مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-10-02

هل العالم على موعد مع حرب في تايوان؟

لم تكد تمضي أشهر معدودة على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية حتى أطلَّت علينا أزمة جديدة في تايوان؛ وذلك عقب زيارة غير مبررة أجرتها رئيسة مجلس النواب الأمريكي «نانسي بيلوسي» – مطلع أغسطس/ آب 2022– لتايوان بدعوى إظهار استمرار الالتزام الأمريكي بدعم «الديمقراطية التايوانية»، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الصين باعتباره انتهاكًا أمريكيًا واضحًا لسياسة «الصين الواحدة»، والتي تؤكِّد واشنطن التزامها بها رسميًا. ومنذ ذلك الحين، بات العالم يراقب عن كثب الخطوات التصعيدية الصينية إثر تلك الزيارة.
 
إعداد: جهاد عمر الخطيب 
 
وبين المخـــاوف بشــأن مغبَّة زيــارة «بيلــوسـي»، واحتمــاليـــة تكـــرار سيناريو التأزُّم بين روســيا والغــرب وصــولًا للحظة الذروة بإعلان الرئيس الروسي «فيلاديمــير بوتيــن» ما يُسمى بـ «العمليــة العسكريـة الخاصــة» بأوكرانيــا، والآمــال في ألا تنزلــق بكــين لمغامــرة غير محســوبــة العــواقــب في تايــوان، يتســاءل الكثـيـــرون: هل العــالــم على موعــــد مع حــرب في تايوان؟ 
 
أولًا: دلالات زيارة «بيلوسي» لتايوان
في إطار جولة آسيوية تضمَّنت كلًا من سنغافورة واليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية، أصرَّت رئيسة مجلس النواب الأمريكي «نانسي بيلوسي» على إجراء زيارة لتايوان حيث التقت رئيسة البلاد «تساي إنغ ون»، وذلك رغم التحذيرات الصينية السابقة على الزيارة كونها تعني التعامل مع تايوان وكأنها دولة مستقلة عن الصين، وتُمثِّل خرقًا واضحًا لسياسة «الصين الواحدة» One-China Policy التي درجت واشنطن رسميًا على تأكيد الالتزام بها، ولعل تلك الزيارة اكتسبت رمزيتها على مستوييْن:
 
المستوى الأول «توقيت الزيارة»: أتت الزيارة في وقت شديد الحساسية بالنسبة لبكين حيث يحتفل الجيش الصيني بالذكرى السنوية لتأسيسه في الأول من أغسطس، بينما يستعد الرئيس الصيني «شي جين بينج» - أقوى زعيم للصين منذ عقود - لولاية ثالثة في سابقة هي الأولى من نوعها بالبلاد، فضلًا عن ديناميات تلك الفترة في حد ذاتها؛ وذلك بالنظر إلى اعتزام الساسة الصينيين عقد اجتماعهم الصيفي السنوي للتباحث بشأن السياسات التي ستُطرح خلال الفترة المقبلة.
 
المستوى الثاني «مكانة وأيديولوجية بيلوسي»: تُعَد «بيلوسي» ثالث أهم منصب سياسي في الولايات المتحدة عقب الرئيس ونائبه، واعْتُبرت زيارتها لتايوان سابقة من نوعها لرئيس مجلس النواب الأمريكي منذ ربع قرن من الزمن، فضلًا عن تاريخ «بيلوسي» الطويل في معارضة السياسات الصينية، والحزب الشيوعي الصيني، لا سيما فيما يخص الملف الحقوقي، كما أنها قامت في عام 1991 برفع لافتة في ميدان تيانانمين ببكين لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة عام 1989 ضد المتظاهرين الصينيين، وقد أعربت في وقت سابق عن دعمها للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية لعام 2019 في هونج كونج. ومن ثم، لا يبدو أن «بيلوسي» مُرحَّبًا بها على الإطلاق من قِبل القيادة الصينية.
 
وتأسيسًا على ذلك، فإنه ليس بمستغرب أن تأتي ردة الفعل الصيني على شاكلة تتسم بالحدة والصرامة والراديكالية حيث الإعلان الفوري برفع حالة التأهُّب القصوى للجيش الصيني فضلًا عن خطوات أخرى جرى اتخاذها تزامنًا مع تلك الزيارة التي أتت لتضيف بُعدًا جديدًا لتعقيدات المشهد العالمي في الوقت الراهن. وثمَّة مؤشرات للتصعيد تزامنت مع زيارة «بيلوسي» تُعزِّز التكهُّنات بشأن احتمالية انزلاق الصين لحرب في تايوان على غرار الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة الآن، وأبرزها:
 
 مناورات واسعة النطاق قرب تايوان: أطلقت بكين سلسلة من التدريبات العسكرية البحرية والجوية بالقرب من تايوان، وبالتزامن مع زيارة «بيلوسي»، وهو الأمر الذي اعتبره البعض تلويحًا صينيًا بأن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا على الطاولة.
 
مناورات روسية صينية في أقصى شرق روسيا وبحر اليابان: أطلقت روسيا والصين – مطلع سبتمبر 2022 مناورات عسكرية شملت عدة دول من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وكذا الهند وسوريا ولاوس ولاوس ومنغوليا ونيكاراغوا، واستهدفت إظهار درجة عالية من التنسيق العسكري بين موسكو وبكين، وقد شارك في تلك المناورات المعروفة بـ  Vostok East 2022 ما يربو على 50 ألف جندي. وهي المرة الأولى التي ترسل فيها بكين قوات من ثلاثة أفرع من جيشها للمشاركة في مناورة مع موسكو.
 
عقوبات اقتصادية على تايوان: لم تكتفِ الصين بالمناورات العسكرية كاحتجاج على زيارة بيلوسي لتايوان، بل إنها عمدت أيضًا إلى فرض بعض من العقوبات الاقتصادية على تايوان، تضمَّنت تعليق استيراد بعض أنواع الفاكهة والأسماك من تايوان، وكذا تعليق تصدير الرمال الطبيعية إلى الجزيرة، وعادةً ما يُستخدم الرمل الطبيعي في صناعة الخرسانة والأسفلت، وتعتمد تايوان على الواردات الصينية منه بدرجة كبيرة.
 
دخول دول آسيوية على خط المواجهة: يُعتبر هذا الأمر جديرًا بالملاحظة، وكأن هناك تهيئة للرأي الرأي العام العالمي لفكرة الحرب - كما حدث في الأشهر القليلة السابقة على الحرب الروسية الأوكرانية - إذ أعلن سفير الفلبين لدى واشنطن أن بلاده ستسمح للقوات الأمريكية باستخدام القواعد العسكرية للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا في حالة نشوب صراع في تايوان، وتقاطع هذا الأمر مع أمن الفلبين. فضلًا عن حضور اليابان اللافت لقمة الناتو الأخيرة - التي عُقدت بمدريد في يونيو 2022– في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ اليابان، في دلالة على إشراكها في الترتيبات الأمنية للناتو، وتخص منطقة الإندو – باسيفيك.
 
ثانيًا: تخبُّط استراتيجي أم افتعال أزمة
عمدت التحليلات الأمريكية إلى اعتبار أزمة تايوان مؤشرًا على حالة من «التخبُّط الاستراتيجي» Strategic Confusion في الحسابات الأمريكية تجاه قضية تايوان بشكل عام؛ فرغم التزام واشنطن بسياسة “الصين الواحدة”ـ تأتي زيارة “بيلوسي” التي تتعارض مع الالتزام بتلك السياسة، وتُظْهِر أن تايوان دولة مستقلة، وليست جزءًا من الصين.  
 
فضلًا عن ذلك، فإن حالة “التخبُّط الاستراتيجي” انسحبت كذلك إلى تعقيبات الإدارة الأمريكية على المناورات العسكرية الصينية، ونتبين ذلك بوضوح في تصريحات “جو بايدن”، والتي حرص خلالها على التسفيه من خطورة هذه المناورات، باعتبار أن بكين لا يمكنها الذهاب لما هو أبعد من مجرد مناورات عسكرية، في حين أكَّدت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “كارين جان بيير “إدانة البيت الأبيض لمثل تلك المناورات، واعتبارها استفزازية وغير مسؤولة، وهي تصريحات اتسمت بكونها شديدة اللهجة كما أنها اعتبرت المناورات بمثابة مقدمة لمزيد من التصعيد، وليس أمرًا عابرًا.
 
بيْدَ أن المتأمل للتفاعلات الدولية منذ وصول «بايدن» للسلطة، يدرك بوضوح كيف عمدت إدارته إلى استخدام تكتيك «الإدارة بالأزمة» Management By Crisis من أجل أحتواء خصميه الرئيسيْن؛ وهما الصين وروسيا. ويستند هذا التكتيك على أوهام القوة، والاعتقاد بأن الأمور كافة تحت السيطرة أو يجب أن تكون تحت السيطرة مهما كلَّف الثمن، ويبتغي “بايدن” من اتباع هذا التكنيك تحجيم أدوار ونفوذ خصومه الدوليين، واستمرار الهيمنة الأمريكية على مجريات التفاعلات الدولية في مواجهة المساعي الروسية - الصينية بشأن مراجعة النظام الدولي «أحادي القطبية». 
 
واستخدمت إدارة «بايدن» هذا التكتيك كي تدفع موسكو للتورُّط في حرب ضد أوكرانيا؛ إذ أنه بمتابعة وسائل الإعلام ومراكز الفكر الغربية في الفترة السابقة للأزمة، وتحديدًا في نوفمبر 2021، نجد أنها درجت على تناقل الأخبار والتقارير التي تتضمَّن توجيه اتهامات لروسيا بحشد ما يصل إلى 100 ألف من القوات والجنود والمعدات الحربية على الحدود الغربية مع أوكرانيا ، وتواتر التهديدات الصادرة عن واشنطن وحلفائها الأوروبيين من مغبة الإقدام على «غزو» أوكرانيا.
 
علاوة على ذلك، شهدت الفترة السابقة على الحرب الروسية الأوكرانية اتساع حجم المناورات العسكرية بين أوكرانيا والدول الغربية بشكل أثار استفزاز «بوتين»، وبلغ الغضب الروسي مبلغه حينما أقرَّ الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» بمنتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 مشروع قانون ينص على اعتزام بلاده إجراء 10 مناورات عسكرية كبرى برية وبحرية وجوية كبرى في عام 2022 بمشاركة 21 ألف جندي أوكراني ونحو 11,500 جندي من كلٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا ورومانيا ودول أخرى. 
 
وترافقت المناورات مع إحجام غربي عن الاستجابة أو الوصول لصيغة توافقية بشأن مطالب موسكو المتمثِّلة في كلٍ من حياد أوكرانيا، وإزالة الأسلحة/الرؤوس النووية الأمريكية من أوروبا، وكذا انسحاب قوات الناتو من بولندا ودول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، والتي كانت تحت مظلة الاتحاد السوفيتي.
 
وللإجابة على التساؤل المطروح بشأن احتمالية انزلاق الصين وتايوان لمواجهة عسكرية في تكرار لسيناريو الحرب الروسية الأوكرانية، فإنه ورغم كون المؤشرات الراهنة تُدلِّل على أن لجوء الصين للخيار العسكري في أزمة تايوان يظل دائمًا مطروحًا على الطاولة، يستبعد البعض احتمالية تكرار سيناريو الأزمة الروسية – الأوكرانية؛ وذلك بالنظر إلى سيكولوجية الزعيمين «بوتين» و»شي جين بينج»، وإدراكهما لطبيعة دورهما على الساحة الدولية، وحرص «بوتين» على الظهور دائمًا بمظهر الرجل القوي الذي يتحدى الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية؛ ولذا عمدت موسكو في عهد بوتين إلى الانخراط عسكريًا في عدد من الدول بما في ذلك جورجيا وسوريا وأوكرانيا، بينما تظل بكين نشطة في مجال حفظ الأمن والسِّلم الدولييْن، وما تتخذه من تحرُّكات عسكرية يأتي تحت مظلة الأمم المتحدة باستثناء ما يتصل بتفاعلاتها في محيطها الإقليمي. 
 
وهذا الاستثناء يدحض المزاعم باختلاف تايوان عن أوكرانيا؛ ذلك لأن الخبرات التاريخية والتحرُّكات الصينية أثبتت أن محيطها الإقليمي «خط أحمر»، الأمر الذي يجعل الساحة التايوانية مفتوحة على الاحتمالات كافة بما فيها التدخُّل العسكري الصيني حتى وإنْ كانت فرص حدوثه محدودة حتى اللحظة الراهنة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره