مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-08-07

إدارة الكوارث ورهانات التنمية

ترتبط الكارثة بحادث خطير ومدمّر، عادة ما يخلف خسائر في الأرواح والممتلكات، علاوة على أجواء الرعب والهلع، وهو ينجم عن عوامل طبيعية كالبراكين والزلازل والفيضانات أو نتيجة لنشاط أو خطأ بشري؛ كما هو الشأن بالنسبة للحرائق أو ناتج عن أسباب مشتركة.

لا تخفى تأثيرات الكوارث على الحياة داخل المجتمع من حيث التأثير بالسلب على الأمن الإنساني بمكوناته المختلفة، الغذائية والصحية والقانونية والاقتصادية، فهذه المحطات غالبا ما يرافقها نوع من الركود الاقتصادي وتعطيل عدد المرافق والأنشطة الاجتماعية. ومع ذلك فإن حدوث الكوارث بمختلف أشكالها هو أمر طبيعي، بل ضروري أحيانا، تقتضيه مصلحة الدول والمؤسسات في سياق مراجعة السياسات والخطط وترشيدها، بما يعزز الجاهزية لمواجهة مختلف الصدمات المحتملة.

يعد الحد من مخاطر الكوارث عنصرا مهما ضمن مرتكزات التنمية الإنسانية، فقد حرصت الكثير من المواثيق الدولية على الربط بين تحقيق بين التنمية من جهة وإدارة الكوارث من جهة أخرى، حيث تم التأكيد على ضرورة إدماج الحد من أخطار الكوارث في الأنشطة الإنمائية (إطار عمل هيوغو 2005-2015).

إن استحضار إمكانية حدوث الكوارث ضمن السياسات العمومية والتشريعات الوطنية أمر ضروري، يساهم في تعزيز المرونة المؤسساتية وسبل الاستجابة للأحداث الطارئة ومقاومتها والتقليل من انعكاساتها، من خلال التحفيز على اللجوء إلى آليات التخطيط الاستراتيجي، ودعم الاجتهاد والإبداع داخل المؤسسات وفي أوساط صانعي القرار، علاوة على تشجيع اللجوء إلى آليات الشراكات والتنسيق بين الجهات المعنية من القطاعين العام والخاص، وتعبئة الإمكانيات المتاحة في سبيل منع خروج الأمور عن التحكم والسيطرة، ناهيك عن ترسيخ ثقافة التعامل العقلاني مع هذه المحطات التي تتسم بكونها غير متوقعة.

إن إدارة الكوارث هو علم قائم بذاته، حيث برزت مؤسسات علمية تعنى بهذا المجال، وصدرت العديد من المؤلفات والدراسات التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، وهو لا يقتصر على مواجهة الظروف الطارئة في سياق الحدّ من الخسائر الناجمة عنها، أو العمل على تطويق الوضع ومنع خروجه عن نطاق السيطرة، بل يتعلق الأمر بمدخل هام لتعزيز التنمية المستدامة، وتطوير أداء المؤسسات وتعزيز حوكمة السياسات العمومية والموارد.

لا تخفى العلاقة القائمة بين إدارة الكوارث بشكل فعال من جهة وكسب رهانات التنمية من جهة أخرى، وهو ما تؤكد عليه الكثير من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فقد تم اعتماد إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030 خلال مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الثالث المعني بالحد من مخاطر الكوارث، المنعقد باليابان ما بين 14 و18 مارس من عام 2015، وهو يقوم على بناء قدرة الدول فيما يتعلق بمواجهة الكوارث، وتقييم الجهود المبذولة والخبرات المكتسبة وتعزيز التعاون الدولي في هذا السياق.

كما أولت الأمم المتحدة باعتبارها المسؤولة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، أهمية كبيرة لهذا الموضوع، فقد تمّ التأكيد على أهمية دمج مفهوم إدارة الكوارث والحد من انعكاساتها في سياساتها المتصلة بالتنمية، ضمن الأهداف التنموية للألفية لعام 2030، فالهدف 11 من هذه الألفية يتمثل في «جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة».

وعلى مستوى الممارسات الفضلى، حققت الكثير من دول العالم، كما هو الشأن بالنسبة لليابان والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا، تقدما ملموسا في مجال الحدّ من الكوارث بفعل التدابير والسياسات المعتمدة في هذا الصدد، على مستوى مد الطرق وتوظيف التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وسن تشريعات متطورة وبلورة سياسات عمومية مواكبة واعتماد خطط استراتيجية وسياسات منفتحة في هذا الإطار، ومع ذلك ما زالت هناك الكثير من التحديات مطروحة، وبخاصة مع التغيرات المناخية.

تشير الكثير من التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى إن الكوارث بكل مظاهرها مرشحة للتطور في المستقبل، بالنظر إلى التغيرات المناخية وعوامل أخرى، والمقرونة بعدم جاهزية عدد من الدول لمواجهتها، مما يعرض أرواح الملايين من سكان الأرض إلى الخطر، وينعكس سلباً على مساعي التنمية في مختلف أنحاء العالم.

إن التعامل الأمثل مع مخاطر الكوارث في عالم متشابك، يتطلب تطوير منظومة إدارة هذه المحطات القاسية، عبر تعبئة الجهود داخل الدول وتعزيز التعاون عبر العالم، بما يعزز جاهزية الدول وتقوية قدرات المجتمعات على الصمود، ويدعم تحقيق الأمن وكسب رهانات التنمية المستدامة.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-11-05 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2025-08-06
2014-06-09
2014-11-02
2014-03-16
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره