مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-08-06

الصين: لا أستطيع التنفس

هذا هو حال الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالصين بلد غير قادر على التنفس بشكل طبيعي، لأنه وبكل بساطة فإن الولايات المتحدة تعمل على خنق الصين كي لا تتنفس طبيعيا. أي أن الصين بلد يريد أن يلعب دوره الطبيعي الذي تُحتم عليه الظروف الطبيعة ومعطيات القوة في منطقة أسيا، ولكن السياسات الأمريكية تعمل على خنق المسعى الصيني للعب دورها الطبيعي في المنطقة. لذلك فلسان حال الصن اليوم هو "لا أستطيع التنفس". 
 
الصين هي أقوى قوة اقتصادية في أسيا وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، ومع هذا فهي لا تستطيع أن تمارس دورها القيادي الاقتصادي في منطقتها لأن الولايات المتحدة الأمريكية مُقيدة العمل الاقتصادي العالمي والإقليمي بمؤسسات وترتيبات اقتصادية تسيطر عليها الولايات المتحدة وتتماشى مع ما يرده الاقتصاد الأمريكي. فكل مسعى اقتصادي تحاول الصين القيام به تنظر إليه الولايات المتحدة بالريبة وتعتبره عمل يحاول أن يقلب الوضع القائم! الصين هي أقوى قوة عسكرية في منطقة أسيا، إلا أنها غير قادرة على أن تمارس دورها القيادي في حفظ المنظومة الأمنية في المنطقة بسبب الولايات المتحدة وسياساتها الخانقة للدور الصيني عبر التواجد ألأمريكي العسكري في ظل اتفاقيات عسكرية وأمنية وتحالفات عسكرية مع دول تحيط بالصين من كل جانب، وقوات عسكرية أمريكية هائلة مدججة بأحدث الأسلحة متواجدة في كل من اليابان وكوريا الجنوبية. فكل تحرك عسكري صيني تنظر إليه الولايات المتحدة بالريبة وتعتبره مهدد لأمن المنطقة! الصين هي أكبر قوة جغرافية وبشرية في منطقة أسيا إلا أنها لا تستطيع ان تلعب دورها الريادي كقوة صاحبة معطيات ناعمة في التأثير في نطاقها الإقليمي. 
 
هذا هو حال الصين التي تحاول أن تجد لها مخرج للهروب من الخناق الذي تجد نفسها متواجدة فيه بسبب السياسات الأمريكية الخانقة للسعي الصيني للعب دورها القيادي والريادي الطبيعي في نطاقها الإقليمي. فكل ما تحاول الصين فعله للعب دورها الطبيعي في المنطقة تجد الولايات المتحدة تقف له بالمرصاد في نطاق سياسات احتوائية خانقة. فالولايات المتحدة تدرك جيداً بان الصعود الصيني آتيٍ لا محالة، وهذا الصعود من شأنه أن يؤثر على القيادة والريادة الأمريكية للعالم. وبالتالي فهي تحاول قدر الإمكان استخدام ما تملكه من أدوات لكبح جماح المسعى الصيني للصعود والنهوض بنفسها كلاعب قيادي إقليمي أولاً، ومن ثم كلاعب عالمي ثانياً. فكل ما تفعله الصين يقابل بريبةٍ وشك من الطرف الأمريكي، الأمر الذي يزيد من الخناق على الصين.  
 
هذا الخناق إذا ما استمر على ما هو عليه فإنه قد يأخذ الطرفين إلى ساحة المواجهة الصراعية المباشرة. فلدينا طرفين رئيسيين، طرف يريد لعب دوره الطبيعي الذي تفرضه عليه معطيات القوة الاقتصادية والعسكرية والبشرية والجغرافية، وطرف آخر لا يريد لأي طرف آخر أن ينافس قيادته وريادته للعالم. ففي هذه الحالة نحن أمام معادلة صراعية طبيعية، ولعل المعطيات التاريخية ترجح هذا الاتجاه، حيث أن الدرس التاريخي يذكر لنا بأن 75% من التنافس الذي حدث عبر التاريخ بين قوتين إحداهما صاعدة وأخرى مهيمنة انتهى به الحال إلى الدخول في حروب مباشرة بين الطرفين. وهذه نسبة مخيفة، لاسيما إذا ما تحدثنا عن حرب بين أكبر قوتين اقتصاديتين وعسكريتين في عالم اليوم. ما من شك أن الدمار سيكون هائل ومكلف للعالم بأسره.
 
لذلك فإن التعقل هو المطلب الرئيس في تعامل طرفي هذه المعادلة. فالولايات المتحدة لا يمكن لها أن تستمر في سياساتها الخانقة للصعود الصيني وتتوقع أن الطرف الصاعد سيتنازل لصالحها بسهولة. 
 
والصين عليها أن تُهدئ من روع الولايات المتحدة بتقديم التطمينات المهدئة للولايات المتحدة والتي يمكن أن تعكس مكانة الصين كدولة مسئولة في النظام الدولي لا تسعى إلى تغير قواعد اللعبة السياسية الإقليمية والعالمية. هذه المعادلة ضرورية للطرفين كي يتمكنا من العمل بشكل مشترك وبعيدٍ عن المنافسة الصراعية. كما على الولايات المتحدة أن تدرك بأنها أمام طرف يمتلك من الإمكانيات ما يخوله بان يكون شريكاً مع الولايات المتحدة في صياغة الترتيبات الإقليمية والعالمية، بحيث تكون الصين عنصراً فاعلاً في المنظومة العالمية وصاحبة مبادرات لتقديم مساهمات عالمية مسئولة في مجال مواجهة مشاكل العالم. أي ضرورة الاعتراف بالانتقال إلى عالم التعددية القطبية بدلاً من النظام الحالي الذي تصر من خلاله الولايات المتحدة على أنه أحادي القطبية وبقيادتها هي وحدها فقط. فلابد للولايات المتحدة أن تُعطي الصين درجة من الحرية في التنفس للعب دورها الطبيعي في منطقتها الإقليمية على أقل تقدير وفق قواعد جديدة متفق عليها للعبة السياسية بينهما. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره