مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-05-04

القانون الدولي وسؤال الفاعليّة

مع توالي الأزمات الدولية خلال السنوات الأخيرة، تزايدت الأسئلة المثارة حول واقع ومستقبل القانون الدولي، ومما إذا كان قادرا على تأطير العلاقات الدولية بتشابكها وتسارع أحداثها المثيرة.

فالحرب الروسية في أوكرانيا التي شهدت خرق مبادئ القانون الدولي المتصلة بمنع استخدام القوة أو مجرد التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية، وتسوية المنازعات بشكل سلمي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لم تستطع الأم المتحدة باعتبارها المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين عبر العالم أن تصدر من خلال جهازها التنفيذي (مجلس الأمن) أي قرار يدين هذه العمليات أو يتيح إعادة الأمور إلى نصابها.

وضمن محطة أخرى، قامت إسرائيل بعمليات عدوانية خطيرة على قطاع غزة، ارتكبت خلالها مجازر وحشية وجرائم دولية متصلة بالتجويع والتهجير والإبادة الجماعية، بمبرر ممارسة حق الدفاع الشرعي، ضمن سلوكيات طرحت معها تساؤلات عبر العالم، حول جدوى المؤسسات الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، وبحماية حقوق الإنسان، وكذا الفائدة من وجود قانون دولي.

إن من بين الخصائص التي تميز القاعدة القانونية بشكل عام، كونها اجتماعية ومواكبة لتطورات المجتمع، وباستحضار الممارسات الدولية المشار إليها سابقا، يبدو أن القانون الدولي أضحى بمقتضياته ومبادئه التي صيغت في فترات تاريخية ودولية مختلفة عن الواقع الدولي الراهن؛ متجاوزا، بل ومتخلفا وغير قادر في جزء كبير منه على مواجهة التحديات والمخاطر الدولية بشكل صارم وفعّال.

فعلاوة على التكييفات المنحرفة التي تطال بنوده الغامضة من قبل القوى الدولية الكبرى، أصبحت مقتضياته الجامدة عاجزة عن مواكبة التحولات الدولية المتسارعة في عالم متشابك، تهدده الكثير من المخاطر العابرة للحدود.

 إن تطبيقات القانون الدّولي في الوقت الراهن أصبحت تتسم بالطابع الانتقائي والذي غالبا ما يخضع لموازين القوى، وهو ما تؤكده تحركات مجلس الأمن في كثير من المناسبات. ففي الوقت الذي يتم اعتماد الصرامة في التعامل مع دول ضعيفة بتطبيق مقتضيات القانون الدولي وما يتصل بها من عقوبات اقتصادية وسياسية، وتدابير عسكرية رادعة أحيانا، نجد تساهلا واضحا مع الخروقات التي ترتكبها الدول الكبرى؛ ضمن ما يعرف بسياسة الكيل بمكيالين.

فهناك حالات كثيرة تم خلالها تكييف مقتضيات المادة 39 من الميثاق بشكل غير موضوعي، بعدم تجريم سلوكات دولية خطيرة تمثّل في حقيقة الأمر عدوانا أو تهديدا أو خرقا للسلم والأمن الدوليين، في مقابل الاعتداء على دول أو فرض عقوبات جائرة عليها بذرائع واهية باسم الشرعية الدولية. وهو ما يدفع إلى الإقرار بأن القانون الدولي أضحى في جزء كبير من بنوده يمثل آلية لخدمة مصالح القوى الدولية المسيطرة والمتحكّمة في العلاقات الدولية.

وعلى مستوى آخر، تزايدت نسب التدابير التي تعتمدها الدول بشكل انفرادي في إطار فرض عقوبات على دول أخرى بذرائع متصلة بمكافحة «الإرهاب» الدولي، أو الحد من أسلحة الدمار الشامل..، أو حتى القيام بتدخلات عسكرية بمبرر ممارسة حق الدفاع الشرعي (المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة).

إن ما يساهم أيضا في الخروقات التي تطال القانون الدولي، هو التناقض القائم بين الكثير من مقتضياته في عدد من المجالات، نذكر من ضمنها المفارقة بين منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومتطلبات حماية حقوق الإنسان، وكذا حظر استخدام القوة في العلاقات بين الدول؛ في مقابل ممارسة حق الدفاع الشرعي. ثم حق تقرير المصير في مقابل الوحدة الوطنية للدول، بالإضافة إلى مقتضيات القانون الدولي الإنساني وتصادمه أحيانا مع الأمن القومي للدول، وكذا حماية البيئة ومتطلبات التنمية..

لا يمكن إنكار المكتسبات التي حققها القانون الدولي على مستوى تأطير وتشبيك العلاقات الدولية في عدد من المجالات كالتجارة والطيران المدني والتنمية والتنظيم الدولي وحقوق الإنسان، غير أن استمرار العديد الدول الكبرى في خرق هذا القانون أو المبالغة في تكييفه بالصّيغة التي تخدم مصالحها، كلّها عوامل تؤثّر بالسلب على مكانة ومصداقية مقتضياته في عالم متغير.

هناك مفارقة صارخة في الوقت الراهن بين واقع عالمي متشابك ومتسارع من جهة؛ وقانون دولي جامد أو بطيء التطور من جهة أخرى، ويظل السبيل الأساسي للحد من هذا التباين، الذي تتمخض عنه الكثير من الخروقات، هو تطوير مقتضياته بصورة تستحضر مصالح المجتمع الدولي برمته.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-05-30 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره