الأخبار

2024-08-01

الصين والبحرين: قفزة عظمى للأمام

إن الخطوة الأخيرة التي أقبلت عليها الصين مع مملكة البحرين بالانتقال بشراكتهما من تصنيف شراكة الصداقة إلى تصنيف الشراكة الاستراتيجية الشاملة هو تطور غاية في الأهمية في العلاقة القائمة بين البلدين. ولا أخفيكم سراً بأن هذه الخطوة جعلت الكثير من المتابعين للشأن السياسي الصيني الخليجي يقفون مذهلين من هذا التحول المفاجئ. بحق يعتبر هذا مكسباً كبيراً للدبلوماسية البحرينية التي استطاعت اقناع الصين للتحول في شراكتهما من الدرجة التي تعتبرها الصين من أقل درجات الشراكات مع الدول إلى المستوى الأعلى للشراكات من دون التدرج المرحلي في المستويات المعتمدة من قبل وزارة الخارجية الصينية! فيالها من قفزة وتطور يُكتب للدبلوماسية البحرينية وعلى رأسها ملكها الحكيم، ألذي استطاع من خلال زيارته الرسمية الأخيرة في شهر مايو إلى بكين من أن يحدث هذه القفزة العظمى للأمام في علاقة البحرين بالصين.
الشراكة الاستراتيجية الشاملة هي أعلى مستويات الشراكة في التصنيف الرسمي الصيني لعلاقاتها مع دول العالم. وفي منطقة الشرق الأوسط لم تكن سوى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران ومصر والجزائر هي الدول التي تُصنف من ضمن هذا التصنيف الصيني العالي، نظراً لاعتبار أن علاقات الصين بهذه الدول بها من القوة والأهمية والمصلحة الصينية ما يخولها أن تتعاون معها في جميع أشكال فرص التعاون والتبادل المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. واليوم وبفضل الحكمة والقيادة الرشيدة في مملكة البحرين تتمكن المنامة من نزع هذه الأهمية وتحصل على هذا التصنيف القوي من بكين.
لا يمكن لمثل هذا الأمر أن يحدث من دون أن تكون هناك نظرة ثاقبة وحكيمة من قبل القيادة البحرينية. البعض في التحليل السياسي يقول بأن المسعى الصيني في هذا الاتجاه مع البحرين هو من أجل احتواء الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة عبر إقامة علاقات قوية مع دول تتمتع بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة. قد يكون ذلك، ولكننا ندرك بأن حكمة القيادة البحرينية لن تتجه لهذا التوجه إن كان في ذلك إضعافاً لتحالفها مع الولايات المتحدة، ولا نعتقد أنها ستفكر في هذا الاتجاه. والقيادة السياسية في المنطقة الخليجية مدركة لهذه الأهمية، وبها من الرشد ما يجعلها تتعامل معه بحكمة لا تضر بمصالحها. فلا يمكن أن نتصور أن تتجه دول الخليج العربية إلى الإضرار بتحالفها مع واشنطن. وكذلك نقول إنه وإن كان هدف الصين بالفعل احتواء نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة - كما يقول البعض - فلماذا لم تتجه الصين لدول أخرى في المنطقة تتمتع بعلاقات قوية مع واشنطن وللصين علاقة أقوى معها من البحرين مثل سلطنة عُمان وقطر والكويت؟! اعتقد أن الهدف أكبر من مجرد ربطه بسعي الصين إلى احتواء الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة، ويرتبط بشكل أساسي بالمكانة التي خلقتها الدول الخليجية لنفسها - ومملكة البحرين في هذا الخصوص - كدولة جاذبة لفرص استثمارية ناجعة لدولة اقتصادية رائدة بحجم الصين.
تتمتع البحرين بعلاقة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة تجعل واشنطن تُصنفها «حليف من خارج الناتو»، ولديها اتفاقية أمنية قوية مع واشنطن وقعت في سبتمبر الماضي تخول واشنطن الدفاع عن البحرين في حالة تعرضها لاعتداء خارجي. هذه العلاقة المميزة مع الولايات المتحدة لا يمكن للبحرين أن تعمل على الإضرار بها بأي شكل من الأشكال. ولكن حكمة قيادتها السياسية تعمل على تحقيق التوازن في علاقتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة مع فتح فرص لشراكة شاملة مع دولة محورية في النظام العالمي وبالأخص في المجال الاقتصادي كالصين. فالرؤية الواعدة والثاقبة للتنمية في البحرين تتطلب تعاوناً مع جميع الأطراف الدولية المؤثرة في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك قوة بحجم الصين، التي لديها من القدرات والإمكانيات ما يمكن ان تساعد في إنجاح الخطط التنموية الواعدة لدولة ذات طموح لتعزيز تنويع مصادر دخلها. فما تفعله البحرين هو السير على خطى دول أخرى نجحت في هذا الاتجاه كدولة الإمارات العربية المتحدة التي استطاعت أن توازن وبحكمة فذة علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن بعلاقاتها الواعدة مع الصين.
فالتوجه البحريني للشراكة الشاملة مع الصين مرده الرغبة البحرينية في الاستثمار في الفرص القائمة لدفع مشروعها التنموي إلى الأمام بشكل متوازي يحمي مصالحها الاستراتيجية ويبقي تحالفاتها وشراكاتها مع دول العالم الفاعلة والمؤثرة من دون ضرر.