مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-08-01

وسائل التواصل الاجتماعي والجيش

ولم يعد الجندي ذلك الفرد الذي يجيد فقط استخدام السلاح، فقد أصبح عقل الجندي ومهاراته تحت اختبار وضغط كبيرين للتعامل مع منتجات الثورة المعلوماتية، وخاصة تلك المعلومات السابحة في الفضاء، والمسافرة عبر القارات، والقادرة على الوصول إلى  أي شخص يمتلك خط إنترنت وهاتفاً ذكياً يستطيع به أن يختطف صاروخاً عابراً للقارات، أو أن يغير إحداثيات خط سير سفينة في عرض البحر، أو أن يسيطر على العقول والأفئدة والأذواق وينسف توجهات الرأي العام. 
 
إعداد: د. علي قاسم الشعيبي
 
لمحة تاريخية
في البدء يجب أن نعترف بفضل الفكر العسكري في تطوير الكثير من منتجات التواصل والاتصال، حتى وإن كانت الفكرة في أساسها لأغراض الاستعمال العسكري، ولكنها وبتحولها لأغراض الاستخدام المدني أحدثت ثورة حقيقية في عمليات جمع ونقل وإيصال المعلومات على نطاق دولي؛ لتؤثر في ملايين البشر وتحدث انقلاباً في منظومة القيم والأخلاق ومستويات التعاطي مع الأحداث. 
 
عندما أطلق الاتحاد السوفيتي قمره الصناعي الأول «سبوتنك» في عام 1957، شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بخطورة هذه الخطوة العملاقة، وأحست أنها تحتاج إلى إعادة تخطيط استراتيجيتها لضمان التفوق.
كان الرد متمثلاً في إنشاء وكالة لمشروعات الأبحاث المتقدمة Advanced Research Projects Agencyكإحدى وكالات وزارة الدفاع الأمريكية، وعهدت إليها بمهمة تحقيق التفوق العلمي والتكنولوجي للقوات المسلحة الأمريكية في مواجهة الاتحاد السوفيتي.
في عام 1962 عهدت القوات الجوية الأمريكية لمؤسسة راند Rand Corporation، وهي مؤسسة حكومية متخصصة في أنشطة البحوث والتطوير، بتنفيذ دراسة لتحقيق ضمان استمرار السيطرة على ترسانة الصواريخ والقاذفات، إذا ما تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية كلها أو جزء منها لهجوم نووي من جانب الاتحاد السوفيتي.
 
وكان الحل المقترح هو إنشاء شبكة اتصالات عسكرية للسيطرة والتحكم تعمل على أسس لا مركزية، وبأسلوب يحقق استمرار عمل الشبكة حتى ولو تعرضت بعض العقد الموجودة فيها إلى هجوم نووي، وبما يضمن إمكانية الرد على هذا الهجوم.
وعندما أطلق الجيش الإسرائيلي موقع الإنترنت الرسمي له منذ عدة أعوام كان يعرف أن الحاضر هو الشبكات الاجتماعية وأن المسارات تُحرك اليوم في فضاء مفتوح على كل الاحتمالات؛ إذ يكفي أن يترسب إلى موقع يوتيوب فيلم جيد الصنع حتى يصبح هذا الفيلم أداة إعلام فاعلة ومؤثرة؛ ويكفي أن الجيش الإسرائيلي قد سوق نفسه باعتباره إنسانياً عندما افتتح حساباً على موقع تويتر خاصاً من أجل تركيز المعلومات عن المهمة الإنسانية للقوات الموجودة في اليابان بعد التسونامي؛ حساب واحد وأثر كبير. 
تضمن الفيلم الذي تلقفته قناة يوتيوب شرحاً مبسطاً للدور الإنساني لعيادة صغيرة للجيش الإسرائيلي في منطقة نائية في آسيا. هذا الفيلم ترك انطباعاً إيجابياً لدى الجمهور في جنوب شرق آسيا، بل في العالم كله لدى ملايين المبحرين في الشبكة العنكبوتية؛ لأنه إذا كانت الصورة الواحدة تساوي ألف كلمة، فإن مقطع فيديو يساوي مليوناً. 
 
من هذه الفكرة أنطلق إلى حقيقة مفادها أن الجيوش مهما عظمت تسليحاً ومهما تدرب جنودها على فنون القتال واستخدام أعتى الأسلحة، وأكثرها فتكاً - رغم أهمية هذا المعطَى - فإن حقائق الوجود تؤكد أنه في عصر الانفجار المعلوماتي تبقى الكلمة هي سيدة الموقف، وتبقى الذراع الإعلامية قادرة على تكون يداً ضاربة وقوية في تحقيق الأهداف. لهذا فمن المهم جداً ألا يوجد سلاح جو وذراع برية متفوقان فقط، بل لابد أيضاً من وجود سلاح إعلام قادر ومؤثر.
 
تُرى، كيف يفكر الجيش الإسرائيلي في الإعلام الجديد؟ لنتفكر قليلاً في الموضوعين التاليين: 
- أصبح لأفلام قناة الجيش الإسرائيلي في اليوتيوب أكثر من 22 مليون مشاهدة. وعندما تقع حادثة في المناطق الفلسطينية ويكون عند الجيش الإسرائيلي مادة مصورة في اليوتيوب فستكون دائماً بين المكان الأول والرابع في عدد المشاهدات العالمية. أما تويتر الجيش الإسرائيلي فيجري تحديثه في كل بضع ساعات، وله أكثر من 15 ألف متابع، أي أكثر بضعفين مما يوجد للجيش البريطاني. وسؤالي البسيط: كم من المال والجهد يتطلبان للوصول إلى هذا العدد من المتعاطفين مع هذا الجيش؟ ماذا لو تم إهمال قوة وسطوة وسائل «الإعلام الجديد»؟
- إن «الإعلام الجديد» جزء مما يسمى «دبلوماسية السايبر». «أحد أجزاء العمل هو الموضوع التقني الذي يتعلق بالبرمجة وطرح المضامين، والجزء الثاني هو التفكير الخلاق؛ كيف نبث الرسالة؟»، تقول ليفوفيتش، مسؤولة العلاقات العامة في الجيش الإسرائيلي: «إذا كان التصور عن الجيش الإسرائيلي في العالم هو أنه جيش محتل وعنيف فسأحاول بواسطة قواعد الإعلام الجديد أن أعرض الجيش باعتباره جسماً إنسانياً مفتوحاً».
لنتمعن قليلاً في العبارة الأخيرة من هذا الطرح «سأحاول بواسطة قواعد الإعلام الجديد أن أعرض الجيش الإسرائيلي باعتباره جسماً إنسانياً مفتوحاً».
 
إن هذا الطرح يؤكد مجموعة من النقاط الهامة الجديرة بالتوقف والمناقشة: 
أول هذه النقاط هو ذلك الاعتقاد الراسخ بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي في الفكر الجمعي العسكري، وأهمية تبني سياسات جديدة لنسف المفاهيم التقليدية، والبالية لأطروحات التوجيه المعنوي في الجيوش بأسلوبها التقليدي، وكذلك إدارة الأزمات إبان الحروب والتصدي للشائعات؛ فقد كانت الشائعة تحتاج إلى أيام أو  أشهر لتواصل التدحرج لتصبح ككرة الثلج المدمرة...تُرى في عصر الإنترنت والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، كم ثانية تحتاجها الشائعة لتصل إلى ملايين البشر؟ يبدو أن السؤال أصعب من الإجابة!
 
كم من الجيوش والعتاد والساعات نحتاجها لتدمير العدو؟
في السؤال قدر كبير من عدم الدقة أو  لنقل الكثير من السيريالية، ولكنها مهمة للولوج للفكرة التالية: تُرى، ماذا لو قلبنا السؤال، فقلنا: كم من الثواني أو التغريدات نحتاجها لتدمير الآخر في الواقع الافتراضي، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؟
استغرق الأمر مجرد تغريدة واحدة على حساب «الأسوشيتد برس» لهز اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وتكبيده 140 مليار دولار كخسارة لحظية.
 
«كنا نعرف مسبقاً أن هذا الاختراق سيخلق فوضى كبيرة في أمريكا، وهو ما حصل، ولذا نحن فخورون». هكذا تحدى القيادي المزعوم في معرض تبريره للهجوم الذي تقودة الآلة التقنية في جيش الأسد، قائلاً «لقد لعبت وسائل الإعلام الاجتماعية دوراً حاسماً في نشر المعلومات، ولا يعتقد الجميع أن هذا الفيضان من التقارير السورية من خلال وسائل الإعلام دقيق، نقوم بهذه الهجمات على مواقع التواصل الاجتماعية للوسائل الإعلامية لجعلها مصادر غير موثوقة»، وأضاف «إنها ثورة وهمية، الحكومة الأمريكية أجبرت وكالات الأنباء على نشر تقارير تدين النظام السوري؛ ما استدعى تشكيل الجيش السوري الإلكتروني واتخاذ التدابير المضادة».
 
 هل إدارات العلاقات العامة والتوجيه المعنوي في جيوشنا مهيئة للتعامل مع هذا التحدي الجديد؟
بالقطع، فإن كل الجيوش تسعى جاهدة لتحويل الجندي إلى متعامل جيد ومتقن لمهارات التعامل مع وسائل الإعلام الجديد وثورة المعلومات لخدمة العقيدة العسكرية. ولتطوير مهارات التعامل هذه، أقترح مجموعة من النقاط التي ربما تكون فاعلة ومؤثرة، ومنها:
أولاً: التدريب على فن كتابة الخبر والمقال 
 حتى يستطيع القارئ استكمال ما يقرؤه، لا بد من أن يكون الخبر مميزاً وغير مكرر، وفي دنيا الصحافة والإعلام المفتوح أصبحت الأخبار تنتقل بسرعة شديدة، وأصبحت رسائل الــ SMS ترسل فور بداية الحدث، والقارئ في هذه الحالة لن يلجأ إلى قراءة خبر مكرر. 
من هنا يتبين أن رجال الجيش في حال تعاملهم مع المدونات - رغم الضوابط المفروضة عليهم - صار لزاماً عليهم تطوير مهارات الكتابة، والقدرة على تغيير لغة الخطاب التي يتحدثون بها إذا ما أرادوا إرسال رسالة معينة.
 
ثانياً: التخصص 
 لم تعد إدارات العلاقات العامة في الجيش جزراً معزولة عن حركة المجتمع؛ ولهذا فإنه يجب اعتبار تطوير مهارات العاملين في هذه الإدارات أمراً ملحاً وعاجلاً، وتوجّب البحث عن المتخصصين الإعلاميين للعمل في أقسامها وإداراتها.
التخصص أمر مطلوب بين المدونين من رجالات الجيش؛ من هنا يصبح التخصص أمراً مطلوباً وفعالاً للغاية؛ إذ إنه سيجعل لكل مدون شكله الخاص ويحقق الهدف المنشود للمجتمع المدني، وهو أنه مجموعة أجزاء يكمل بعضها بعضاً، ولا تعرف التنافس، كما أنه سيضيف إلى المدونين قيمة معنوية كبيرة للغاية، وإن كان التخصص أمراً معمولاً به على أرض الواقع في بعض المجالات.
 
 ثالثاً: التصوير وفن عرض الصور 
 إن الصور من أهم وسائل التأثير على القارئ أو المشاهد، ولكن ليس كل الصور مؤثرة.
من هنا تتضح ضرورة وأهمية التدريب على فنون التصوير والتدريب على حسن اختيار نوع الصور المؤثرة في المواقف العديدة التي تختلف من موقف لآخر. كما أن الصورة يمكن أن تنقل الخبر بدون أي عرض أو نص كتابي، وأهميتها تزداد في المدونات، كلما زاد علم المدون وخبراته بالتصوير.
 
 رابعاً: الفيلم وآلية صناعته
 يجب تطوير مهارات منتسبي القوت المسلحة في مجال صناعة الفيلم ولو بأسلوب مبسط للغاية؛ ذلك لأن الفيلم قد يكون جامعاً بين الكتابة والصور والتسجيل الصوتي والفيديو، وقد يشمل فقرة وقد يجمع فقرتين أو ثلاثاً، المهم في النهاية أن الفيلم يجب أن تكون له رسالة، ويجب أن تكون هناك رؤية لدى المدون وخبرة في آلية صناعة الفيلم؛ إذ إن الفيلم يجب أن يكون قصيراً في مدة عرضه، وكلما قصرت مدة العرض كان أفضل، إلا أن لصناعة الفيلم آلية يجب أن يعلمها ويتقنها المدون من رجال الجيش.
كما أن آلية عرض الصور في الفيلم يجب أن تكون مجزّأة ومرتبة طبقاً للأحداث؛ حتى يسهل على المشاهد فهم الرسالة التي يريد المدون أن يوصلها إليه. وقد تكون غير مرتبة، وفي هذه الحالة يجب أن تكون مدعمة بالكتابة التي توضح سير الحدث؛ فقد يكون لعدم ترتيبها وجهة نظر أفضل في توصيل الرسالة.
ويجب أن تكون الكتابة في الفيلم للتوضيح فقط أو لعرض مصادر المعلومات، ولو زادت العروض الكتابية في الفيلم لزاد ملل المشاهد من الفيلم.
 
خامساً: زيادة الوعي القانوني لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لدى منتسبي القوات المسلحة:
يجب أن يكون رجال القوات المسلحة على اطلاع كافٍ وثقافة واسعة في إطار فهم العلاقات والارتباطات القانونية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، تجنباً لأي خلل قانوني، ربما يؤدي إلى الإضرار بصورة المؤسسة أو الزج باسم المستخدم في قضايا قانونية مختلفة، وهنا يقع الدور على الإدارة القانونية لنشر الوعي القانوني لأغراض الاستخدام الآمن للمواقع المختلفة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره