استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
يبرز في العلاقات الدولية مفهوم الدول الوازنة، أو ما يسمى بالإنجليزية بـ Swing Statesأي الدول المتأرجحة، وهي الدول المتوسطة في القوة والقدرات، وذو تأثير في المعطيات والتفاعلات الدولية، إلا أن تأثيرها ليس بحجم الدول الكبرى المؤثرة في النظام الدولي والقادرة على إحداث تغيرات عليه بنفسها من دون الاعتماد الكبير على الآخرين كالولايات المتحدة والصين. فهاتين الدولتين لهما من القوة والقدرات ما يجعلهما نقطة جذب وارتكاز تحوم حولها دول اخرى.
وجود الدول الوازنة وبالعدد الكبير الذي نشهده اليوم هو سمة النظام الدولي الحالي. وهذه الدول متواجدة في عالم الشمال، ومتواجدة كذلك في عالم الجنوب. ففي الشمال نجد دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومعها اليابان وأستراليا من الدول الرئيسية القادرة على إحداث تأثيرات على معطيات السياسة الدولية، وفي الجنوب تبرز الهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا كدول قادرة على أحداث تأثيرات على مجريات السياسة الدولية. والمشترك بينها جميعاً هو أن هذه الدول رغم قوتها الإقليمية إلا انها لا تمتلك من القدرات والإمكانيات ما يمكن أن يخولها التأثير على مجريات النظام الدولي بذاتها، من دون أن تكون مع دول كبرى كالولايات المتحدة أو الصين. الأمر الذي يجعلها في المرتبة الثانية من القوة والأهمية، بعد هاتين الدولتين.
ولعل السمة البارزة للنظام الدولي هو سعي الدول الكبرى الرئيسية، الولايات المتحدة والصين، إلى استمالة مثل هذه الدول الوازنة أو المتأرجحة إلى جانبها، باعتبارها مصادر تعزيز لقوة الدولة الكبرى وخططها للتعامل مع الدولة الكبرى الأخرى، ولفرض هيمنتها على النظام العالمي. هذا التنافس بين الولايات المتحدة والصين نجده يتجلى في محاولة كسب هذه الدول. فالولايات المتحدة تعمل جاهدة على جذب دول الشمال المؤثرة، فيما تحاول الصين كسب ود دول الجنوب المؤثرة. فبينما تندفع واشنطن وراء الناتوNATO، وأوكسAUKUS ، وكوادQUAD، والشراكة الثلاثية الأمريكية-اليابانية-الاسترالية، وأخرى أمريكية-يابانية- كورية جنوبية من أجل احتواء تنامي النفوذ الصيني في مناطق مختلفة من العالم، تندفع بكين وراء إنشاء شراكات مع الدول الوازنة في الجنوب عبر منظمة شنغهاي، ومجموعة بريكس، والتحالف مع روسيا، وإنشاء شراكات استراتيجية مع دول مؤثرة من أجل الحد من قدرة الولايات المتحدة ونجاحها في احتواء الصعود الصيني.
فالدول الوازنة مهمة للدول الكبرى، لكن تحركات مثل هذه الدول نحو الدول الكبرى تعتبر هي أيضاً مهمة في السياسة الدولية. فهذه الدول تستطيع خلق توازنات تحد من اندفاع الأطراف الكبرى بشكل كامل نحو المواجهة. فدول الشمال الوازنة مثلاً تستطيع الحد من المسعى الأمريكي نحو التشدد مع الصين بحجة عدم الرغبة في الإضرار بمصالحها الاقتصادية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي تحقق التوازن المطلوب؛ وكذلك بعض من قوى دول الجنوب الوازنة تستطيع كبح جماح الصين من التوجه نحو خلق تكتلات موجهة ضد دول بعينها أو إجراءات دولية من شأنها إضعاف الولايات المتحدة مثلاً، كحالة وجود الهند وجنوب أفريقيا أو حتى البرازيل في بريكس والتي تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وبالتالي لا تود أن تبرز على أنها تتبع المسعى الصيني في مواجهة واشنطن. فهذه الدول لها دور كبير تستطيع أن تلعبه في سبيل المحافظة على الوضع الدولي كي لا يذهب إلى المواجهة أو زيادة حدة التوتر. وعليه، فإن وجودها مهم في السياسة الدولية، ولاسيما في الوقت الراهن مع تصاعد حدة التوتر بين دولتين كبيرتين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً كالولايات المتحدة والصين.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات