يوما بعد يوم، يتأكد أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو الحل الأمثل والمستدام لتجاوز الكثير من الإشكالات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعيش على إيقاعها منطقة الشرق الأوسط، وتخيم بظلالها القاتمة أيضا على واقع ومستقبل السلم والأمن الدوليين.
لقد تبين على امتداد عدة عقود مضت أن إسرائيل وبرغم الإمكانيات العسكرية الضخمة التي تملكها، لا يمكنها أن تنعم بالأمن والاستقرار، ما لم يتم إنهاء معاناة الفلسطينيين وإرساء حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة التي تجسدها الكثير من المواثيق الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.برزت معالم حلّ الدولتين منذ خطة إنهاء الانتداب البريطاني، وتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين واحدة عربية فلسطينية، والأخرى يهودية، مع تدويل القدس، بعد قرار الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، وفي أعقاب الحرب العربية – الإسرائيلية لعام 1967، وما تمخض عنها من احتلال عدد من الأراضي العربية ضمت قطاع غزة والضفة الغربية، وصدور قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي وضع مجموعة من المبادئ الكفيلة بتحقيق السلام العادل والدائم من قبيل تسوية مشكلة اللاجئين، ومع طرح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إعلان الاستقلال عام 1988 الذي تحدث فيه عن «دولتين لشعبين»، بالإضافة إلى بنود اتفاقية أوسلو لعام 1993 التي نصت على قيام دولة فلسطينية بحلول عام 1999، ثم مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي أكدت على الخيار نفسه.
منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية تضع إمكانيتها المالية والعسكرية لدعم إسرائيل، كما أنها سخرت عضويتها الدائمة داخل مجلس الأمن باستخدام حق الاعتراض ضد كل القرارات التي تدين إسرائيل قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ورغم جلوس الطرفين على مائدة المفاوضات التي أسفرت بتاريخ 13 من شهر سبتمبر لعام 1994 عن إبرام اتفاق أوسلو بحضور الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون»، وتبادل رسائل الاعتراف بين إسرائيل وفلسطين (منظمة التحرير الفلسطينية)، ثم إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت، إلا أن ذلك لم يحل دون تنصل إسرائيل من التزاماتها، بإصرارها على بناء المستوطنات واعتقال الفلسطينيين، ووضع العقبات أمام المفاوضات، في أجواء من الصمت تارة والتواطؤ تارة أخرى من قبل «راعية السلام» الولايات المتحدة الأمريكية التي حالت دون اعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطين في عام 2011.
وفي أعقاب العمليات العسكرية العدوانية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي لإسرائيل، رغم الجرائم التي ندّدت بها الكثير من الدول والهيئات العالمية.
ومع تصاعد حدّة التنديد بهذه العمليات ودخول المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية على الخط، وانكشاف حقيقة المعايير الغربية المزدوجة بصدد قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، حاولت الولايات المتحدة أن تظهر مرة أخرى كحريص على إرساء السلام في المنطقة، حيث أعلن وزير خارجيها «انتوني بلينكن» في أعقاب لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية «عباس أبو مازن»، دعم الولايات المتحدة لإصلاح السلطة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع الحرص على توفير ضمانات أمنية لإسرائيل.
لا يخفي الكثير من الباحثين والمهتمين شكوكهم إزاء هذه التصريحات، والتي تبين زيفها تحت محك الممارسة في عدد من المناسبات، ويعتبر آخرون الأمر مجرد مناورة للرئيس الأمريكي «جو بايدن» في سياق محاولته لكسب تعاطف العرب والمسلمين في أمريكا ضمن جهوده الرامية للفوز بولاية رئاسية جديدة.
لا يخلو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة من صعوبات وتحديات، يجسدها الانقسام الفلسطيني، وهشاشة النظام الإقليمي العربي الذي لا يملك رؤية موحدة حول هذا الخيار، ناهيك عن الرفض الصارم الذي تبديه إسرائيل تجاه يواجه به هذا المطلب، باعتباره يتعارض مع متطلبات أمنها، كما أن هناك جماعات ضغط قوية داخل الولايات الأمريكية ترفض ذلك، بل ولا تتردد في التعبير عن دعمها لكل الانتهاكات والخروقات التي ترتكبها سلطات الاحتلال في فلسطين.
وبالإضافة إلى ذلك، تظلّ هناك الكثير من الأسئلة المطروحة بصدد حدود الدولة الفلسطينية المنتظرة، وما إذا كانت ستضم القدس أم لا؟ وحول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستجبر السلطات الإسرائيلية على الالتزام بالاتفاقيات المبرمة وبوقف الانتهاكات وبناء المستوطنات أم لا؟
لا يوجد تعليقات