مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-09-01

نظرة شمولية عن منظومة الإمداد المشـترك في الجيوش الحديثة

يعتبر الإمداد الوسيلة الرئيسة التي تحافظ على القدرة القتالية للقوات وتجعلها ذات كفاءه عالية ومؤثرة في ميدان المعركة، فهناك الكثير من الجيوش الحديثة أدركت أهمية الإمداد في ميدان المعركة وإن الإمداد الناجح سيساهم في إنجاح المهمة والعكس كذلك صحيح لذا تهدف الكثير من الجيوش إلى التركيز والتفوق في مجال الإمداد لضمان تحقيق النصر في ميدان المعركة.
 
بقلم: المقدم الدكتور/ مبارك العامري
تصوير: علي الجنيبي
 
هناك شروط يجب تحقيقها للوصول إلى الإمداد الناجح ومنها القدرة على التخطيط السليم وإدارة عمليات الإدامة في الوقت المناسب وكذلك السيطرة على الموارد أثناء العمليات  لتقديمها للقوات المشتركة في الوقت والمكان المناسبين لضمان تكافؤ وتماشي الإمداد مع خطة العمليات المشتركة ومن هنا يبرز أهمية التخطيط بالتوازي بين العمليات والإمداد للوصول إلى النهاية المرغوبة وهي النصر.
 
نظرا للحاجة لأن تتكامل مختلف القدرات والإمكانات المتوفرة بشكل مشترك لإمداد القوات المقاتلة بجميع احتياجاتها في مختلف الظروف نشأت الحاجة لتفعيل منظومة قادرة على تنشيط الاستخدام الموحد لخدمات الإمداد على نطاق القوات والوحدات بدلاً من تقديم خدمات الإمداد بشكل منفرد من داخل القوات وسميت هذه المنظومة “ بمنظومة الإمداد المشترك”. 
 
تلعب منظومة الإمداد المشترك دورا أساسياً ورئيساً في الكثير من الجيوش الحديثة لتوفير الإمكانات المختلفة للقوات المقاتلة بشكل مشترك لضمان استمرارية الإمداد طوال فترة العمليات لجميع الصنوف المشاركة (بري، بحري، جوي) وهذا يدعم بشكل رئيس إمكانية المشاركة في العمليات المشتركة وقوات الواجب المشتركة وكذلك عمليات حلف الناتو والعمليات متعددة الجنسيات دون الحاجة لأي تغيير في أسوب أو طريقة الإمداد المقدمة لتلك القوات.
توضيح نظرة شمولية عن منظومة الإمداد المشترك في الجيوش الحديثة. 
 
منظومة الإمداد المشترك
يطلق على الإمداد المشترك كلمة “منظومة” نظرا لدور وأهمية عمل كل مستوى من مستويات الإمداد المختلفة لتؤدي في النهاية وظيفة واحدة وهي المحافظة على الكفاءة القتالية للقوات المشتركة, تشمل منظومة الإمداد المشترك على تنظيمات مختلفة تشكل هيكل متكامل في القوى البشرية والمواد والمعدات والآليات والخدمات لتأمين إمداد القوات المشتركة باحتياجاتها تماشيا مع الخطة العملياتية والتعبوية لضمان الاستمرارية في العمليات المشتركة. تتسم منظومة الإمداد المشترك بالمرونة لضمان تحقيق أقصى درجات النجاح في الإمداد بحيث يمكن تغيير خطة الإمداد بشكل سريع ومرن تماشيا مع أي تغيير في الخطط العملياتية والتعبوية ولا تتطلب أي تغييرات في تنظيمها عند الانتقال من حالة السلم إلى حالة الحرب مما في ذلك من أهمية لمواجهة أي موقف طارئ بشكل سريع وبكفاءة عالية.
 
كذلك يجب أن تكون المنظومة المشتركة للإمداد مصممة لتوفير كافة احتياجات القوات المسلحة في السلم وتكون على درجة من القوة والاعتماد لتستمر في تقديم عمليات الإدامة المطلوبة طوال فترة العمليات، وهذا يتطلب الفهم الجيد لجميع القادة في الميدان عن أهمية ودور الإمداد في إنجاح العمليات مما يستدعي إقحام ضباط الإمداد في التخطيط العملياتي والتعبوي منذ بدايته لضمان الاستمرارية والنجاح.   
 
عناصر منظومة الإمداد المشترك
تتكون منظومة الإمداد المشترك من عدة عناصر أساسية تدخل في تنظيمها وفي عدة مستويات مختلفة. فمثلا يتضمن المستوى الاستراتيجي على العناصر الاستراتيجية ومنها القائد المشترك ورئيس هيئة الإمداد وهيئة ركن الإمداد. حيث يملك القائد المشترك سلطة التوجيه في أمور الإمداد ويقوم بالإشراف على تنفيذ عمليات الإدامة داخل مسرح العمليات بالشكل الذي يتناسب مع حجم العملية المشتركة. ويعتبر رئيس هيئة الإمداد مستشارا للقائد المشترك في أمور الإمداد كما أنه يشرف على تحقيق السيطرة في منظومة الإمداد المشترك.
 
وتقوم هيئة ركن الإمداد بالقيادة المشتركة بإعداد خطط الإمداد المشترك. ويتضمن المستوى العملياتي والذي يتم فيه الربط بين المستويين الإستراتيجي والتعبوي قيادة الإمداد المشترك مع وحداته الخدمية، ومركز الإمداد المشترك, مراكز الإمداد التخصصية، والقوات الرئيسة وهيئة ركن إمداد قيادات قوات الواجب المشتركة. في هذا المستوى تتحقق السيطرة على وحدات الإمداد المشترك الرئيسة (تموين ونقل، وصيانة، وطبي، وأشغال عسكرية) من قبل قيادة الإمداد المشترك ويتم الاستجابة السريعة لقدرات وإمكانات الإمداد لإنجاز مهمة القوة المشتركة عن طريق مركز الإمداد المشترك من خلال إعداد خطط الإمداد للعمليات والسيطرة الفاعلة وتنسيق خدمات الإمداد خلال العمليات المشتركة.
 
وكذلك يبرز دور مراكز الإمداد التخصصية في المستوى العملياتي حيث تختص هذه المراكز بتوفير الاحتياجات اللوجستية للقوات الرئيسة من الموارد والمعدات التخصصية والعامة وكذلك الطبية في السلم وأثناء العمليات المشتركة. وتقوم هذه المراكز بإعداد خطط الإمداد التخصصي والعام وتنسيق أسلوب الإدارة الشاملة للمواد والخدمات التي يتم طلبها وفقا للخطط الاستراتيجية الموضوعة من قبل القيادة المشتركة. كما أنها تتعامل وبشكل مباشر مع المزودين والموردين من القطاع الصناعي المحلي والعالمي وكذلك وحدات الإمداد العسكرية لتوفير مواد الإمداد المطلوبة وفقا لمعايير الجودة المعتمدة.وكذلك يبرز دور أركانية الإمداد في القوات الرئيسة في توفير الإسناد الإداري والفني بشكل متكامل مع منظومة الإمداد المشترك. 
 
وتساهم هيئة ركن الإمداد في هذه القوات أو قوة الواجب المشتركة في عملية صنع القرار بما يتعلق بالإمداد أثناء العمليات المشتركة. وفي المستوى التعبوي (التكتيكي) والذي يتكون من مكونات وخلايا الإمداد لقوات الواجب المشتركة وتشمل واجباتها على حساب كميات الإمداد المطلوبة لإنجاز المهمة والمستوى المقرر المخصص للعمليات ويتم تقويم نتائج الإمداد في هذا المستوى. 
 
مبادئ منظومة الإمداد المشترك
تشمل منظومة الإمداد المشترك على عدة مبادئ أساسية كدليل للتفكير المنطقي عند تقويم الأعمال الممكنة وتشمل تلك المبادئ على بعد النظر وتعني على القدرة توفير الاحتياجات اللوجستية قبل أن يتم طلبها من الوحدات المقاتلة. ويمكن تحقيق هذا المبدأ عن طريق توفير بيانات معلوماتية كافية عن الوحدات المشاركة في العملية وطبيعة تسليحها وخطتها العملياتية والتعبوية، وهنا يبرز أهمية مبدأ الاستجابة والذي يتم من خلاله توفير كافة الاحتياجات في الوقت والمكان المناسبين. ويجب أن تتميز منظومة الإمداد المشترك بالبساطة بحيث تكون خطة الإمداد سهلة الفهم وبعيدة عن التعقيد وقابلة للتحقيق لضمان توفير الإمداد بالمواد بالشكل المطلوب أثناء العمليات المشتركة والوصول إلى النهاية المرغوبة. 
 
وتشمل مبادئ منظومة الإمداد المشترك على توفير جميع الاحتياجات للقوات طبقاً للحد الأدنى وتستخدم في الغرض المخصص من أجله بما يعرف بمبدأ الاقتصاد وذلك بسبب ندرة الموارد أثناء العمليات. وكذلك تشمل المبادئ على التعاون والإدامة، حيث يبدأ التعاون في الإمداد المشترك من مرحلة التخطيط وحتى مرحلة التنفيذ وتكمن الإدامة في القدرة على المحافظة على المستوى المطلوب للنشاط العملياتي للمحافظة على مستوى الجاهزية والكفاءة للقوات المشتركة.
 
تخطيط الإمداد المشترك
يجب أن يكون تخطيط الإمداد المشترك جزءاً رئيساً لا يتجزأ من التخطيط العملياتي وذلك تماشيا مع متطلبات وتعقيدات العمليات العسكرية الحديثة المشتركة والذي يضمن الحصول على إسناد إداري متزامن ومكافئ للعمليات المشتركة. وكذلك يعتبر التخطيط الفعّال ضروريا جدا لتمكين العاملين في مجال الإمداد من توقع المتطلبات وتقويمها وتنسيقها ودمجها وتوحيدها مع الموارد المتوفرة لتقليل التكرار وازدواجية الجهود وتقليل المخاطر وضمان الإسناد الفعّال لمتطلبات العمليات وبذلك يتم تحقيق مبادئ منظومة الإمداد المشترك. 
 
تنفيذ الإمداد المشترك
مصطلح تنفيذ الإمداد المشترك يستخدم لوصف الأعمال والعمليات التي تنفذها وحدات الإمداد المشتركة لإسناد مهمة معينة وإن حماية القوة والانتقال والتوزيع في مسرح العمليات والشؤون المدنية هي مثال لعمليات الإمداد المشترك وبما أن عمليات الإمداد المشترك تغطي المستويات الثلاثة الاستراتيجي والعملياتي والتعبوي فإن التحول من التخطيط إلى التنفيذ يعتبر أمرا ضروريا ومهماً. لذا فإن تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة في بيئة العمل المتغيرة باستمرار كثيراً ما يحدث بالتزامن, وعليه يجب أن يتصف العاملون في مجال الإمداد بالقدرة على مراقبة وتوجيه عمليات الإسناد الإداري وللتأكد من أن مفهوم الإسناد ينفذ بفاعلية وكفاءة عاليتين. 
 
نظام الإمداد العادي ونظام الإمداد المشترك
يعتمد العمل في الإمداد العادي على تقديم خدمات الإسناد الاداري بشكل منفرد لكل وحدة وهذا بالطبع يؤدي إلى وجود العديد من المشكلات بحيث يتم تقديم خدمات الإمداد بأسلوب غير موحد وغير فعّال ويؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة في النظام وتشجيع الأفراد على التخزين العشوائي للمواد والمعدات لتلبية متطلبات القوة عند الحاجة اليها مما قد يؤدي إلى عدم الاستفادة منها قبل انتهاء صلاحيتها الفنية. وكذلك يؤدي إلى إزدواجية الجهود والبطء في الإجراءات وما يترتب على ذلك من عبء اقتصادي دون الحصول على النتائج المرغوبة. 
 
في المقابل يعتمد نظام الإمداد المشترك على توفير كافة مواد الإمداد لكل الوحدات والقوات بأسلوب مركزي وموحد وهذا بدوره يؤدي إلى إيجاد نواحي مميزة من التخصص والتي تشمل كافة القوات بالإضافة إلى توفير النهج المشترك من أجل تحقيق التخطيط طويل الأجل للقدرات وإعداد الميزانيات بأسلوب دقيق وكذلك تدبير وتزويد الاحتياجات من المواد دون إزدواجية مع توفير التوجيه والإرشاد للخبرات الفنية. يعتبر نظام الإمداد المشترك نظاماً عالمياً مبنياً على أفضل الممارسات في الجيوش الحديثة ذات العلاقة وقد تم تعديل أسلوب الإمداد ليتماشى مع أسلوب الإمداد المشترك في الكثير من الجيوش  في الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، واستراليا وكذلك حلف الناتو لتواكب تلك الجيوش المتطلبات الخاصة للعمليات المشتركة الحديثة ذات السرعة العالية ولمعالجة التحديات المتعلقة بالإمداد العادي.
 
كما أنه يتميز نظام الإمداد المشترك بالنظرة الشاملة إلى أهداف الإمداد على نطاق القوات مما يتيح التخطيط المتقدم وتحسين التكلفة ورفع مستوى التعاون وتوزيع الموارد وبكفاءة أعلى وإدخال معايير دولية ملائمة يمكنها تعزيز التوافق العملياتي والعمل بصورة مشتركة. وتضمن هذه المنظومة التوظيف الجيد والفعال للمجهودات والتكاليف المادية اللوجستية للوصول إلى أفضل الممارسات والنتائج مع ضمان مواكبة الخطط العملياتية والتعبوية ودعمها لإنجاز المهمة.
 
تعتبر منظومة الإمداد المشترك ذات طابع مركزي وموحد للتخطيط وتحديد المواصفات وإدارة سلسلة الإمداد والشراء من خلال تفعيل دور مديرية مراكز الإمداد التخصصية وهي الجهة المسؤولة عن شراء كافة الإمكانات المتاحة التي من سبيلها إنجاح أي مهمة عملياتية وتعبوية للقوات المسلحة اثناء السلم والحرب.تعتمد منظومة الإمداد المشترك على دورة عمل مبنية على مبادئ الإدارة والإمداد الحديثة والتي تعتمد بشكل رئيس على تطوير الأداء بوجود قيادة موحدة وهيكل تنظيمي موحد لضمان الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانيات المتوفرة. حيث تعتبر منظومة الإمداد المشترك أحد الركائز الأساسية للإسناد الإداري العسكري والشريان الحيوي لإنجاح أي مهمة في مسرح العمليات. 
 
تعتبر نقل الرؤية الواضحة للقائد العسكري إلى ضباط الإمداد أساسية لتوقع حجم الطلبات الخاصة بالعمليات المشتركة والتي تعتبر أساس لإنجاح منظومة الإمداد المشترك ولا يكتمل ذلك إلا من خلال دمج وتناسق خطط الإمداد مع الخطط العملياتية والتعبوية في ميدان المعركة مع الإلتزام بالمبادئ الأساسية لهذه المنظومة وإتاحة المجال للتطوير والتحديث حتى تظل هذه المنظومة معاصرة لأقرانها في المؤسسات العسكرية الحديثة .


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره