مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-06-01

كيف تستفيد المؤسسات الأمنية والعسكرية من الدراما؟

لتأكيد قوة الدولة والحفاظ على الهوية الوطنية..
 
مما لاشك فيه، أن الدراما بمفهومها الشامل والأعم، هي أحد أهم وسائل الترفيه والاتصال القوية لكافة الشعوب منذ آلاف السنين، ولكنها أيضا سلاح قوي التأثير بزغ  جلياً
في أعقاب الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث عكف المنظرون على تحليل وطرح مفاهيم جديدة ومختلفة للقوة، من مصطلح قوة الاستتباع غير القهرية، او «co-optive power»..
 
 
وتبلورت قوة الاستتباع هذه فيما بعد، بما عرف بالقوة الناعمة التي أضحت أحد المفاهيم الأساسية في علوم السياسة والاجتماع السياسي، معلنة عن نفسها فيما بعد من خلال السينما الأمريكية، والتي باتت أكبر داعم للتحركات السياسية الأمريكية خارج حدودها، وإعادة تجسيد تلك الأحداث الفارقة مثل حرب أمريكا في فيتنام، والحرب العالمية الثانية، وأعمال لاحقة جسدت رؤسائها والشخصيات السياسية المؤثرة، سواء من خلال السينما أو عبر بوابة الدراما، وبالتوازي مع أفلام عنيت ــــــ في الأساس ــــــ بتصدير الحلم الأمريكي وصورة البطل الأمريكي الخارق لما لتلك القوة من تأثير في المتلقي داخلياً وخارجياً، وهو ما يعكس أهمية استغلال الدراما من قبل الجهات المعنية والمنوط بها الحفاظ على الأمن القومي للدول داخليا وخارجيا ومواجهة كل ما يهدد مؤسساتها وأعمدتها الأساسية والتي هي هدف استراتيجي لأي عدو خارجي ضرب تلك المؤسسات وتدميرها داخليا ..
 
الباحثة وأستاذة مادة التحليل الدفاعي في كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركي، آنا سيمونز، عرفت القوة الناعمة بأنهاالجيل والنمط الرابع من حروب المستقبل، واستبدالها موازين الحروب العسكرية التقليدية،مؤكدة أن عقل المواطن والتلاعب به هو أهم مرتكزات الحروب المستحدثة لتدمير المجتمعات من الداخل، من خلال استحداث أدوات جديدة بين الناس لفرض الأفكار والتوجهات وأيديولجيات بشكل ناعم في عقول المتلقين.
 
وعلى مؤسسات الدولة، أن تستغل وتستخدم تلك القوة حتميا، لما لتلك الأعمال من قدرة على إثارة الحماسة الوطنية والانتماء وزرع الولاء واحترام الأجهزة الأمنية وتقدير دورها الأمني والعسكري داخليا وخارجيا، و الحفاظ على الهوية، والمقصود به كل ما رسخ في وعي الشعوب لكل دولة، فالمسلسل الواحد بقيمة عشرات الكتب نظرا لعديد من العوامل أهمها سرعة وقوة الانتشار والتأثير على حد السواء..
 
لقد بات لمفهوم الدراما دور محوري في حياتنا المعاصرة وسياقاتها الثقافية المجتمعية، حيث يعتبرها أغلب علماء علم الاجتماع المعرفي (ظاهرة من ظواهر التاريخ الأدبي، ووثيقة من وثائق التاريخ الإنساني)، ومع تجسد الأحداث اليومية التي تشكل النواة الأساسية للتاريخ الإنساني، أصبح السرد الدرامي هو البديل المثالي لتسجيل حركة التاريخ القادمة من رحم تلك الأحداث.
فالدراما وعاء تعبوي شامل يمكن مؤسسات الدولة من شرح المشاكل والقضايا والتحديات في إطار جذاب ومحتوى واعٍ يجعل استقبالها من مختلف الشرائح والطبقات أمرا غاية في الأهمية لزيادة الوعي الجمعي المجتمعي.
 
وظهر استخدام الدراما والسينما أيضًا، في أعقاب الأحداث المؤثرة على المجتمعات، كما حدث في أعقاب نكسة 67 وحرب 6 أكتوبر المجيدة والصراع العربي الإسرائيلي والحفاظ على الأرض والتكاتف العربي إزاء حرب أكتوبر.. وشرح ملابسات وأسباب وتأثير كل منهما في عديد من الأفلام والمسلسلات استطاعت نقل تلك المجريات بصورة جذابة ومؤثرة،من خلال أعمال درامية أثرت في وجدان الشعب المصري والعربي على حد سواء..
 
وفي كتابها «دراما المخابرات وقضايا الهوية الوطنية»، الصادر عن دار العربي للنشر بالقاهرة، ترصد الدكتورة دعاء أحمد البنا، مفهوم دراما المخابرات كآداة إعلامية للحفاظ على الهوية الوطنية والتأكيد على قوة الدولة وتقديم رموز وطنية وخلق مشاعر التوحد لتبني فكرة سياسية والإيمان بها، وتعزيز مشاعر الانتماء للوطن.
 
أدوات القوى الناعمة
الدراما باعتبارها من أهم أدوات القوى الناعمة في وقتنا الحاضر، يفترض إخلاصها في اختيار الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي المفيد الذي من شأنه علو الشأن الوطني لصالح الوطن، 
ولأنها تمتلك من عناصر الجذب والإبهار مثل القصة الإنسانية الاجتماعية والحبكة الدرامية والأداء الجيد للممثلين والمؤثرات الصوتية والألوان وكلها عناصر تأثير تعيد تجسيد الحياة امام المتلقي وهو ما يكسبها تلك الأهمية الآسرة للقلوب والعقول معا، فإنه يقع عليها عليها العبء الأكبر في اتساع (مغناطيس الجذب) للطاقات الخلاَّقة لقوى الشباب، عن طريق شن الحرب الثقافية العقلانية لتغيير المفاهيم الوطنية وتشذيبها من كل ما يخالف المنطق والعرف في التراث الديني بالذات ـ وبخاصة نظريات عدم قبول الآخر سياسيا وعقائديا ـ وهى اللعبة التاريخية التي ينتهجها الغرب منذ طرد الاحتلال العسكري من الشرق الأوسط، فكان الالتفاف عن طريق إثارة النعرات القبلية والطائفية والمذهبية بين الدول العربية والعالم الثالث بوجه عام.. وتلك الأفكار نتمنى تجسيدها واقعيا لأجل غرس كل ما يحض على تقوية الوازع الوطني والارتقاء بالشعور بالذائقة الجمالية وتنمية الثقافة المعرفية بكل الشفافية بأوضاع الوطن وتحدياته الآنية والمستقبلية. 
 
ولجأت الدراما لتقديم بطولات حقيقية لرجال الظل من أبطال المخابرات المصرية استكمالاً لهذا الدور المهم لها، والذي غالبا ما يلقى أكبر الأثر، مثل ملحمتي (رأفت الهجان) و(جمعة الشوان)، أو «دموع في عيون وقحة»، وكذلك  «السقوط في بئر سبع» أو «الحفار» أو «حرب الجواسيس». وكلها مسلسلات ساهمت في رفع الحس الوطني وترسيخ قيم الانتماء والهوية المصرية. وقد تناولت هذه المسلسلات أحداثاً تاريخية حقيقية من خلال تجسيد عملية حربية مثلاً على غرار «الحفار» أو قصة حقيقية من ملفات المخابرات المصرية مثل «رأفت الهجان». كانت هذه المسلسلات لتجسيد الواقع وساهمت في تأريخ مراحل مهمة من الحياة السياسية المصرية .
حققت كل هذه الأعمال نجاحاً كبيراً لأنها مارست دوراً في نقل ما حدث على الشاشة، وقد كانت مسلسلات مقنعة لأنها خاطبت عقل ووجدان المشاهد، حتى لو كانت هناك بعض التغييرات عن الواقع، فإنها تبقى في نطاق ضيق لا يؤثر في الأحداث الهامة، حيث تهدف دائما إلى إضفاء الطابع الدرامي، فدائما ما يلجأ المبدع بتأطير جانب معين من حدث تاريخي أو لحظة تاريخية معينة أو شخصيات محددة، فلا يمكن أن يقوم المبدع برصد الحدث التاريخي بكافة تفاصيله ولكنه يختار زاوية محددة تعبر عن منظوره عن الحدث التاريخي نفسه.
 
وهو ما  ظهر الحاجة الماسه إليه في أعقاب ثورة يونيو 2013 لتأريخ وتوثيق تلك المرحلة الهامة من عمر الوطن وسرد الأحداث من زاويتها الحقيقية لقطع الطريق أمام كل محاولات تغيير الوقائع وحكيها بصورة مغايرة عما حدث وهو ما تم بالفعل بعدد من الاعمال منها مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة، والذي يتناول فترة مهمة من تاريخ مصر المعاصر ..
 
«الاختيار» يكتب التاريخ
لقد تابع جموع المصريين مسلسل الاختيار في جزئه الأول الذى رصد فترة مهمة من تضحيات رجال الجيش المصرى فى سيناء فى مواجهة هذا الإرهاب الأسود من خلال تجسيد قصة الشهيد احمد المنسي، ونقل المخاطر والتحديات التي واجهها جنود مصر البواسل؛ ليستمر الإبداع بأحد أهم الأعمال الدرامية في رمضان الماضي في الاختيار ٢، متناولا حجم الخطر الذى كان يحيط بمصر والمصريين، من خلال ملفات الأمن الوطني واستعراض بطولات رجال الشرطة وتعرضهم للاستشهاد دفاعاً عن مقدرات الوطن. 
أما جزئه الثالث فقد تناول المسلسل زاوية بالغة الخطورة والحساسية؛ لأنها قدمت كواليس حكم الجماعة الإرهابية سواء من الجانب التوثيقي القائم على تسجيلات ولقطات مؤرشفة حقيقية ومن خلال التقمص المذهل الذي وصل إلى حد التجسيد من قبل ياسر جلال وأحمد بدير وعبد العزيز مخيون وخالد الصاوي وعدم الاعتماد على التقليد في تقديم تلك الشخصيات الحقيقية خلال الأحداث التي يسلط عليها الضوء في المسلسل تحديدا في عامي 2012 و 2013 .
 
كما تم تقديم كواليس عمل الأجهزة الأمنية خلال تلك الفترة والتي لم يكن يعلم عنها جموع المصريين،شيئا؛ لأنها حدثت بعيدا عن متناولهم ليكشف المسلسل جزءا من الأخطار التي أحاطت بالأمة المصرية، في أخطر مؤامرة هددت استقرارها وبقاءها على نفس القدر. 
 
وتدلل كل تلك الأحداث، بما لا يدع مجالا للشك، أهمية الدراما وخطورتها في توثيق التاريخ لتكون خير شاهد، ترقى الى مستوى الوثيقة التاريخية يستخدمها الأجيال كمرجع موثوق عن فترة ما من فترات التاريخ وتأكيد على ضرورة وأهمية استغلال القوة الناعمة واستخدامها للحفاظ على الامن القومي للدول داخليا وخارجيا لمواجهة كل ما يهدد الدولة وأعمدتها واعتبارها وسيلة أخرى من وسائل الترويج والتسويق لصورة الدولة ليس فقط من الناحية اللوجيستية ولكن أيضا استخدامها للترويج السياحي من خلال التصوير في أماكن الجذب السياحي وكذلك تقديم صورة لترابطها وتماسكها الاجتماعي من خلال مسلسلات اجتماعية تهدف الى ترابط الأواصر الاجتماعية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره