استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
مع سقوط «نظام الأسد» بصورة فجائية ومتسارعة، ساد مناخ من التفاؤل نحو القطع مع مرحلة قاتمة من التاريخ السياسي المعاصر لسوريا، خاصة وأنها شهدت على امتداد العقود الأخيرة الكثير من الصراعات التي عرضت فئات عريضة من شعبها لأفظع الجرائم والتهجير، وشرّعت البلاد أمام تدخلات أجنبية عمقت الخلافات والجراح أكثر.
ومع توالى الأيام بعد هذا الحدث الكبير الذي انتظره الكثير من السوريين، وخروجهم بشكل متدرج من أجواء الانبهار والفرحة، بدأت الأسئلة الجوهرية تفرض نفسها بصدد مستقبل البلاد وسبل إرساء قدر من الثقة بين مختلف الفرقاء السياسيين، وبناء دولة تحظى بثقة المواطنين، وتكون قادرة على فرض النظام واحترام القانون.
على امتداد أكثر من عقد من الزمن، ارتكب النظام السوري جرائم فظيعة وصلت حد استخدام أسلحة محرمة في مواجهة المعارضين، وإلقائهم في سجون سرية تفتقر لأبسط الشروط الإنسانية دون محاكمات عادلة، علاوة على دفع عدد كبير من الأشخاص إلى ركوب غمار الهجرة القسرية أو طلب اللجوء كخيار للنجاة من بطش هذا النظام.
إن تدبير المرحة الانتقالية التي تمر منها سوريا في الوقت الحالي، يتطلب توخّي قدراً كبيراً من الحذر والمسؤولية، والاستفادة من أخطاء النظام نفسه، وأخطاء عدد من دول المنطقة التي يفض فيها رحيل الأنظمة الديكتاتورية إلى القطع مع مظاهر الاستبداد والفساد. فالأمر يتعلق بظرفية حساسة تقتضي اعتماد مجموعة من التدابير والخطوات الكفيلة بتأمين التحول وبناء المؤسسات وسن التشريعات التي تقضي على آلام وإحباطات الماضي.
وفي هذا السياق، تعالت أصوات سورية وأخرى دولية مطالبة باعتماد آلية العدالة الانتقالية كأسلوب لبناء دولة الحق، وبشكل سلس، يحول دون إفلات عدد من المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها البلاد من العقاب، ويحدّ من مظاهر الانتقام والفوضى التي يمكن أن تربك الأوضاع وتخلط الأوراق من جديد.
إن العدالة الانتقالية هي مدخل فعّال للتخلّص من التراكمات السلبية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عبر سبل تتنوّع بين إحداث لجان لتقصي الحقائق، ومحاكمة الجناة، وجبر ضرر الضحايا مادياً ومعنوياً عمّا لحق بهم من مآس ومعاناة، وإعمال إصلاحات مؤسساتية، أو بتحقيق مصالحة بين الفرقاء السياسيين، وإقامة النّصب والمتاحف لأجل حفظ الذاكرة، علاوة على منع المتورطين في الانتهاكات من تولّي مسؤوليات حكومية.
لا تخفى إسهامات هذه الآلية في الحسم مع تركات الماضي، وتحقيق انتقال متدرّج نحو الديمقراطية؛ يوفر شروط التسامح والمصالحة والشرعية والتعددية والاستقرار داخل المجتمعات، بعيداً عن مظاهر الثأر والانتقام؛ ولذلك تزايد اللجوء إليها من لدن دول عديدة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا الشرقية، خلال العقود الأخيرة، وهو ما سمح بظهور تجارب وممارسات مهمة أسهمت في تطوير هذه الآلية، وعزّز من فرص اللجوء إليها من قبل عدد من الدول الطامحة إلى الديمقراطية.
بعد رحيل «بشار الأسد»، حرصت نخب المعارضة السورية على إطلاق تصريحات تدعو من خلالها إلى تلافى السلوكيات العنيفة والانتقامية، مع التأكيد على الاستجابة لضحايا الانتهاكات في تعريض المسؤولين عن الجرائم لمحاكمات عادلة.
وفي هذا السياق، دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان «فولكر تورك»، إلى حماية كل الأقليات وتجنب الأعمال الانتقامية داخل البلاد، مشيراً إلى أن ما وقع من فظائع إنسانية في سوريا يستدعي بناء مستقبل جديد يقوم على احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والسلام الدائم، فيما دعت منظمة العفو الدولية المعارضة السورية بكل فصائلها إلى تجنب العنف والانتقام في مواجهة الخصوم، وإعمال محاكمات عادلة إزاء الجرائم المرتكبة.
لا يخلو تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا من صعوبات، نظراً لوجود معارضة بخلفيات إديولوجية متباينة، وبتوجهات مختلفة إزاء هذه العدالة وما إذا كانت ستقوم على المحاسبة أو المصالحة، وفرار عدد من النخب الحاكمة، مدنيين كانوا أو عسكريين، وعلى رأسهم «بشار الأسد» نحو الخارج.
وبغض النظر عن ذلك، فإن استحضار المصلحة الوطنية وإعادة الثقة بين مختلف أطياف المجتمع السوري، علاوة على تعاون دول الجوار في تسليم المسؤولين عن الانتهاكات، سيمثل منطلقاً لإرساء أرضية متينة لإعمال عدالة انتقالية كفيلة بمنع الإفلات من العقاب والمحافظة على وحدة الصف السوري، ووضع لبنة مهمة في مسار التحول الديمقراطي بالبلاد.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات