2024-05-03
العرب والصراع الإيراني الإسرائيلي الملتبس
قامت إسرائيل في فاتح أبريل من العام الجاري بعملية عسكرية جوية استهدفت مقر القنصلية الإيرانية في سوريا، خلّفت عددا من القتلى من ضمنهم مسؤول إيراني كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري وضباط آخرين. وبعد أقل من أسبوعين عن ذلك، وضمن خطوة تذكّر بالهجمات الصاروخية التي استهدفت العمق الإسرائيلي من قبل القوات العراقية في أعقاب حرب الخليج الثانية في عام 1991 كسبيل لكسب التعاطف الشعبي العربي والإسلامي.
قامت إيران بإطلاق أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة من فوق أراضيها نحو إسرائيل، وقد برّرت رد فعلها هذا بممارسة حقها في الدفاع الشرعي عن النفس، استنادا إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على أنه «ليس في الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة» وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي».
اعتبرت إيران أن استهداف قنصليتها وضباطها، يمثل تجاوزا للخطوط الحمراء التي ظلت تحكم العلاقات المتوترة بين الجانبين، وتأتي العملية الإيرانية بعد اشتداد العقوبات الأمريكية المفروضة عليها بسبب ملفها النووي، وكذا إدراج إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” الحرس الثوري ضمن لائحة المنظمات الإرهابية في عام 2019، كما جرت في ظل انشغال الدول الغربية بتطوّر الحرب في أوكرانيا، وعدم استعدادها لفتح جبهات أخرى، كما أن إسرائيل نفسها كانت تركّز على عملياتها العدوانية داخل غزة، وبما أحدثته من أزمات سياسية داخلية، كما تزامنت أيضا مع تزايد حدة التنديد بالجرائم الخطرة التي ارتكبتها إسرائيل داخل الأراضي المحتلة، ومع عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث والمؤسسات الدولية. وهو ما سمح بتحويل إسرائيل من معتد متورط في جرائم خطيرة ضد الإنسانية، إلى ضحية في أوساط الرأي العام العالمي تبعا لتحرك الآلة الإعلامية الغربية في هذا الصدد.
حاولت إيران أن تؤطر ردّها بمجموعة من الرسائل الحذرة التي توحي برغبتها في حفظ ماء الوجه، وحرصها على عدم تطور الوضع إلى مواجهة مفتوحة، حيث أعلنت مسبقا عن ردها، بما أتاح لإسرائيل ومن يدعمها من البلدان الغربية كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، اعتماد تدابير تعزز الجاهزية للتقليل من الأضرار البشرية والمادية المحتملة، كما أكدت أنها ستستهدف مصالح عسكرية، وبخاصة منها المواقع التي أطلقت منها الصواريخ التي أصابت قنصليتها في سوريا.
وفي هذا السياق، وكعادتها قللت إسرائيل من خطورة الوضع، وأكّدت أن قواتها الدفاعية تمكنت من اعتراض 99 بالمائة من الطائرات المسيرة والصواريخ التي استهدفتها، مما جعل الأضرار محدودة. ومثلما حدث في أعقاب حرب الخليج الثانية، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إقناع إسرائيل بعدم الرد منعا لإمكانية خروج الأمور عن نطاق السيطرة إقليميا.
إن العمليات الإيرانية وبغض النظر عن الهالة الإعلامية التي رافقتها والهلع الذي أحدثته في أوساط الإسرائيليين، كانت رمزية، بسبب الدعم الأمريكي والغربي الكبير الذي لقيته إسرائيل في هذا الصدد، إلا أنها تنطوي على بعض الدلالات، التي تحيل إلى رغبة طهران في إبراز القدرة على تحقيق الردع - وهو ما قد يعقبه الإعلان عن تطور مفاجئ بصدد ملفها النووي-، خصوصا وأن إسرائيل تحدّثت قبل سنوات عن إمكانية توجيه ضربة نوعية تستهدف منشآتها النووية، واعتبارا أيضا لكشف العجز الذي يطبع أداء مجلس الأمن في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، كما أن العمليات تمت ولأول مرة من داخل إيران، بعد أن ظلت تتحرك هذه الأخيرة في إطار مواجهات بالوكالة، متخذة بعض الأقطار العربية كلبنان والعراق وسوريا واليمن فضاءات لهذا الصراع.
رغم إصرار إيران على التسويق لانتصار وهمي يخدم القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة بشكل عام، فإن الواقع يبرز أنها تتحرك بمنطق براغماتي يخدم مصالحها الاستراتيجية، خصوصا وأن ما تقوم به في محيطها الإقليمي من تحركات عدائية وتدخلات في شؤون عدد من دول المنطقة، لا يقل خطورة عما تقترفه إسرائيل في هذا الشأن، والواقع أن الحل الأمثل لقطع كل مظاهر المتاجرة بالقضية الفلسطينية يبقى هو العمل على بناء دولة فلسطينية مستقلة.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات