مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-10-02

مستقبل الاقتصاد العالمي .. بعد طوفان الصدمات ؟

ليس الاقتصاد علماً قائماً بحد ذاته ، بل الاقتصاد هو السياسة ولكن بلغة الأرقام ، وهناك علاقة عضوية وعكسية بينهما ، فالواقع السياسي يخلق واقعاً اقتصادياً والعكس صحيح .. 
ولكن المعادلة الأصعب تتجلى عندما يكون هناك خلاف بين الأهداف السياسية من جهة والأهداف الاقتصادية من جهة أخرى .. فلمن تكون الألوية والغلبة ؟! وبالتالي من يخضع للآخر السياسة أم الاقتصاد ؟ 
 
بقلم: سفانة سعدو الديب 
 
بالرجوع قليلا إلى التاريخ القريب، فالحربان العالميتان الأولى والثانية والحرب الباردة وآلاف الحروب الصغيرة التي نشبت وما زالت تنشب هنا وهناك من أسبابها الرئيسية الاقتصاد .
فالعلاقة بين الاقتصاد والسياسة وثيقة جدا، وركن أساسي في عمل ومبادئ أي دولة، بحيث أن أي تصرف خاطئ يؤدي إلى تداعيات كارثية، إذ أن البلدان تضع الهدف الاقتصادي هدفاً أساسياً لتجعل السياسة في خدمته، وقد اتبعت دول أوروبية وآسيوية هذا النهج، لخدمة الاقتصاد والسياسة في الوقت نفسه، فهما محركان لبعضهما، والاطماع والتنافس من اجل البقاء والقوة والهيمنة ، هي محور الصراعات والحروب التي تحدث في العالم .
 
ولكن اليوم يبدو أن المقولة الشهيرة بأن السياسة والاقتصاد وجهـــان لعملـــة واحــدة يوضـــع على المحك، خاصـــة مع الحــروب والصراعـــات والمواجهــات المشتعلة على مستوى العالــم، والتي تشير إلى وجود صراع أو تناقض جلي وواضح، بين العوامل السياسية والعوامل الاقتصادية في طريقة اتخاذ القرارات .. 
فهل هنالك صراع حقيقي؟ وهل فعلاً يمكن أن يتم اتخاذ قرار سياسي حتى لو كان به تضحية اقتصادية أو العكس ؟! 
 
التاريخ والحاضر والوقائع تقول .. نعم .. وخاصة مع طوفان الصدمة الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا ، والتي جاءت  في وقت هو الأسوأ بالنسبة للاقتصاد العالمي، أي بعد جائحة كورونا، التي ما زالت تلقي بتأثيراتها السلبية على كافة مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، وفي ظل الجدل الذي صاحب الجائحة خاصة، فيما يتعلق بتراجع دور القوة العسكرية لصالح الجوانب الأخرى، ولاسيما بعدما أظهرت الدول التي تمتلك قدرات عسكرية كبيرة عجزاً واضحاً في إدارة هذه الجائحة مقارنة بالدول الأخرى، لكن الواقع الراهن يشير بوضوح إلى أن القوة العسكرية ماتزال تشكل الركيزة الرئيسية لتعظيم القوة الشاملة للدول، والمعيار الرئيسي لتقييم وزنها السياسي في النظام الدولي، ولعل هذا مايفسر مساعي القوى الكبرى، كالولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى تطوير قدراتها العسكرية، والسباق على التفوق في مجال التسلح، وزيادة ميزانياتها الدفاعية عاماً بعد عام، على الرغم من التداعيات الخطيرة التي خلفتها كورونا على اقتصادياتها، حيث تتواصل التحذيرات من التأثيرات السلبية للحرب الأوكرانية على الاقتصاد العالمى ، وهذا ماجعل كبيرة الخبراء الاقتصاديين فى منظمة التعاون والتنمية لورانس بون تحذر من أن الحرب الروسية على أوكرانيا ستكلف أوروبا من نقطة إلى نقطة ونصف من النمو بحسب مدة الصراع، بينما توقعت أن يقفز التضخم ما بين نقطتين إلى نقطتين ونصف ، وبالتالي ارتفاع أسعار الطاقة وتعثر سلاسل التوريد ، مما أدى بدوره إلى ارتفاع التضخم فى أوروبا، حيث وصلت ألمانيا إلى مستوى لم تشهده منذ أكثر من 40 عامًا ، بالإضافة إلى تحذيرات البنك الدولي من أن البنوك المركزية تدفع الاقتصاد العالمي نحو الركود بالرفع الكبير لسعر الفائدة . 
 
روسيا تمثل حوالي 40 فى المئة من واردات الاتحاد الأوروبى من الغاز الطبيعي ، وهو مصدر رئيس للطاقة بالنسبة إلى الاتحاد. كما أنها تزوّد حوالى ربع واردات الكتلة من النفط ، وبينما استمرت إمدادات النفط والغاز فى التدفق من روسيا إلى أوروبا، قفزت أسعار السوق لتعكس مخاوف بشأن توافره فى المستقبل.
وبما أن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية، فقد أدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي ، ماأدى إلى ارتفاع تكاليف الغذاء في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية . 
 
وفي مرحلة توصف بأنها مخاض عالم جديد متعدد الأقطاب ، يتعقد المشهد أكثر، ليضع العالم عل صفيح ساخن، وعلى حافة حرب عالمية ثالثة، خاصة فيما يتعلق بالصراع الصيني الأميركي الذي يهدد بالانتقال إلى الميدان العسكري براً وبحراً على ضفاف مضيق تايوان، و بصرف النظر عما يحدث في بحر الصين الجنوبي، فإن هذا الصراع بدأ قبل تايوان، وسيتصاعد بعده، لأن تايوان ليست إلا أحد أبعاده، ولكن مايميزه أنه محكوم بضوابط وشرايين اقتصادية متغلغلة لا فكاك منها، أقله في المد المنظور، وروابط روسيا اقتصادياً مع أوروبا ليست سوى عينة صغيرة منها.
 
ولكن هو صراعٌ يختلف نوعياً عما دار بين المنظومتين الاشتراكية والرأسمالية، لأن السنوات الأخيرة أظهرت أن الصين حققت قفزات دفعتها إلى المقدمة، وأهّلتها لتجاوزِ الولايات المتحدة ، حتى تكنولوجياً، وشكل هذا جرحاً وجودياً لأحادية القطب الأمريكية خلال الفترة الماضية ، إلا أنه ورغم ذلك ،  فالمصالح الاقتصادية بين الصين وأميركا وحجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة بينهما، تلعب دوراً كبيراً ومطباً رئيسياً، في عدم الانزلاق إلى النزاع المسلح بالمعنى الواسع بينهما في العقدين المقبلين، على أقل تقدير، وهذا يجعلهم يسعون إلى التنمية بدلاً من التصادم، وهذا بجانب ما تتمتع به كل من أميركا والصين من القوة الناعمة التي تمنع سعيهما إلى الحرب أو المواجهة، ومن ثم فإن حكمة الصين ستمنع قيام حرب ، لأن تأثيراتها ستكون أكبر من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يدرك العالم أن تايوان جزء من الأراضي الصينية . 
 
إذاً تعتبر الحروب بكل أشكالها، تهديداً لمصالح الدول الصناعية والعالم النامي، كما أنّها تشكِّل كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية، تتحمَّل الدول الصناعية المتقدمة والمنظمات الدولية، مسؤولية أخلاقية كبيرة في معالجتها والحد من حدوثها، وهذا ما يعطي جميع أعضاء المجتمع الدولي مصلحة في منع الحروب قبل أن تتوسَّع، فلا يعد استخدام القوة سبيلاً عملياً لوقف الحروب والنزاعات، وبالتالي هنا تظهرالسياسات الاقتصادية هي البديل الأكثر معقولية، فهذه القوى الدولية التي تتنافس، أميركا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي وروسيا وبريطانيا وغيرها، في مجالات التجارة والاستثمار ، والتغير المناخي، والابتكار وحقوق الملكية الفكرية، والمياه، لا يمكن لأي دولة وحدها أن تعالج وتتعامل مع هذه الملفات بصيغة تعاون بعيداً عن الحروب أو التلميح بها، لأنها تمثل مستقبل العالم كله وليس أميركا والصين وحدهما.
 
وعليه فإن الاقتصاد يعتبر مرآة عاكسة للسياسة أو لشكل النظام، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد وأن ينعكس لاحقاً على نظامه السياسي، والعكس صحيح .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره