مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-06-06

الطّموح الإيراني وانهيار الاتّفاق النّووي

على امتداد عدّة سنوات من الأخذ والرّد والمفأوضات العسيرة، استطاعت إيران أن تدبّر ملفها النّووي بقدر كبير من الحذر واليقظة، وظّفت خلاله الكثير من مقومات القوة الناعمة والخشنة بسبل لا تخلو من تحأيل، مستغلة في ذلك حالة الترهّل التي أصبح عليها النظام الإقليمي العربي بكل مكوناته، بعد خروج عدد من الدول كالعراق وسوريا.. من دائرة الحسابات الاستراتيجية بالمنطقة.. ودخولها في متاهات من الصراع والعنف والطائفية..
 
وهو ما هيأ الظروف لعقد الاتفاق النووي الذي أقامته إيران مع القوى الدولية الكبرى السّت (الصين، وروسيا، وأمريكا، وفرنسا، وألمانيا وبريطانيا) في شهر يوليو من العام 2015، ما خلّف ارتياحا كبيرا في أوساط النخب الحاكمة في إيران، التي اعتبرته منطلقا لتطوير علاقاتها مع محيطها الدولي بعد رفع العقوبات الأمريكية بموجبه، وقابلته الكثير من النخب الأمريكية بقدر من التّحفظ والارتياب، وتلقته الكثير من دول المنطقة بنوع من التخوف والحذر بسبب التحركات الإيرانية المريبة وسياساتها الملتبسة والمنحرفة تجاه محيطها الإقليمي..
 
منذ تولّيه السّلطة على رأس البيت الأبيض في أمريكا، ظلّ “ترامب” يقلّل من أهمية الاتفاق، بل اعتبر غير ما مرّة “أسوأ اتفاق عقدته الولايات على الإطلاق، ولم تجن منه شيئا”، قبل أن يوقّع في شهر مايو من العام 2018 على مرسوم يقضي بالانسحاب من الاتفاق من جانب واحد، وبإعادة فرض العقوبات التي رفعت عن إيران بموجبه، ما خلق حالة من الذهول والارتباك في الأوساط الإيرانية وداخل عدد من الدول الموقّعة عليه..
 
اعتبر الكثير من الباحثين والمراقبين أن القرار جاء ليكرّس التوجهات الأمريكية الجديدة التي اتخذت عددا من القرارات الصارمة، بصورة غير مألوفة، تعكس في جزء منها الرغبة في بناء علاقات “براغماتية” جديدة مع الدول الأوربية، كما أنه جاء نتاج تقييم للوضع بعد زهاء عامين من التطبيق، اقتنعت معه الولايات المتحدة بأن التحركات والسّلوكات الإيرانية في محيطها الدولي والإقليمي تنمّ عن توجهات تزعزع استقرار المنطقة، وتدعم الإرهاب، ولا توحي بانضباط لمقتضيات الاتفاق الذي يقضي بحصر الاستخدامات النووية في المجالات السلمية.. حيث اعتبر “ترامب” الاتفاق بكونه “ضعيفا” ولا يشير بوضوح لبرنامج الصواريخ البالستية، ولن يحول دون منع الانتشار النووي بالمنطقة، أو وقف الزّحف الإيراني المهدّد للاستقرار، ولمصالحها (الولايات المتحدة) في المنطقة..
 
فيما اعتبر آخرون، أن التوجه الأمريكي سيعمّق الشرخ بين هذه الأخيرة وحلفائها الغربيين الذين عبّروا عن التزامهم المسبق بمقتضيات الاتفاق من جهة، وبينها وبين الصين وروسيا من جهة أخرى.. أما السلطات الإيرانية، فاعتبرت الخطوة عملا غير مشروع يجسّد خرقا للاتفاقات الدولية، مبرزة انضباطها لهذا الاتفاق الجماعي الذي يتجأوز التوجه الأحادي لأمريكا..
 
وفي الوقت الذي دعا فيه الأمين العام الأممي الدول الأطراف إلى الالتزام بالاتفاق ومقتضياته، واعتبرت فيه مسؤولة السياسة الخارجية داخل الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغريني» أن الاتفاق يمثل «أفضل إنجاز دبلوماسي مع إيران»، عبّرت إسرائيل عن ترحيبها بهذا القرار معتبرة إياه يصبّ في الاتجاه الصحيح.. فيما لم تخف العديد من الدول العربية التي استاءت من الاستفزازات الإيرانية خلال العقود الأخيرة، ترحيبها بالقرار الأمريكي بعد سلسلة تحركات إيرانية ساهمت في «عسكرة» المنطقة وتعقيد الأوضاع في عدد من دولها..
 
يأتي القرار الأمريكي ضمن سلسلة توجّهات يقودها «ترامب» تترجم شعاراته ووعوده الانتخابية، رغم المقترحات الأوربية الداعية إلى تبنّي حلول مرنة بديلة متّصلة بإدخال تعديلات على الاتفاق، بمبرّر منع إيران من تحقيق إيران لطموحاتها النووية العسكرية..
 
تصرّ إيران على عدم مشروعية التوجّه الأمريكي الذي تعتبره امتدادا للاستهتار المعهود بمقتضيات القانون الدولي، وتهدّد بالعودة إلى «تخصيب اليورانيوم بصورة سريعة وغير مسبوقة في حال فشل المفأوضات..»، بينما طالبت الولايات المتحدة الشركات والبنوك إلى إنهاء معاملاتها مع إيران، وتوعّدت هذه الأخيرة باتخاذ عقوبات خطيرة في حال استئنافها لتخصيب اليورانيوم..
 
 وأمام الطموحات الإيرانية المقرونة بتوجهات معادية ومهدّدة لمصالح دول المنطقة العربية من جهة، والصرامة التي تطبع أداء السياسة الخارجية الأمريكية الحالية، من جهة أخرى، يبقى الملف مفتوحا على كل الخيارات حتى الصعبة منها، ما يفرض على القوى الدولية الكبرى.. بلورة جهود ومبادرات بنّاءة وأكثر صرامة تستحضر استقرار ومصالح المنطقة برمتها..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره