2022-11-02
من مصر إلى الإمارات: التكامل وترتيب الأولويات لتجاوز أزمات التغيرات المناخية
تشهد منطقة الشرق الأوسط إنعقاد دورتى الـ « 27، 28 “ لأحد أهم الأحداث الرامية لمواجهه التهديدات الأمنية غير التقليدية، والتى تنصرف إلى إعادة ترتيب أولويات مجابهه خطر “التغيرات المناخية”.
وتأتى رئاسة القاهرة للقمة “COP27”، فى نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ، فى إطار حرص الدولة المصرية فيما بعد ثورة 30 يونيو على لعب دور مؤثر في توجيه أجندة “العمل الجماعي الدولي” وإحراز تقدم متوازن حول كافة الجوانب المتعلقة بقضية تغير المناخ. والإنتقال المرن من مرحلة التفاوض ومناقشة أطرر التحرك إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على أرض الواقع. وذلك بالتزامن مع جُملة من التهديدات القائمة، فى مقدمتها: التراخى فى إجراءات تعافى الإقتصاد العالمى من تبعات جائحة كورونا، التوترات الجيوسياسية على أثر الحرب الروسية – الاوكرانية، وإنعكاساتها المتباينة على عدد من الملفات الأمنية، أبرزها: ملف الطاقة، وملف الغذاء، وملف اللاجئين.
بقلم: د. إيمان زهران
الجدير بالذكر، أن رئاسة كل من مصر والإمارات للقمتين المتتاليين COP27، و COP28، تأتى فى إطار تمثيل كل منهم لمركزية أقاليمهم الفرعية الإفريقية والأسيوية، فضلا عن تكامل الرؤي والتفاهمات الثنائية والتى إنعكست على سعى كلا الدولتين لإنجاز عدد من التحركات الناجعة فى الملفات الحيوية ذات الثقل النوعي، والتى فى مقدمتها ملف “التغيرات المناخية” وآليات التكيف وسُبل التعاون الإقليمي والدولى لتجاوز تداعيات التهديد القائم على مختلف المجالات الاقتصادية والبيئية والانسانية والغذائية والصحية و..إلخ.
الطريق إلى الـ COP27:
ثمة عدد من الخطوات التى أنجزتها القاهرة كخارطة طريق وطنية، ونهج إسترشادى للمجتمع الدولى فى التناول الحيوى لملف التغيرات المناخية بمختلف مجالاته، وذلك بالنظر إلى ما يلى:
التحول إلى الإقتصاد الأخضر: فثمة تحول نوعى نحو التركيز على الاقتصاد الأخضر باعتباره أحد دعائم خطط التنمية الشاملة في الدولة المصرية، حيث استهدفت استراتيجية التنمية المستدامة، و”رؤية مصر 2030”، والتى تتوافق فنيا مع الرؤية الدولية، البعد البيئي كمحور أساسي في جميع القطاعات التنموية والاقتصادية. حيث تسريع معدلات النمو الاقتصادي، مع تقليل الضغوط على البيئة والموارد الطبيعية، وضمان التوزيع العادل للثروة بين مختلف شرائح المجتمع، بما يؤدي إلى تخفيف الأعباء وعدم انتقال المشاكل إلى الأجيال القادمة. ومن ثم، فمن المقرر أن يركز الـ COP27 على التمويل وفرص الاستثمار عبر مختلف القطاعات، مع العمل على تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق الاستدامة والنمو الأخضر.
تعديل الإطار التشريعي : فقد أجرت الحكومة المصرية العديد من الإصلاحات الهيكلية والتشريعية منذ عام 2016 لجذب الاستثمارات المتباينة الصديقة للبيئة، ووضع قوانين جديدة لخلق آفاق تشغيلية بقطاعات حيوية كان يتعذر الوصول إليها سابقًا، مثل شبكة الكهرباء الوطنية وإدارة النفايات، كما أصبحت جميع المشروعات الحكومية ذات بُعد بيئي. فضلا عن تحركات القاهرة إلى جعل ميزانيتها صديقة للبيئة بنسبة 100٪ بحلول عام 2030، بما يتوافق مع رؤيتها الوطنية للإستدامة التنموية.
توجية الإستثمار الأجنبى المباشر: حيث أصدرت القاهرة ما يُعرف بـ “السندات الخضراء” بقيمة 750 مليون دولار، لتمويل المشروعات الخضراء، خاصة في مجال النقل النظيف، وتقديم تمويل جديد ومبتكر للمشروعات الخضراء وإدارة النفايات والنقل الأخضر والطاقة المتجددة، كما أصبح لدى البنوك المحلية إدارات متخصصة تتعامل مع التمويل الصديق للبيئة. وكذلك تم إطلاق دليل معايير الاستدامة البيئية، بالإضافة لمشاركة الصندوق السيادي المصري في مشروعات استثمارية لتعزيز الطاقة المتجددة، وخاصة الهيدروجين الأخضر، وإدارة الموارد المائية، بما يتسق مع مبادرة صناديق الثروة السيادية “الكوكب الواحد”، وكذلك تشكيل لجنة وزارية لصياغة مجموعة من “الحوافز الاقتصادية” لتعزيز التحول الأخضر للقطاع الخاص في مصر.
إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخى: أطلقت جمهورية مصر العربية في 19 مايو 2022 الاستراتيجية الوطنية الأولى لتغير المناخ 2050، والتي تهدف إلى التصدي لتداعيات تغير المناخ وتحسين جودة الحياة، وتحقيق التنمية المستدامة بما يتوافق مع “رؤية مصر 2030”، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي في مجال تغير المناخ. وذلك وفقا لما تتضمنة الإستراتيجية من خمس أهداف رئيسية تتمثل فى: تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة.
إطلاق المبادرات التكاملية: تسعي القاهرة عبر رئاستها لمؤتمر المناخ COP27 لاطلاق عدد من المبادرات ذات الأبعاد التكاملية إقليميا ودوليا، مثل: المبادرات ذات الإهتمام بموضوعات التمويل والأمن الغذائي والتحول للطاقة المتجددة، والتنوع البيولوجي، خاصة في ظل تبني اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الحلول القائمة على الطبيعة، وإطلاق خارطة الطريق للتنوع البيولوجي 2050 خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي COP15، إلى جانب مبادرات المياه القائمة على استدامة نوعية الحياه.
تأثير «الدومينو المناخى»:
يعى كل من مصر والإمارات أن الشرق الأوسط يعج بجُملة من الإضطرابات النوعية، والتى قد تحفزها إشكالية “التغيرات المناخية”، وهو ما سيتم التركيز عليه بالقمتين COP27 و COP28، وذلك بالنظر إلى التخوفات التالية:
تنامى ظاهرة «اللجوء المناخى» : تسهم التغيرات المناخية بشكل كبير فى تزايد “التصداعات الإجتماعية» بالعديد من الدول، فعلى سبيل المثال: أقر الميثاق العالمي للاجئين، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية 2018، بأن العوامل المناخية والكوارث الطبيعية تؤدي إلى تزايد حركات اللجوء، وهو ما يؤثر على “الهندسة المجتمعية” وإنعكاسها المباشر على تصدع الاستقرار الداخلى للدول المُصدرة والمستقبلة لموجات الهجرات.
تزايد «الشح المائى»: تعاني منطقة الشرق الاوسط بشكل كبير من الندرة المائية، ويزداد الأمر سوءا مع تزايد خطر التغيرات المناخية، فضلا عن العلاقات المباشرة ما بين “المياه” وتحركات الأطراف المتعددة للصراع بالدول المأزومة فى المنطقة وذلك عبر ما يُعرف بنمط “عسكرة المياه”، وهو ما يؤشر لمخاطر متباينة -جنبا إلى جنب- الإنعكاسات السلبية المباشرة للتغيرات المناخية على معدلات هطول الأمطار، ومعدلات البخر، ومناسيب مياه الأنهار، ومدى ثبات حجم وجودة المياه الجوفية بالمنطقة.
إرتفاع وتيرة «الصراعات المسلحة»: تؤثر التغيرات المناخية بلا شك على الموارد الأساسية، ولا سيما الغذاء والماء، وتساهم هذه التأثيرات في زيادة هشاشة الدولة ومشكلات الأمن في العديد من المناطق حول العالم، وغالبا ما يتم تناول العلاقة بين التغيرات المناخية والصراع من خلال الربط بين التغيرات المناخية وندرة الموارد وما قد يترتب على هذه الندرة من تداعيات وانعكاسات متباينة على ثلاث إتجاهات رئيسية، حيث: تنامى العنف الداخلى والصراعات الأهلية، خلق بيئات حاضنه للإرهاب، تزايد مخاطر النزاعات المسلحة.
نحو إنجاز «العدالة المناخية»: حتى وقتنا هذا، لا يوجد اتفاق دولي ينص أو يحدد كيفية توزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بطريقة منصفة وعادلة، وهو ما دفع بالعديد -خاصة فى القاهرة- إلى المطالبة بأن يطلق على قمة المناخ “COP27” قمة العدالة المناخية، في محاولة لصياغة قضية بيئية، وحقوقية في الوقت ذاته، وبحث التصورات والاقتراحات التي تدفع نحو تحقيق الهدف المرجو منها، كأن يتم على سبيل المثال طرح رؤى تتعلق بتمويل مشاريع التكيف والتخفيف من الآثار المناخية، والعمل على الحد من الفوارق بين الدول، واللاعدالة التى تتسبب فيها الآثار السلبية للتغيرات المناخية، كما تهدف العدالة المناخية إلى ضمان تمتع الجميع بالحقوق الأساسية، والإنصاف بين البلدان فى التمكين من أجل التكيف ضد الآثار السلبية. ويتطلب تحقيق العدالة المناخية إعادة توزيع الموارد، بالإضافة إلى إشراك الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية فى اقتراح وصياغة الحلول واعتبارهم عنصراً أساسياً فى صنع القرار.
ومن ثم، فإنطلاقا من القاهرة، وإدراكًا لحجم المسئولية بكوننا مركزاُ يتقاطع عبرة العديد من الآقاليم الفرعية بالعالم سواء العربية، أو الشرق أوسطية، أو الإفريقية، او الأورومتوسطية، فثمة حشداً للإرادة السياسية لتشجيع كافة الدول على اتخاذ إجراءات عملية وطموحة للتعامل مع قضية تغير المناخ، فضلا عن توظيف القاهرة لثقلها الدولي والإقليمي، وإمكانياتها الدبلوماسية لربط العمل المناخى بالأولويات الأمنية والاقتصادية التنموية للشرق الأوسط، وتشجيع الدول المختلفة على التوصل لتوافقات حول كافة جوانب العملية التفاوضية، وبما يضمن الوصول لمخرجات عملية ملموسة تمثل إسهامًا حقيقيًا فى التكيف مع آثار تغير المناخ، وتوفير الدعم اللازم للدول النامية، بما يحقق الهدف المنشود من آلية “العمل الجماعي الدولي” لخلق فرص التنمية العادلة والمتكافئة للأجيال الحالية والمستقبلية، وبما يمكن التأسيس له والبناء علي مخرجاته عبر القمة القادمة بالإمارات العربية المتحدة “COP28”.
لا يوجد تعليقات