مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-06-06

الحراك الطلابي العالمي ومأزق الاحتلال

تمثّل الجامعات منارات للفكر والتنشئة، ولترسيخ القيم الإنسانية النبيلة، وكثيرا ما انطلقت منها أفكار ونظريات غيرت مجرى التاريخ والأحداث، كما اقترنت في عدد من المحطات التاريخية بحمل مشعل التنوير والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومكافحة الأفكار النمطية والمتحجرة. كما مثلت هذه الفضاءات منبرا للمرافعة بشأن الكثير من القضايا الوطنية والدولية، ومنصة للتنديد بالظلم وكسر الصمت الذي تفرضه النظم الديكتاتورية ووسائل الإعلام العالمية الموجهة بمصالح بعض الدول، ما أسهم بشكل كبير في التحسيس بمعاناة عدد من الشعوب، وفي الضغط باتجاه اتخاذ قرارات حاسمة أفضت إلى وقف الحروب، وإلى اعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لا تخلو من أهمية.
 
 
ففي أواخر السبعينيات من القرن الماضي وعلى إثر تصاعد الكلفة البشرية والمالية الخطيرة لحرب فيتنام، التي خلفت الكثير من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، عمت المظاهرات والاحتجاجات داخل مختلف الجامعات الأمريكية، ولم تخل في مجملها من صدامات عنيفة مع رجال الشرطة، وبالتزامن مع ذلك تفجرت الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأوربية كفرنسا وألمانيا مندّدة بدورها بهذه الحرب المكلفة، وهو ما أسهم في تعزيز الضغط على الإدارة الأمريكية التي بادرت إلى سحب قواتها العسكرية من هذا البلد (فيتنام) في عام 1973.
 
 
وعلى إثر الجرائم الوحشية التي اقترفتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية في غزة والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 34 ألف شخص من ضمنهم 14 ألف طفل، مع جرح وتشريد الآلاف، اندلعت الكثير من الاحتجاجات والمظاهرات داخل أعرق الجامعات الأمريكية ك»ميشيغان» و»هارفارد» و»برينستون» (أكثر من 100 مؤسسة جامعية).. مطالبة بوقف هذه الحرب وبتأمين الحماية للفلسطينيين، ومنع تصدير السلاح نحو إسرائيل، وتجميد هذه الجامعات لتعاملاتها مع الشركات التي تدعم سلطات الاحتلال، وكذا محاسبة مقترفي هذه الجرائم الخطيرة التي تتنافي مع قواعد القانون الدولي الإنساني ومقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، قبل أن تصل هذه الاحتجاجات إلى داخل جامعات غربية وازنة في كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وأستراليا وكندا.. والتي اعتبر فيها المحتجون أن صمت الجامعات بكل مكوناتها، وكذا الدول والهيئات العالمية المختلفة، عما يجري من خروقات وانتهاكات، هو بمثابة تواطؤ مع مقترفي هذه الجرائم الخطرة التي تشكل تحديا للمجتمع الدولي برمته.
 
 
لم تخل هذه المظاهرات من صدامات، حيث استخدمت فيها الشرطة كل مظاهر القوة، وضمن ممارسات لا إنسانية وسلوكات لا تحترم حرية التعبير التي طالما تشدق بها الغرب «المتحضر»، اتهمت سلطات هذه الدول وإدارة الجامعات المحتجين بمعاداة السامية.
تمثل هذه الاحتجاجات تحوّلا مهما على مستوى تمثّل الرأي العام الغربي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعدما اقتنعت فئة واسعة من المجتمعات الغربية بحقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من جرائم مستمرة، وصلت إلى حد لا يطاق، خلال الأشهر الأخيرة، مع ارتكاب إسرائيل لجرائم إبادة بشرية متكاملة الأركان، وتهجير للسكان وتجويعهم، وتدمير للبنى التحتية في غزة. كما أن استمرارها وتمددها يمكن أن يقضي على آمال «بايدن» في ولاية ثانية، كما أنه يمكن أن يدعم التوجهات الدولية لتحريك العدالة الجنائية ضد مجرمي الحرب داخل الكيان الإسرائيلي.
إن المبررات التي اعتادت إسرائيل على التذرع بها في ارتكاب هذه الجرائم؛ بالاستناد إلى ممارسة حق الدفاع الشرعي الذي تكفله المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لم تعد تجدي نفعا مع تصاعد الرفض الدولي لهذه الممارسات التي اقتنع العالم بكونها جرائم عدوان حقيقي تتطلب المتابعة القانونية وإلحاق العقاب بالجناة.
 
 
إن تصاعد هذه الاحتجاجات داخل الفضاءات الجامعية هو تعبير عن يقظة الضمير العالمي، الذي لم يعد يقبل التعايش مع بعض النظم التي تتواطؤ مع جرائم الاحتلال بصمتها وتنكّرها للحقائق، ومع سياسة الكيل التي تمارسها الكثير من المؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية، كما هو الشأن بالنسبة للأمم المتحدة. كما أنها تعكس أيضا وعي جيل الشباب بالحيف والظلم الذي يطال الشعب الفلسطيني، واقتناعه بعدالة قضيته وبمطالبه المشروعة في بناء دولة مستقلة.
لم تخف سلطات الاحتلال، وكذا اللوبي الصهيوني المتمركز في عدد من البلدان الغربية استياءهم من هذا الزخم الاحتجاجي والترافعي المتزايد الذي يعكس وعي جيل المستقبل بحقيقة الاحتلال وجرائمه، وبضرورة إرساء حلّ عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويسهم في دعم وتعزيز السلام الإقليمي والعالمي.
 
 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-07-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره