2023-04-02
الحرب الحقيقية
حادثة اعتراض مقاتلتين روسيتين لمسيرة أمريكية في البحر الأسود في 15 من مارس الماضي حملت رسالة سياسية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب والولايات المتحدة تحديداً فحواها أن بلاده: مستعد لتوسعة رقعة الحرب أبعد من أوكرانيا.
يُفضل الكثيرين على اختصار تسمية الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا: بـ»حرب أوكرانيا». مبررون وجهة نظرهم هذه، بأن أوكرانيا ليست سوى ساحة لإطلاق شرارة حرب بين الولايات المتحدة وروسيا فهما أصحاب الحرب الحقيقية، وجاءت حادثة المسيرة الأمريكية كي تؤكد على ما يقولونه. فأوكرانيا، بالنسبة لأصحاب هذا الرأي، ليست غير أنها أداة من أدوات هذه الحرب، ومن هذا المنطلق يمكن تفسير سر إصرار الغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص على استنزاف روسيا اقتصادياً بالشكل الذي يؤدي بها إلى الانهيار الداخلي، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي قبل انهياره.
دور أوكرانيا في منطقة البحر الأسود في تفكير استراتيجي العالم مشابه لدور تايوان في بحر الصين هي: «ثغرة» استراتيجية؛ حيث من المتعارف عليه أنها توفر للولايات المتحدة على مساحة على التحرك في منطقة نفوذ سياسي لروسيا وربما خوض حرب بالإنابة عنها بدلاً من الحرب المباشرة أو أن «تشوش» على الاستراتيجية الصينية العالمية التي بدأت تتوسع من خلال تايوان لأن حرب الولايات المتحدة مباشرة مع هاتين الدولتين لن يقودها إلى تحقيق نصر فيها.
اجتمعت مجموعة من المؤشرات التي تبرهن أن مساعي الولايات المتحدة ونواياها لإطالة هذه الحرب حتى باتت حرب غير معروفة النهاية منها، وجود قوات أجنبية تقاتل بجانب القوات الأوكرانية على هيئة متطوعين في استعادة مباشرة لفكرة «المجاهدين» في أفغانستان أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ومن تلك المؤشرات أيضاً، استمرار الدعم السياسي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي بات «نجماً سياسياً» يتم استقباله كالأبطال في الغرب.
أما المؤشر الأخطر والمستفز لبوتين الذي سيغير طريقة الحرب ويكشف مجرياتها المستقبلية هو: تزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية البعيدة المدى بالإضافة إلى دخول الدبابات الألمانية (ليوبارد2) ما يعني أنه بدأنا نقترب من تطور استراتيجي دولي: للحرب العالمية الثالثة.
المناورات العسكرية بجانب كونها إجراءات روتينية لتهيئة الجيوش لأي سيناريو قد يحدث، إلا أنه أحياناً تحمل رسالة سياسية خاصة إذا توفرت فيها عنصرين اثنين -على الأقل- هما. العنصر الأول: تزامنت تلك المناورات في توقيتها مع حدث غير طبيعي بين دولتين متنافسين أو بينهما خلافات سياسية كما يحدث بين روسيا وأعضاء حلف الناتو حالياً. الشيء الثاني: نوعية الأسلحة المستخدمة في المناورات فهو يعطي إشارة إلى الاتجاهات العسكرية والميولات المسيطرة على السياسيين، حيث أجرت الدول الغربية (باستثناء فرنسا لأنها غير عضو في الناتو) مناورات نووية التي حملت مسمى (الظهيرة الثابتة) في أكتوبر الماضي.
المقلق في هذه الحرب؛ وهو ما يعطيها إثارة على أنها مقدمة للتمهيد لحرب عالمية جديدة هو تهديد الرئيس فلاديمير بوتين بأنه مستعد لتوسعة الحرب جغرافياً وكذلك توسعتها في استخدام السلاح النووي الذي لم يستخدم منذ نهاية الحرب العالمية في 1945. فهذين التهديدين يعطيهما بعداً بأنها ليست حرب أوكرانيا التي أصلاً لا تمتلك السلاح النووي ولا يمكنها مواجهة دولة جيشها بحجم الجيش الروسي، ولكن التهديد إنما هي إشارة إلى الولايات المتحدة التي باتت قلقة على دورها ونفوذها العالمي الذي تسببت فيه بنفسها في تراجعه منذ قررت اتخاذ قرارات غير مدروسة في الانسحابات من مناطق تواجدها الإقليمي في العالم.
عدم سعي الإدارة الأمريكية ومعها حلفاءها من الغرب مثل بريطانيا وفرنسا للعمل من أجل دفع زيلينسكي على التفاوض وفتح الحوار مع روسيا باعتبارها الوسيلة الوحيدة والأنجح لوقف الحرب غير المعروفة النهايات هو تعبير بوجود نوايا لاستمرارها وتصعيدها، في الوقت الذي ينتظر فيه العالم بارقة أمل تلوح في الأفق لوقفها.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات