مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-08-03

دولة الإمارات وأمريكا اللاتينية

في خضم التحولات العالمية والأحداث المتسارعة، يبرز عالم الجنوب – الذي يضم الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية – كفاعل رئيسي في صياغة مستقبل النظام العالمي. وتتصاعد أهمية هذه الدول ليس فقط من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية، بل من حيث تنامي أدوارها الاقتصادية والسياسية والثقافية على الساحة الدولية. ومع هذا الصعود، تزداد الحاجة إلى تعزيز التعاون بين دول الجنوب، ليس بوصفه خياراً تنموياً فحسب، بل كضرورة استراتيجية تفرضها التحديات المشتركة والمصالح المتقاطعة.

من هذا المنطلق تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج إيجابي في تعزيز هذا النوع من التعاون، انطلاقاً من رؤيتها القائمة على مد جسور التعاون وبناء الشراكات مع مختلف دول العالم، وبالأخص مع دول عالم الجنوب. فقد تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال سياساتها التنموية وانفتاحها الثقافي أن تصبح منصة عالمية رائدة للحوار والتقارب بين الشعوب، ومركزاً داعماً لمشاريع وخطط التنمية في العديد من دول عالم الجنوب، ولاسيما في مجالات دعم البنية التحتية، والطاقة، والتعليم، والرعاية الصحية، والتنمية الزراعية، والتجارة البينية.   

تمثل دول الجنوب الغالبية الساحقة من سكان العالم، وتأتي معها دول أمريكا اللاتينية التي تزخر بموارد طبيعية وبشرية هائلة، مما يجعلها محورية في حل العديد من القضايا العالمية مثل قضايا التغيير المناخي، الأمن الغذائي، الطاقة، والتنمية المستدامة. كما أنها تمثل أسواقاً صاعدة نتيجة لوفرة الموارد الطبيعية وبالأخص في مجال المعادن الثمينة كالليثيوم والنحاس والبلاتينيوم. وهي كذلك سوقاً واعدة لتعزيز التبادل التجاري معها. وبالنظر إلى هذه الإمكانيات وما تمتلكه دولة الإمارات العربية المتحدة من نظرة تنموية ثاقبة فإن مجالات وفرص التعاون بين الجانبين كبيرة. فقدرة دولة الإمارات تتمثل في تحقيق الربط بين مختلف أجزاء العالم عبر الموانئ التي تتولى إدارتها في أكثر من ثمانين دولة حول العالم، وتمتعها بإمكانيات لوجستية هائلة في مجال النقل والتنقل، ووجود اتفاقيات تعاون اقتصادية مع العديد من الدول في مختلف مناطق العالم. هذا الأمر يعطي فرصة للتعاون المشترك مع دول أمريكا اللاتينية التي تبحث لنفسها عن أسواق، وبحاجة إلى تعاون كبير بحجم ما تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة من تسهيلات لأية دولة تسعى إلى أن تحقق النمو في علاقاتها التجارية.

الجميل في الجانب اللاتيني هو تقديره لمكانة دولة الإمارات العالمية كقوة ذو ثقل اقتصادي وتجاري مهم يسهم في دعم مشاريعها التجارية الخارجية. هذا الفهم يمكن ملامسته عند المسؤولين وأصحاب الفكر في أمريكا اللاتينية، الذين يرون في دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً ناجحاً يمكن الاستفادة منه في دعم مشاريعهم ومخططاتهم التنموية. فمواني دبي العالمية تدير العديد من موانئ ومحطات لوجستية هامة في أمريكا اللاتينية، مثل محطة الحاويات في ميناء سانتوس بالبرازيل الذي يعد أكبر ميناء في المنطقة؛ وإدارتها لموانئ ومحطات لوجستية في الأرجنتين والإكوادور وبيرو، والعمل على السير بها وفقاً لخطط صديقة للبيئة وتحقق الاستدامة؛ بالإضافة إلى أن طيران الامارات يمثل الشريك الأبرز الذي يربط أمريكا اللاتينية بمنطقة الشرق الأوسط وأسيا. كما أن شركة مبادلة الإمارتية تستثمر في قطاع الطاقة وبالأخص في الطاقة النظيفة والابتكار في مشاريع الهيدروجين الأخضر في البرازيل. هذا التواجد الإماراتي أسهم في بناء مكانة خاصة لدولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة أمريكا اللاتينية، التي ترى في دولة الإمارات مشروع نجاح يمكن أن يسهم في إنجاح مشاريعها التنموية. فدولة الإمارات غدت صاحبة قوة ناعمة في التأثير عبر مكانتها الاقتصادية لمنطقة محورية كمنطقة أمريكا اللاتينية.

هذا النجاح الإماراتي ليس من أجل فقط تعزيز التعاون مع دول الجنوب وحسب، وإنما يأتي في سياق الاستراتيجية الإماراتية لتعزيز التعاون وتوثيقه مع مختلف دول العالم. فتوجه دولة الإمارات لا يتحمس لمسايرة التقسيم الحالي بين دول عالم الشمال ودول عالم الجنوب، بل يدرك أن مصلحة دولة الإمارات هي مع الجميع، وتسعى بالتالي للعب دور محوري وهام في السعي لدعم مشاريعها التنموية لدى الجانبين الشمالي والجنوبي، بما في ذلك منطقة أمريكا اللاتينية. وهذا ما يعزز مكانة دولة الإمارات، ويقوي من حضورها العالمي كنموذج لدولة صاحبة مشروع تنموي متميز، لا يهدف إلى الاستئثار بالمكاسب بل يبني جسوراً للتواصل والتعاون، تحقق النفع للجميع، فهي في أعينهم دولة نفع وخير للجميع.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-11-05 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2025-08-06
2014-06-09
2014-11-02
2014-03-16
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره