مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-07-11

الذكاء الاصطناعي والتعليم العالي

نعيش اليوم مرحلة جديدة من التطور الإنساني يتمحور من خلالها الذكاء الاصطناعي ليكون جزءًا مهماً في حياة الانسان. شئنا أم أبينا، ومهما كان تفكيرنا كتربويين وأكاديميين، فإن الذكاء الاصطناعي يتشكل ليصبح جزءاً مهماً من منظومة التعليم العالي لأن حياة الطالب بعد التخرج من الجامعة ستكون مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالذكاء الاصطناعي. فلا يمكن لمؤسسات التعليم العالي أن تتجاهل الذكاء الاصطناعي بأي شكل ما كان، بل عليها أن تؤهل الطالب التأهيل المناسب لكيفية التعامل معه بسلبياته وايجابياته.
 
كأكاديمي جامعي أستطيع القول بأنني أتلمس استخدامات الذكاء الاصطناعي عند طلبتي، وإن كان هذا الأمر ما زال في بداياته. فكتابة مقالة علمية أو تقرير علمي بالطريقة البحثية التي أتأملها كأستاذ جامعي عند الطالب سيصبح ضرباً من الماضي. فمع الذكاء الاصطناعي لم يعد الطالب بحاجة إلى الذهاب إلى المكتبة ولا لقراءة الأدبيات المختلفة حول الموضوع الذي يود البحث فيه ليتمكن من كتابة بحثه أو مقالته. فكل ما عليه هو أن يطلب من أحد برامج الذكاء الاصطناعي كالجات جي بي تي - على سبيل المثال - وسيقوم هذا البرنامج بتوفير الوقت والجهد بشكل مذهل ويقدم الإجابة الصحيحة بأبعادها المختلفة. أمر غاية في الأهمية للباحث الذي يريد أن يستثمر الوقت في الوصول إلى المعلومة. فما يمكن أن تبحث عنه في ساعات وأيام يمكنك الحصول عليه في ثوان. لكن خطورة هذا الأمر تكمن في أخذ ما يتم الحصول عليه من مثل تلك البرامج باعتبارها حقيقة كاملة يُعتمد عليها. 
     
كما أن مثل هذه البرامج أصبحت وللأسف وسيلة مساعدة على الغش الأكاديمي، ولاسيما للمؤسسات التعليمية التي تسمح بإجراء الامتحانات عن بعد أو باستخدام وسائل التكنلوجيا المختلفة. الغش ظاهرة موجودة في جميع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي حول العالم، ورغم سعي مثل تلك المؤسسات إلى وضع الضوابط واستخدام التكنولوجيا المختلفة للحد منها إلا أنها ما زالت موجودة، ولربما تصبح اليوم أكثر حضوراً مع مثل هذه البرامج المختلفة من الذكاء الاصطناعي. وهذا الأمر يجعل المسئولية مضاعفة على المعلمين ومؤسسات التعليم العالي من خلال العودة إلى الامتحانات الحضورية والشفهية أكثر من الاعتماد على الامتحانات التي تعتمد على وسائل التكنولوجيا المختلفة، وكذلك ضرورة إدخال أنماط تقييم جديدة ومتنوعة وأكثر قدرة على تشجيع التفكير الإبداعي لدى الطالب. 
 
فهل ذلك يعني أن مؤسسات التعليم العالي يجب أن تحارب الذكاء الاصطناعي أو تتجاهله أو تحد من استخداماته؟ بالطبع لا، وذلك باعتبار أن الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، ومؤسسات التعليم العالي من الواجب عليها أن تتماشى وتكون جزءاً من حاضر ومستقبل الأمم والشعوب، وتتعامل مع الأفكار والتطورات الموجودة بشكل تكون مساهمة في حيثيات المستقبل. فلا يمكن لمؤسسات التعليم العالي أن تتجاهل ما يدور من حولها، فهي عنصر أساسي من العناصر المساهمة في التحديث والتطوير. لذلك يجب عليها أن تستقبل الذكاء الاصطناعي من خلال: أولاً، تدريب موظفيها وخاصة الأكاديميين منهم على استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم والتعلم والبحث العلمي.
 
فمعرفة الأكاديميين والمشتغلين في هذا المجال بمثل هذه التكنلوجيا من شأنه أن يساهم في تحقيق فهم أفضل لاستخداماتها من قبل المعلم والطالب. فالجامعات بحاجة إلى خلق ثقافة عامة حول الذكاء الاصطناعي عند موظفيها وطلبتها حتى تتمكن من الوصول إلى الاستخدامات المثلى لمثل هذه التكنولوجيا الحيوية. ولعل الاستخدام الأمثل هو من خلال الإدراك بأن مثل هذه التكنولوجيا هي وسيلة مساعدة على التعلم والبحث العلمي ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة. بل أن دور المؤسسة التعليمية في تعزيز الفكر الإبداعي عند الطالب مع استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون هو أحد أهم الأهداف التي تعمل مثل هذه المؤسسات على تحقيقها. فالطالب يجب أن يكون مطالباً بتقييم ما يأخذه من الذكاء الاصطناعي وليس فقط الاعتماد عليه بشكل كامل من دون أن تكون لديه القدرة على التقييم والتطوير. 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره