مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-06-01

كيف انعكست رؤية الشيخ محمد بن زايد على إدارة أزمة جائحة كورونا

 ساهمت جائحة كورونا فى إعادة النظر بالإسهام العلمي والعملي لما يُعرف بـ«منهاجية إدارة الأزمات»، إذ يُعد من بين أهم التطورات التى شهدها حقل العلاقات الدولية منذ سبعينيات القرن الماضي، التطور الحادث في مجال «إدارة الأزمات». حيث أمل المنظرون وكذلك صانعو القرار أن يؤدي الاهتمام المكثف بكيفية إدارة الأزمات إلى إيجاد ما يشبه بـ «الدليل الإرشادي» الذي يُساهم في تبني سياسات أفضل في التعامل مع الأزمات في المستقبل. 
 
  د. إيمان زهران 
 متخصصة فى العلاقات الدولية والامن الاقليمي 
الجدير بالذكر، أن منهاجية «إدراة الأزمات» من أكثر القضايا ذات الأولوية المتجددة، وذلك بالنظر إلى حجم الأزمات والإنتقال المرن من كونها «أزمات تقليدية»، لآخرى «أزمات غير تقليدية»، حيث تتمثل خصائص الأزمات بكونها: مفاجئة، وتتطلب رد فعل سريع من قبل القادة، وتضعهم تحت ضغط شديد على اعتبار أنها تهدد مصالح شديدة الحيوية للدولة، بالإضافة إلى إيجاد حالة من اللايقين فيما يتعلق بإمكانية نشوب إضطرابات موازية لتلك الأزمة.  
وبالنظر إلى جائحة كورونا، فثمة تساؤلات عدة حول ماهية دور القيادة السياسية فى إدارة الأزمة، وذلك بالنظر لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» وإدارته لأزمة الجائحة. 
 
قادة الأزمات:  
كشفت أزمة «كوفيد19-»عن الحاجة إلى نمط إستثنائى من القادة قادرون على إدارة الأزمات وتوجيه الموارد وتوظيفها لمواجهه وإحتواء تداعيات مثل تلك الأزمات غير التقليدية، والتى تضفى بطبعها المزيد من المسؤوليات على القادة، منها:  
أ. إختيار السياسات الأكثر ملائمة للتعامل مع الأزمة، ومدى إدراك القائد وإدارته لها، وحجم تحركاته، وإختياره لمسارات إنفاق موارد الدولة. 
ب. صياغة إستراتيجية وطنية متوازنة بين استنفار الشعوب وتوعيتها من ناحية، وبث الطمأنينة من ناحية ثانية، وهو ما يمثل أيضا اختباراً لـ”الوعي الشعبي”.
 
 
الخطوات التقديرية للإلتزام برؤية القائد
فى السياق ذاته، يكمن ثقل «قادة الأزمات»، فى أهمية تركيز «بوصلة الثقة» نحو الإلتزام الجماعى برؤية القائد، وذلك فى إطار عدد من الخطوات التعزيزية، أبرزها:  
مصــداقيــة القـــيادة: تتمثل في طبيعة العلاقة بين القائد والشعـب وذلك في إطار ما يتمتــع به القـائد من «كاريزمــا» تُجذر تلك المصداقيــة، فالإسـتجابــة الفاعلة للأزمـات مسألة تراكمية في مسيرة العلاقة بين القادة والشعوب، واختباراً لكفاءة مجمل سياسات القائد، وقدرته على العمل في ظروف استثنائية.  
البناء على ما سبق: المعطيات الحاكمة لإدارة الأزمة، وذلك بالنظر إلى التحركات السابقة للقيادة نحو تحديث البنى التحتية الصحية والتكنولوجية، فضلا عن مرونه إدارة الموارد الوطنية وتطويعها في تنفيذ الإجراءات والخطط الوقائية.  
ترتيب الأولويات: تزداد صعوبة قرارات القيادة في الأزمات الاستثنائية بالنظر إلى ضرورة الموائمة بين أولويات واعتبارات عدة، كحماية المواطنين وضمان الأمن الصحي من ناحية، والحد من التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن الوضع الطارىء من ناحية آخرى. 
الرسائل الاتصالية: تنصب على توافر رسائل إتصالية تتمتع بكفاءة وفاعلية، وتحظى بأعلى درجات المصداقية. لخلق ما يعرف بـ«الإجماع الطوعي». 
 
ملامح الإستجابة الاماراتية:  
إتسمت رؤية صاحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة في إدارته للأزمة بعدد من السمات والتي شكلت في مُجملها الملامح الحيوية للإستجابة الإماراتية في مجابهة الجائحة، أهمها:  
التحرك الإستباقى: عبر ترسيم إستراتيجيات «الإحتواء المرن» للجائحة، وذلك بالنظر إلى الإجراءات التدريجية المُتخذة بالشكل الذي يتناسب وكل مرحلة، مع تقييم لكافة الجهود والممارسات للبناء الفعال على ما تم إنجازه، وتطوير ما يمكن أن ترنو إليه التحركات المستقبلية، كتفعيل مبادرات الحكومة الإلكترونية، والحكومة الذكية. 
التحرك الشمــولى: عـبر التشبيك بين مختلــف الأبعــاد المتعلقـة بإدارة الجائحــة، والتي تتقاطـــع بشكل مباشـــر مع التنـــاول السيـاســي والاقتصــــادي والصحــي، وتتشــــابك بشكل فعــال مع المجتمـــع الدولـــى. مع تفعــيل الأداة الإعــلاميـــة وتعـزيـــز «الوعــي المجتمعي».  
التحرك التضامنى: عبر تكثيف دوائر التحرك والإتصال مع أغلب قادة دول العالم، والتأكيد بـ«رسائل مباشرة»على تضامن دولة الإمارات مع الكافة، وإستعدادها لتقديم كافة المساعدات الممكنة لهذه الدول، بالتزامن مع حالة الإنحسار الدولي، وسياسات الإغلاق الكلي التى أعلنتها العديد من الدول.
 
الآليات والإجراءات
إستنادا إلى تلك التحركات النوعية ، فثمة عدد من الآليات والإجراءات التي شرعت دولة الإمارات للدفع بها لمحاصرة مختلف تداعيات جائحة كورونا، منها:  
الإحتواء الوقائي: عبر تدشين منظومة إحترازية ووقائية كاملة وشاملة، تتخطى التحركات المُعتاد عليها بكافة دول العالم، إذ تمثل نجاح الإمارات في، أولا: تصدرها دول العالم من حيث إجراء الفحوصات المختبرية لسكان الدولة، والثاني: تأسيس أكبر مختبر لتشخيص «فيروس كورونا» في العالم خارج الصين، وتفعيل العمل به خلال 14 يوم فقط لإنجاز حجم الطلب المتزايد على «الفحوصات المختبرية».  
 
الإحتواء الاقتصادية: حيث عمدت لموازنه تداعيات «الاغلاق العالمي» على الاقتصاد الوطني عبر تقديم خطط إنقاذ لدعم إقتصاداتها. ومع الإنخفاض التدريجي بأسعار النفط العالمية، فقد إتخذت دولة الإمارات عدد من الإجراءات الإحتوائية، فى مقدمتها: إعلان «مصرف الإمارات المركزى» عن خطة دعم اقتصادي شاملة بتكلفة 100 مليار درهم تستهدف الفئات الأكثر تأثيرا بالتداعيات السلبية للجائحة، فضلا عما أطلقتة كل من إمارتي دبي وأبوظبي من حوافز اقتصادية وعدد من المشروعات والمبادرات لدعم الأنشطة الاقتصادية وتعزيز السيولة المالية، على نحو ما بات يُعرف بـ «إقتصاد الأزمات».
 
الإحتواء الإنساني: عبر تفعيل سياسات «الإزاحة للخارج»، إذ لم يقتصر الأمر على التحرك الإماراتي لإنجاز متطلبات الإحتواء للداخل الإماراتي فقط، بل بادرت إلى تقديم المساعدات الإنسانية خارج حدودها الوطنية. مثل: نقل رعايا الدول الأخرى من مدينة ووهان الصينية، وإنشاء مدينة «الإمارات الإنسانية»، وتقديم المساعدات إلى اليمن وعدد من الدول الفقيرة والأكثر هشاشة.  
 
الإحتواء السياسي: عبر تكثيف التعاون والتضامن مع مختلف القوى الدولية والاقليمية لتنسيق الجهود الرامية لمواجهه الجائحة. فعلى سبيل المثال: شكلت مشاركة «بن زايد»، فى قمة قادة مجموعة العشرين الافتراضية، التأكيد على النهج التعاوني والتضامني الذى عمدت دولة الإمارات على ترسيخة على كافة المستويات الاقليمية والدولية.  
 
الإحتواء المجتمعي: تنطلق تلك الفرضة من الرهان الإماراتى على درجة «الوعي المجتمعي»، عبر توظيف الأدوات الإعلامية لتعزيز درجات الوعي المجتمعي. فضلا عن نجاح «التشبيك الجمعي» مع مختلف مؤسسات العمل الأهلي والخاصة والكيانات الفردية لتعزيز جهود الدولة التوعوية، مثل: إطلاق الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث للمنصة الإلكترونية الوطنية «وقاية»، والتي تكمن أهميتها في: تفعيل خاصية التعاون المؤسسي، تعزيز الوعي المجتمعي، محاصرة الشائعات توحيد المصدر، إبراز نمط المسؤولية المجتمعية، إعادة ترتيب الأولويات الأمنية.
 
الاستجابة المبكرة   
تأسيسا على الإستجابة المبكرة لإحتواء الجائحة، فقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يوم 6 أكتوبر 2021، خروج الإمارات من أزمة كورونا، وبداية عودة الحياة إلى طبيعتها. إذ تجلى «نموذج القيادة» في دولة الإمارات في عدد من المشاهدات، أبرزها: سرعة الإستجابة،التمسك بالقيم والمبادئ الانسانية،وضوح الرؤية والأهداف، حيث إنعكست تلك السمات والمشاهدات على عدد من الإجراءات، مثلت بدورها ملامح «الإستجابة المرنة» لإحتواء تداعيات جائحة كورونا، منها: تخفيف الإجراءات الاحترازية،عودة النشاط الاقتصادي تدريجياً، تخفيف قيود السفر إلى الدولة. 
أ. رسائل متباينة:  ثمة عدد من الرسائل المتباينة، والتي يمكن إستلهامها من نجاح رؤية الشيخ محمد بن زايد، وإدارته الناجعة لأزمة جائحة كورونا «كوفيد 19»، حيث من أهمها:
ب. فاعلية القيادة: فقد أثبتت القيادة الإماراتية تحيزها التام للمواطنين والمقيمين وإعلاءها من القيم الإنسانية، وهو ما ظهر بشكل واضح في رسائل القائد الرامية لبث «روح الطمأنينة» بالقدرة على مواجهة الجائحة، ولعل من أبرز العبارات المؤثرة في هذا السياق، عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في مارس 2020، «لا تشلون هم».
جـ. فاعلية الرسائل الاتصالية: وذلك بدءاً من الإحاطات الإعلامية، وصولا إلى إصدار الأدلة والبروتوكولات التي تستهدف توفير المعلومات اللازمة للتعامل مع الأوضاع الاستثنائية التي فرضتها الجائحة. 
د. فاعلية الوعي المجتمعي: بالرهان الصائب على «الوعي المجتمعي»، إذ أن نجاح الدولة فى إجتياز إختبارات الجائحة، نتج بصفة رئيسية عن دائرة متكاملة ومتصلة بين الحكومة والشعب، فالإلتزام المجتمعي ساهم بشكل رئيسي في إنجاح رؤية القيادة للخروج من الأزمة.  
هـ. فاعلية التحركات الإنسانية: عبر إطلاق العديد من المبادرات المرنة لدعم العديد من الدول لمواجهة جائحة كورونا، فعلى سبيل المثال: أطلقت الإمارات «إئتلاف الأمل»، ومبادرة مركز طيران الإمارات لتخزين وتوزيع اللقاح، وتحالف دبي اللوجستي لتسريع توزيع لقاحات، ودعم مبادرة كوفاكس، ومبادرة الهلال الأحمر. 
 
الدروس المستفادة
هناك عدد من الدروس المستفادة على المستويات المختلفة وطنياً وإقليمياً، وذلك بالنظر لكيفية تفاعل «القائد» في إحتواء التهديدات التي تتسم بـ«اللايقين»، حيث:  
أ. تعزيز الأطرر الوطنية: عبر تعزيز مفهوم المواطنة والانتماء في ظل عدم وجود آليات دولية مشتركة لمواجهة تلك الأزمة، والذي إنعكس بصورة مباشرة في المبادرات التطوعية. 
ب. تنويع الشراكات الدولية: وذلك بالنظر للإنعكاسات المتبايبنة التي فرضتها الجائحة منذ بديتها وتأثيراتها المختلفة على التغير في المعادلات الدولية ومراكز القوى. وما خلفتة من تحولات نوعية لإختبارات «التضامن الدولي».
 جـ. إعادة الأولوية للتنظيمات الإقليمية: عبر تفعيل آلية «الإعتماد المتبادل»، ففي ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على مواجهة هذه الأزمة بشكلٍ جماعي، فإن ذلك يمنح الفرصة مجدداً لإعادة الأولوية للتنظيمات الإقليمية للاضطلاع بدورها في مثل هذه الأزمات الطارئة.
د. إشراك القطاع الثالث: أعادت هذه الأزمة تسليط الضوء مجدداً على دور المجتمع المدني والعمل التطوعي إبان الأزمات، وهو ما أظهره تقييم العمل التطوعي في النموذج الإماراتي.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره