مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-06-07

الأمن الصحي والأمن الوطني

لطالما ركز دارسو علم السياسة على المفهوم الأعم والأشمل للأمن الوطني في دراساتهم. إلا أن التطبيق العملي الذي اتجهت إليه معظم الدول ركز على المفهوم الضيق للأمن الوطني وهو المفهوم المرتبط بالأمن العسكري وحفظ النظام العام من التهديدات والأخطار الأمنية المزعزعة لاستقراره. لم يكن هذا أبداً هو المفهوم الوحيد الذي عبرت عنه أدبيات السياسة، بل كان هذا المفهوم هو جزء من مفهوم أعم وأشمل للأمن الوطني يشمل الأمن الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والصحي، والبيئي، والغذائي، والعسكري الكفيل بحفظ النظام العام وحماية المجتمع والدولة. 
 
 
فبالأمس خرجت شعوب بعض الدول العربية فيما سمي بالربيع العربي ضد بعض الأنظمة الحاكمة التي لم تركز على المفهوم الشامل للأمن الوطني وكان همها فقط بُعداً معيناً في الأمن ونسيت الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي الذي يهم حياة الانسان اليومية. اليوم ومع جائحة كورونا يدخل علينا الأمن الصحي بشكل قوي، وهو الأمن الذي لا يبدو أن كل دول العالم قد وضعت له استراتيجيات مناسبة قبل حدوثه وإلا لما وصلت حالات الإصابات والوفيات لهذا المستوى المرتفع الذي يشهده العالم اليوم! ولما ارتبكت العديد من الدول لعدم وجود المعدات الطبية الرئيسية المطلوبة لمواجهة مثل هذا الوباء على أراضيها! 
 
 
فالأمن الإنساني متعلق بحماية حياة الإنسان، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مواجهة خطر الأمراض الفتاكة بالحياة، وأنه ضروري من أجل مساعدة المرضى في العودة لدعم الحياة الكريمة لعائلاتهم ودعم اقتصادهم. فالأوبئة هي خطر مباشر على حياة الانسان لأنها تقتل، وخطر غير مباشر لأن تبعاتها وتأثيراتها كبيرة على حياة الإنسان.
 
 
هذا الأمر أصبح يفرض علينا ضرورة حتمية الانتقال من المفهوم الضيق للأمن الوطني نحو المفهوم الأوسع الذي يشمل كل الأبعاد. فالتخطيط الاستراتيجي دائماً ما يكون عاماً وشامل، وتترتب الأولويات بناءً عليه. لا أحد يتصور أن تأتيه سكتة قلبية، ولكن هذا الأمر غير مستبعد عند أي شخص، وبالتالي التخطيط السليم لكل شخص هو في أن يقوم بالإجراءات الاستباقية الاحترازية لإبعاد شبح هذا الوضع عنه من خلال التدريبات الرياضية والأكل الصحي والفحص الدوري. الدول كذلك بحاجة إلى أن تضع كل الاحتمالات وتعاملها التعامل الجدي، وتضع لها الخطط التي يمكن أن تمنع حدوث الأزمات أو الحد من خطورتها إذا ما وقعت. فالأزمات ليس فقط مصدرها الدول بل قد تأتي أيضاً من طرف غير مفهوم وملاحظ مثل ما يحدث مع فيروس كورونا أو كوفيد-19. 
 
 
هذا الأمر يجعل على الدول أن تركز على البحث والتطوير في حقل دراسات الأمن بمختلفة جوانبه الشمولية بما في ذلك الأمن الصحي، الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي. ففي ظل العولمة والاعتماد المتبادل لا يمكن لأي دولة أن تتجاهل مرضاً معيناً في دولة ما وتعتبره أنه خارج نطاق حدودها الجغرافية. كما أنه معلوم للمتخصصين أن الأوبئة تتكرر في كل فترة زمنية وتحدث تأثيراً بالغاً على الأمن الوطني للدول من خلال تهديد النظام الصحي وإلحاق الأذى برعاياها. فالحد من مرض معين لا يعني نهاية الأمراض بل هو إنذار على أن سلسلة الأمراض في استمرار وتواصل، مما يفرض على الدول أن تكون مستعدة لها في ظل تخطيط استراتيجي يوسع من دائرة الفكر الاستراتيجي ليشمل قضايا غير عسكرية لها تأثير على الأمن الوطني.
 
 
ولعل أهمية الأمن الصحي تكمن في أن تأثيره وجودي، أي أنه قادر على أن يبيد أكبر عدد من الناس أو الحيوانات أو النباتات ويخلق بالتالي خطر وجودي للحياة. وهذا الأمر يتطلب تعاوناً علمياً كبيراً بين دارسي العلوم الاجتماعية ولاسيما دارسي المجتمعات الإنسانية والمشاكل الاجتماعية بين أفراد المجتمع ودارسي الطب والأدوية. فعالم الاجتماع قادر أن يحدد تأثر الوضع الصحي على الانسان والمجتمع وبالتالي تحذير السلطات من مغبة الدخول في إشكاليات كبيرة مع الأوضاع الصحية. لذلك فإن فهم الأمن الوطني للدولة يتطلب دراسة الوضع المجتمعي والصحي للمجتمعات بشكل أكبر بحيث لا تطغى دراسات الأمن الجيوستراتيجي على دراسة حال الوضع الداخلي للمجتمعات. فالعالم بحاجة إلى أطباء يكافحون الأمراض وعلماء اجتماع يدرسون التأثير الصحي على المجتمعات. هذه الشراكة هي التي لابد أن تكون نقطة الانطلاق نحو استراتيجية فهم الأمن المجتمعي لعالم ما بعد كوفيد-19. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره