استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
على امتداد التاريخ الإنساني، سعت مختلف الوحدات الاجتماعية من أسرة وقبيلة ومدينة وإمبراطوريات ودول، إلى امتلاك عناصر القوة كأساس لفرض النظام الداخلي وتحقيق الأمن الخارجي.
إن تحديد مفهوم القوّة في العلاقات الدوليّة يختلف بحسب الاتجاهات الفكرية، ومع ذلك نجد مجموعة من القواسم المشتركة بين الباحثين والمفكرين، حيث يتم ربطها إجمالا بامتلاك القدرة على مواجهة التهديدات وحماية السيادة، والتأثير في صناعة القرارات، وفرض الآراء دوليا بشكل مباشر، أو غير مباشر في سياق أساليب الردع.
ومع التحولات التي شهدتها العلاقات الدولية، حدث تطور ملحوظ في معنى القوة، فبعد أن كان يرتبط بالجانب البشري، وبالموقع الجغرافي، وبامتلاك الإمكانيات العسكرية، أصبح يحيل إلى المقومات الاقتصادية؛ وما يتصل بها من صناعة وتجارة واستثمارات وإمكانات فلاحية ومعدنية.. قبل أن تحدث التطورات التقنية وما رافقها من طفرة رقمية تحوّلا كبيرا في مضامين هذا المفهوم الذي أصبح يرتبط بتوطين التكنولوجيا وبحسن توظيفها في المجالات الإدارية والصناعية والخدماتية والعسكرية، وتدبير المخاطر، وكذا امتلاك المعلومات.
ومع تطور العلاقات الدولية وتشابكها، ازدادت القناعة بأن الدول لا يمكن أن تحقق مصالحها أو تعزز أمنها إلا من خلال امتلاك هذه المقومات مجتمعة، غير أن أولوية هذه العناصر اختلفت بدورها بين مرحلة الحرب الباردة التي كان فيها هاجس الحروب مطروحا بقوة عكسه سباق التسلح ونهج سياسة الأحلاف، حيث حظي الجانب العسكري بأولية قصوى في هذا الإطار، ومرحلة ما بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشرقي التي سمحت للعالم بالالتفات إلى مخاطر جديدة بيئية ورقمية وصحية.. مما سمح باستحضار جوانب أخرى اقتصادية وسياسية وتقنية وثقافية أحدثت تحولا كبير في معنى القوة الذي أضحى أكثر توسّعا وشمولية.
وعندما طرح الباحث الأمريكي «جوزيف ناي الابن» مقولته المتصلة ب»القوة الناعمة» ضمن كتابه الصادر عام 1990 والموسوم «مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية»، قبل أن يطوره في مؤلفه الجديد لعام 2004 المعنون ب: «القوة الناعمة، وسيلة النجاح في السياسة الدولية»، والتي اعتبر من خلالها أن القوتين الصلبة والناعمة مترابطتان، لأنهما يهدفان أساسا إلى التأثير على سلوك الآخرين، أحدث ذلك تحولا كبيرا في مفهوم القوة. حيث ترسخت القناعة لدى كثير من الباحثين والمفكرين وصانعي القرار بأن امتلاك القوة «الخشنة» في ارتباطها بعناصرها العسكرية، تظلّ مكلّفة اقتصاديا وسياسيا وقانونيا وأخلاقيا، بل وغير فعالة على مستوى تحقيق الأهداف التي تنحو إليها الدول.
وبالموازاة مع ذلك، بدأت الكثير من دول العالم تولي عناية كبيرة لآليات القوة «الناعمة»، التي تقوم على الجذب والإقناع بدل الإكراه والزجر، من خلال استثمار مختلف القنوات الثقافية والفنية والروحية والعلمية والمساعدات التقنية والإنسانية وحتى البحث العلمي، في التأثير على الدول، وفي إرساء سياسة خارجية أكثر دينامية وفعالية وبراغماتية.
ففي أعقاب أحداث 11 سبتمبر لعام 2001 وظفت الولايات المتحدة إمكانات مالية ضخمة لأجل تمويل مشاريع سياسية وإعلامية وثقافية، في إطار تحسين صورتها عبر العالم، كما أن الصين استندت بدورها إلى عناصر القوة الناعمة في سبيل الترويج لمشاريعها الاقتصادية الواعدة، ولمكانتها كقطب وازن في النظام الدولي الراهن، ونفس الأمر ينطبق أيضا على عدد من الدول التي وظفت الرياضة والثقافة والبحث العلمي والفنون والمساعدات الإنسانية لأجل تحقيق أهدافها ومصالحها بعيدا عن لغة الزجر العسكري المكلفة.
إن هذا التحول، لا يعني البتة تخلص الدول من ترسانتها العسكرية، أو التقليل من نفقاتها المرصودة في هذا الشأن، فقد ظلت الكثير من البلدان تزاوج بين توظيف القوة الخشنة أحيانا واستثمار القوة العسكرية أحيانا أخرى، تبعا للظروف ولتقييم الأوضاع، فيما حرصت دول أخرى على الاستمرار في السعي لتطوير إمكانياتها العسكرية وتخصيص موارد مالية هامة في هذا السياق، فيما تزايدت طموحات بعض الدول كإيران على اقتحام النادي النووي.
بدأت المراهنة على القوة الناعمة كأسلوب مرن لتحقيق الأهداف والمصالح تتآكل خلال السنوات الأخيرة، وبخاصة مع تنامي اللجوء إلى القوة العسكرية لحسم الخلافات على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما تأكد بشكل ملحوظ مع العمليات التي تقودها روسيا داخل الأراضي الأوكرانية، وكذا الاعتداءات التي تباشرها إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية ضد كل القوانين والمواثيق الدولية.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات