مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-04-01

وسائل التواصل الاجتماعـي والحراك السياسي العربي

يرتاح كثير من المحللين والباحثين إلى استخدام الأقوال القاطعة في ما يخص أدوار وسائل التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي الدائر راهناً في المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم. من بين المقولات الجاهزة في هذا الصدد ما يشير إلى أن تلك الوسائل تقودالمجتمعات النامية بالضرورة إلى الخروج من حالة الاستبداد إلى حالة الحرية والديمقراطية، أو أنها تعكس "صوت الشعب"، وليس "صوت السلطة"، وأنها باتت "مصدر أخبار" أكثر صدقاً واعتباراً من وسائل الإعلام "التقليدية"، وأخيراً أنها تمثل "الوجوه الخيرة" في مقابل "الوجوه الشريرة".
 
إعداد: ياسر عبد العزيز
 
القادة أيضاً يستخدمون "تويتر"
في منتصف شهر مارس من العام الماضي 2013، فاجأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الجمهور بالإعلان عن تشكيلة حكومية جديدة عبر "تويتر"؛ وهي سابقة ذات دلالة كبيرة، إذ تشير إلى تطور نوعي في وظائف مواقع التواصل الاجتماعي، كما تشير إلى طبقة جديدة من المستخدمين الذين لا يمثلون بالضرورة مجاميع الشباب الثائر في الميادين والساحات.
 
لم يعد "تويتر" يُستخدم في الإعلان عن أسماء الوزراء الجدد فقط، لكنه أصبح وسيلة لإعلان الاستقالة من الحكومة أيضاً؛ أو على الأقل هذا ما فعله الوزير المصري الأسبقهاني محمود، الذي أعلن استقالته عبر هذا الموقع في شهر ديسمبر من العام 2012.
 
كان الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز قد استخدم "تويتر" أيضاً، في منتصف شهر فبراير من العام المنصرم، ليعلن أنه عاد إلى كراكاس بعد رحلة علاجية في كوبا، خاصة وأنه كان أحد أكثر عشرة رؤساء في العالم نشاطاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
 
تفيد دراسة نشرتها مؤسسة "ديجتال بوليسي كاونسل" أن 123 رئيس دولة أو حكومة باتوا يستخدمون موقعي "تويتر" و"فيسبوك" بانتظام، في نهاية العام 2012، بارتفاع نسبته 78% مقارنة بالعام السابق عليه، وأن معظم هؤلاء يبثون رسائل سياسية وأخباراً عبر حساباتهم.
 
ليس هذا كل ما يفعله السياسيون من خلال تعرضهم لمواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ثمة أنشطة أخرى يمكن رصدها في هذا الصدد.
في 16 مارس 2014، قال مغرد كويتي يدعى "وديع العجمي" عبر حسابه على "تويتر": "أقسم بالله العظيم أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد بنفسه تكفل بموضوع إعانة مطلقة إماراتية معاقة تعيش في الكويت بعد دقائق فقط من طرحي قضيتها على (تويتر)".
 
يبدو أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، المعروف عنه اهتمامه بوسائط التكنولوجيا والتطورات الجديدة في عالم "الإنترنت"، قد صادف تغريدة هذا الشاب الكويتي؛ فأمر معاونيه باتخاذ ما يلزم نحو إغاثة تلك السيدة المحتاجة.
 
إجراءات خشنة
ليس هذا هو كل ما تفعله السلطة بالطبع إزاء مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهناك مدونون ومغردون كثيرون تم حبسهم وتغريمهم في أكثر من بلد عربي بسبب آراء أو أقوال لهم على بعض تلك المواقع. هناك قائمة كبيرة بأسماء شعراء وكتاب وناشطين يرابطون في السجون الآن بسبب كلمات بثوها عبر حساباتهم على تلك المواقع، في دول مختلفة، من أقصى شرق المنطقة العربية إلى أقصى غربها.
 
لا يتعلق الأمر بالعالم العربي فقط؛ ففي إيران على سبيل المثال يُحظر على الجمهور استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد صدور فتاوى من مراجع دينية معتبرة بتحريم "الدردشة" عبر تلك المواقع، لكن الغريب في الأمر أن عدداً من كبار المسؤولين الإيرانيين ينشط على "فيس بوك" و"تويتر" ويستخدمهما بانتظام.
 
في 20 مارس 2014، تم حجب موقع "تويتر" في تركيا، بعدما تعهد رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، في وقت سابق من الشهر نفسه، بـ "محو" الموقع، ليثبت للمجتمع الدولي "قوة تركيا".
كان أردوجان قد هدد أيضاً بإغلاق موقعي "يوتيوب" و"فيس بوك" بدعوى أنهما يساعدان على إنجاح "مؤامرة دولية" ضد بلاده، بعدما باتت تلك المواقع ساحة لتداول أخبار وتقارير ووثائق تتعلق بقضايا فساد يتورط فيها مقربون منه، بشكل يهدد فرصته في الفوز بالانتخابات البلدية المقبلة، التي يمثل فوزه بها مسألة مصيرية بالنسبة إلى مستقبله السياسي.
 
الآن أصبح بوسعنا أن ندحض إحدى المقولات الشائعة بخصوص مواقع التواصل الاجتماعي، عبر التأكيد أن ثمة سياسيين قادرون على استخدامها على النحو الأمثل، سواء كمنصة لإطلاق الأخبار المهمة، أو كوسيلة للتواصل مع المجتمع وحل مشكلات الناس.
 
وبوسعنا أيضاً أن نؤكد مقولة شائعة أخرى، مفادها أن بعض السياسيين ورجال السلطة يقمعون مستخدمي تلك المواقع أو يغلقونها أو يحرمون استخدامها.
 
ساحة للتفاعل السياسي
ثمة مثال آخر يمكن أن يشير إلى دور مهم لوسائل التواصل الاجتماعي. لقد شهدت الكويت انتخابات برلمانية في شهر ديسمبر من العام 2012، وهي الانتخابات التي سعت جماعات معارضة إلى مقاطعتها احتجاجاً على قوانين الانتخاب. في ظل الانقسام السياسي إزاء المشاركة في الانتخابات، أطلق معارضون بارزون "هاشتاقاً" على "تويتر" لحث المواطنين على المقاطعة، تحت عنوان "صوتي مسيرة كرامة وطن"، أي أن التصويت سيكون في المسيرة التي ستخرج لمعارضة الحكومة، وليس في الصناديق. لكن في المقابل، كان مؤيدو الحكومة، والراغبون في المشاركة في الانتخابات قد أطلقوا "هاشتاقاً" آخر، تحت عنوان "سأشارك".
الدرس الذي يمكن أن نستخلصه من المثل الكويتي بسيط وواضح: "سيمكن ببساطة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كآلية من آليات الحراك السياسي السلمي، عبر طرح الآراء المتعارضة، تحت سقف القانون... وسيمكن أن تتحمل السلطة هذا، ولا تصادره".
 
مصدر أخبار غير دقيق
ثمة مقولة رائجة أخرى بخصوص مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهي تلك المقولة التي ترى في تلك المواقع بديلاً لما يسميه البعض بـ "الإعلام التقليدي" أي الصحف والمجلات والقنوات الفضائية والإذاعات ووكالات الأنباء.
ويمكن القول إن الوظيفة الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعي ظهرت كمحاولة للالتفاف على قمع بعض الأنظمة الاستبدادية وتقييدها لوسائل الإعلام النظامية (معلومة الهوية ومحددة المسؤولية)، كما حدث في أحداث الإيجور في الصين، وفي الانتخابات الإيرانية 2009، وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، وغزة 2008، ثم الصراع الدائر راهناً في سورية.
 
لكن تلك الوظيفة شهدت أزهى عصورها، حينما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي "بنية أساسية اتصالية" في بعض دول التغيير العربي، التي شهدت "ثورات" أطاحت بأنظمة حكم استبدادية، من خلال أدوار مارستها تلك المواقع في الحشد والتعبئة وتنظيم "النضال السلمي" وبلورة الاحتجاجات وصياغة المواقف والشعارات.
تعطي مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أي وسيلة إعلام نظامية؛ إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، وصلة لـ "الإنترنت".
 
يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار تزداد باطراد في ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامي لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى.
في مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها، خصوصاً على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.
 
يسهل جداً نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي قدر من التوثيق، ويندر جداً استخدامها منسوبة لأصحاب الحسابات التي تم بثها من خلالها، وكثيراً ما يتم نقلها باعتبارها "حقائق لا تقبل الدحض"، كما يسهل طبعاً أن يتنصل صاحب الحساب من الرأي أو المعلومة أو التقييم الذي بثه قبل قليل، بداعي أن "الحساب تمت سرقته"، أو أنه "لا يمتلك حساباً في الأساس".
تمثل مواقع التواصل الاجتماعي رصيداً إخبارياً معتبراً، خصوصاً في ظل أجواء التعتيم والاستبداد التي تغل يد الإعلام النظامي، لكنها أيضاً تعد ميداناً خصباً لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر العدائية وأحياناً بث الكراهية.
 
ستظل وسائط التواصل الاجتماعي تكسب أرضاً جديدة في ميادين الإخبار، طالما كان الإعلام النظامي تحت قيود القمع السلطوي، وطالما كان عاجزاً عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه في التعرض الإخباري أكثر ميلاً للمقاربة الموجزة الموحية الحادة.
لكن، من جانبي، لا أتوقع أن تكون تلك الوسائط مصدراً معتبراً للأخبار يمكن أن يعتمد عليه في بحث أو تحليل، وبالتالي فإن مقولة إن تلك المواقع يمكن أن تكون "مصدر أخبار" يمكن دحضها بسهولة.
 
"فيس بوك" ليس صانع الثورات الأوحد
نشرت مجلة "فورين بولسي" الأمريكية تحليلاً للكاتبين شيلون هيملفارب، وسين آدي، في شهر فبراير 2014 تحت عنوان "وسائل الإعلام التي تحرك الملايين".
سعى المحللان الأمريكيان إلى التأكيد على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي علىتعزيز الحراك السياسي، وإشعال الثورات. لقد ضربا المثل بما جرى في تونس، وانتقل على طريقة "الدومينو" إلى مصر. وتذكرا في هذا الصدد أن صفحة "كلنا خالد سعيد" التي أطلقها شبان ناشطون على "فيس بوك" في مصر كانت الشرارة التي أشعلت ثورة يناير، بعدما انتقل الآلاف من أعضاء تلك الصفحة إلى "ثوار" على الأرض، استطاعوا إطاحة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
 
يرتاح المحللان الأمريكيان إلى الحسم بأن "مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً بارزاً في إشعال الاحتجاجات التي تقوم بها جماعات المعارضة ضد الأنظمة الاستبدادية"، وهما يشيران إلى مثالين ناجحين في كل من مصر وتونس.
يحتاج الأمر إلى مراجعة ضرورية في هذا الصدد، أو على الأقل نريد أن نعرف لماذا لم تنجح التجربة ذاتها في إيران، ولماذا سقط النظام في ليبيا دون أي دور يذكر لتلك الوسائل؟ ولماذا لا تتكرر المسألة بذات التفاصيل في البحرين؟
 
ثمة أسئلة أخرى لا بد من طرحها؛ فالواقع السوري الذي بدأ بدور واضح لتلك الوسائل في تأجيح النزعات الاحتجاجية يبدو وقد انتهى إلى دور سلبي لتلك الوسائل باعتراف الباحثين، بعدما تحولت تلك الوسائل في قطاع كبير من ممارساتها إلى آليات للفرز الطائفي والحض على العنف في خط معاند تماماً لأي صيغة تحرر وطني أو عمل ثوري.
إذا كان هناك بطل إعلامي لقصة "ثورة 30 يونيو" في مصر، التي يحكم نظام مؤقت باسمها اليوم أكبر بلد عربي من حيث السكان، فهو "القنوات الفضائية" و"الصحف الخاصة". نعم فقد لعبت وسائل الإعلام "النظامي" الدور الأكبر في بلورة الشعور العارم بالغضب من حكم "الإخوان"، كما مثلت آلية حشد وتعبئة بامتياز ضد سلطتهم، وهو أمر يبدو أنها حققت نجاحاً كبيراً فيه.
 
سيمكننا الآن أن نعيد ترتيب الأوراق الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، لنؤكد بعض المقولات الرائجة عنها، وندحض أخرى.
ووفقاً لذلك، فإن تلك الوسائل يستخدمها نحو 88% من إجمالي مستخدمي "الإنترنت" في العالم العربي، والبالغ عددهم في العام 2014 نحو 118 مليون مستخدم، بما يعني أنها تصل إلى القطاع الأكبر من الجمهور وتنمو باطراد.
 
لكن اعتبار أن تلك الوسائل هي المسؤول الوحيد عن إشعال الثورات ليس دقيقاً على الإطلاق، واعتبار أنها باتت أهم من وسائل الإعلام "التقليدية" أمر يحتاج مراجعة.
السلطة لا تتخصص فقط في قمع تلك الوسائل وسجن مستخدميها، لكنها أحياناً تستخدمها كوسيلة اتصال ناجعة، وتنجح عبرها في تعزيز الروابط بالمواطنين في بعض الحالات.
 
وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون مصدر أخبار يتحلى بالثقة والاعتبار في هذا التوقيت بالذات؛ وهي ليست وجهاً خيراً متحرراً مناضلاً باستمرار، لكنها أحياناً تتحول مصدراً للفتن والتمييز والحض على الكراهية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره