكم في أفغانستان، عطفًا على الصحوة التي تلفّ تنظيم القاعدة من جديد، وناهيك عن إعادة تنظيم الدولة الإسلاميّة داعش صفوفَه، واتّخاذ استراتيجِيّات لوجستيّة مغايرة عمّا كان دائرًا وحاضرًا في العراق وسوريا. والخلاصة هنا هي أنّ الإرهاب تمَدَّد وتعاظَمَ ولم يختفِ أو يُقضَ عليه مرّةً وإلى الأبد.
والشاهد أنّ أحدًا لا سيّما في الداخل الأمريكيّ لم يكن له أن يتصوّر أن تستمر تلك المواجهة لعقدَيْن من الزمان، بما يعني فترةً أطول من وقت المشاركة الأمريكِيّة في الحربَيْن العالمِيّتيْن، بالإضافة إلى زمن حرب فيتنام. أمّا عن الخسائر البشرِيّة فقد بلغت نحو سبعة آلاف جنديّ وأضعافهم من المصابين الجسديّين، أمّا الذين تأثّرت قواهم العقلِيّة فأضعاف أضعاف الرقم، عطفًا على إرهاق الموازنة الأمريكِيّة بنحو خمسة تريليون دولار.
 
عودة طالبان
يبدو المشهد الدوليّ اليوم بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، أنّ الولايات المُتّحدة قد عادت إلى المربّع الأوّل، وإلى العاشر من سبتمبر. وهناك الكثير من الأسباب التي تجعل ما حدث أمرًا طبيعيًّا ولا يُدهِش، وفي المقدّمة أنّ مشروع الحرب على الإرهاب كان مشروعًا فاسدًا من البداية؛ ذلك أنّ شنَّ الحرب على الإرهاب أشبهُ ما يكون بشنّ الحرب على الغضب باستخدام المطارق الثقيلة، وما من عاقل يفعل ما فعلتْه الولاياتُ المتحدة وأنصارها؛ فالمطرقة شيء ثقيل جدًّا يُستخدَم عادةً في تكسير الأشياء الثقيلة التي يصعب تحريكُها من مكانها، وتعوق الطريقَ نحو التقدّم، كما أنّها لا تفلح في التعامل مع القضايا غير المرئيّة.
 
ولعلّه من أفضل الأصوات العقلانِيّة التي تناولت تحليل مشهد الإخفاق الأمريكيّ في الحرب على الإرهاب في الذكرى العشرين لهجمات القاعدة، البروفيسور بروس هوفمان، الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكِيّة الشهيرة وزميل أوّل في مكافحة الإرهاب والأمن الداخليّ في مجلس العلاقات الخارجِيّة في نيويورك.
 
يضعنا هوفمان أمام عدة حقائق تستحقّ التأمّل، فعنده على سبيل المثال أنّ أيّ نوع من الادّعاء الأمريكيّ بالانتصار يبقى بعيدَ المنال، فحتى بعد موت ابن لادن والبغدادي تبقى الحركات التي أسّسها كلٌّ منهما نشطةً وفاعلة، وهناك الآن أربعة أضعاف عدد المنظّمات الإرهابيّة السلفِيّة الجهادِيّة عمّا كان في أحداث 11 سبتمبر، بالإضافة إلى جيل جديد من المُجنَّدين يقاتلون حاليًّا في صراع بدأ قبل أن يُولَد العديدُ منهم.
 
والمعروف أنّه عشيّة هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 توقّعَ ابنُ لادن أنّه حين يستشهد فإنّه سيُخلّف من ورائه المزيد من الأتباع، ولو كان على قيد الحياة اليوم لكان مسرورًا؛ فالحرب التي أعلنها قبل ربع قرن لا تزال مستمِرّةً.
والحادث أنّ جزءًا كبيرًا من الخطأ في تلك الحرب جرت به المقاديرُ بسبب التشخيص الخاطئ للأزمة؛ إذ تمّ التعامل مع العَرَض وليس مع المرض، وبدا وكأنّ الإصرار على إحلال الإسلام محلّ الشيوعِيّة كعدوّ للغرب يغذّي رؤية التنظيمات الجهادِيّة والأصوليّة حول العالم، ممّا زاد من الدعم المُقدَّم لها والذي دفع الكثيرين في نفس الوقت باتجاه التطرّف.
 
هل يعني ذلك أنّه ما كان يتوَجّب القيام بعملِيّات عسكرِيّة في الماضي، وكذلك لا ينبغي القيام بها مستقبلاً؟
بالقطع جاءت العمليات العسكرية ضدّ الإرهابِيّين كجزء رئيس من أعمال المواجهة، غير أنّ الانتصار في الحرب على الإرهاب يعني على المدى الطويل الانتصار في معركة الأفكار ويطرح تساؤلاً جوهريًّا عن نوع حرب الأفكار الذي يناسب التهديد الإرهابيّ اليوم.
لم تكنْ واشنطن وبقِيّة عواصم العالم التي تعاطفت معها وشاركتْها في الحرب على الإرهاب تدرك أنّها لا تواجه عدوًّا متمثّلاً في دولة بعينها، وإنّما حركة عالمِيّة لا تنتمي إلى بلد بذاته، وإنّما كانت تطارد أفكارًا بالرَّصاص. والأفكار عادةً ما تكون عصِيّة على القوة الخشنة، ولهذا انتقلت عبر الأثير إلى آخرين، ولم يعُدْ يهمّ اختفاء الرعيل الأوّل من قيادات التنظيمات الأصولِيّة المختلفة؛ ذلك أنّ كثيرين قد حَلّوا محلَّهم بالفعل، وسيحدث ذلك مستقبلاً.
 
حَقّقت الولايات المُتّحدة وأصدقاؤها نجاحًا كبيرًا من الناحية التكتيكِيّة كما يقول هوفمان، وقد أوفى لها الحظُّ في العثور على ابن لادن وبقِيّة قادة التنظيم، وفعلت ذلك قبل عقدَيْن مع زعماء طالبان، وقبل سنوات قليلة مع قيادات داعش وجنودهم، لكِنّها في ذات الوقت لم تحِقّق نجاحًا مماثلاً في مواجهة جاذبِيّتهم الأيديولوجِيّة وقدرتهم على تجنيد متطِرّفين جُدُد وشحن المتعاطفين والمؤيّدين، وبالتالي إبقاء صراعاتهم حَيّةً.
 
يتساءل المراقبون كيف انتصر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكِيّة على الاتّحاد السوفيتيّ من غير أن يتمّ إطلاق رصاصة واحدة، رغم امتلاكه للصواريخ النووِيّة والغَوّاصات الذرّيّة والجيوش النظامِيّة، تلك التي لا ولم تملك منها التيارات الإرهابِيّة شيئًا؟
باختصار غير مُخلّ، لأنّ الدوائر الحضارِيّة الغربِيّة نجحت في تقديم منظور أيديولوجيّ، ولم تكتفِ بالمنظور الحركِيّ، أي المواجهة المُسلّحة على الأرض كما فعلت مع طالبان والقاعدة وأخيرًا داعش.
انتصرت الولاياتُ المُتّحدة وأوربّا على الشيوعِيّة في حرب الأفكار، بعد أن رَكَّزتا  جهودهما على تقويض جاذبِيّة الشيوعِيّة وكشف آمالها الزائفة ووعودها الفاشلة.
 
 
هل يمكن أن يمتَدّ هذا الإخفاق مستقبلاً وبخاصّة بعد عودة طالبان مَرّةً أخرى؟
أغلب الظنّ أنّ ذلك كذلك، ونقطة الانطلاق هنا هي أنّ الإرهاب اليوم لم يعد تلك الخلايا العنقودِيّة التي تنتظم في ترتيب هيراركِيّ واضح المعالم، كما  كان الحال وقت ظهور تنظيم داعش، حيث ابن لادن يتواصل مع ابن الشيبة وهذا يوجه محمد عطا قائد عمليات نيويورك وواشنطن، وإنّما باتت تلك الجماعات قادرةً على التعاطي مع وسائل الاتّصالات الحديثة واستخدام العالم الرقمِيّ وتسخير الهجمات السيبرانِيّة، وربّما عَمّا قريب يتوَقّع الخبراءُ الثقات أن تصل أياديهم إلى أسلحة الدمار الشامل.
 
كان مثيرًا للنظر ومدعاة للتأمُّل أن تُعلِن طالبان في الأسبوع الأوّل لها بعد سيطرتها على كابول أنّها وضعت في متناول السكان رقمًا خاصًّا للتواصل معها عبر تطبيق واتساب، هذه هي طالبان التي حَظَرتْ الإنترنت في المَرّة الأولى من حكمها أفغانستان (1996 – 2001)، والتي باتت تُحوِّل الآن وسائلَ التواصل الاجتماعِيّ إلى أداة  قوِيّة لـ”ترويض المعارضة وبَثّ رسائلها”.
تخبرنا تينا براون، عميدة إعلام ما بعد الحداثة، أنّ ما جرى في العقدَيْن الماضيَيْن لم يكن سوى: “التقاء سرعة الإنترنت في القرن الحادي والعشرين، وتعَصّب القرن الثاني عشر الميلادِيّ، ما جعل العالم مكانًا سريعَ الاشتعال”.
 
على بُعْد عقدَيْن من 11 سبتمبر، تبدو أمامنا الحقائقُ واضحةً إنْ أراد العالمُ مجابهةً حقيقية للإرهاب، وليس حربًا على الغضب؛ فقد أثبتت سياسةُ قطع الرؤوس أنّها غير مجدية، ففي اليوم التالي هناك رؤوس أخرى ستَيْنَع من جديد.
هزيمةُ تلك التنظيمات تتطَلّب التنسيق الحركِيّ والفكرِيّ معًا، فمن خلال منظومة تعليمِيّة وإعلامِيّة وفي ظلّ رغبة تنموِيّة اقتصادِيّة صادقة عادلة مستدامة، وحكم فَعّال، ونهضة بحقوق الإنسان الأساسِيّة، يمكن البدءُ بداية حقيقِيّة لتغيير الأوضاع على الأرض.
 
الحرب الفكريّة على الإرهاب تقوم على ركائز فلسفِيّة وسياسِيّة وذهنِيّة رائقة وراقية، ذلك أنّه إذا كان الإرهاب سلوكًا عمليًّا قائمًا على أفكار محورِيّة خاطئة ودفعت معتنقها إلى التطَرّف، ثمّ تحَوّلت إلى عقيدة ثابتة لن تتزحزح من العقل الموبوء بها إلا مع خروج الروح من الجسد، فإنّ المكافحة هنا لا يمكن أن تقوم أبدًا عبر طلقات الرصاص للقضاء على الإرهابِيّين، بل عبر كشف الأخطاء والمزاعم والشبهات وأساليب الخداع التي يُروِّج لها التطرّفُ.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره