مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-12-03

القـانـون الدولي على مشارف الانهيار

يحيل القانون الدولي العام إلى تلك القواعد التي تحكم العلاقات القائمة بين الفاعلين الدوليين خلال فترة السلم، من حيث الانخراط في دينامية العلاقات، وعقد الاتفاقيات الدولية وتبادل التمثيل الدبلوماسي، وهو ينظم علاقات الدول مع المنظمات الدولية، كما أنه ينظم سير النزاعات العسكرية والحروب في حالة نشوبها حتى لا تكون تداعياتها أكثر سوءا. وقواعده هي تجسيد للواقع الدولي ولطبيعة العلاقات التي تحكمه فعليا، فبمقتضياته تحدّد حقوق وواجبات الفاعلين الدوليين، بما يسمح بتنظيم وتأطير سلوكاتهم، ويحفظ السلم والأمن الدوليين وبتحقيق الاستقرار والتعاون في العلاقات الدولية.
 
تباينت مواقف الفقهاء الواردة بشأن إلزامية هذا القانون، بين من شكّك في ذلك، واعتبر قواعده مجرد مجاملات وأخلاق، لا ينتج عن خرقها أية مسؤولية قانونية، لغياب الجزاء الذي يفترض أن يطال المخالف لمقتضياتها، وعدم وجود سلطات دولية مستقلة قادرة على فرض احترامه، وبين من رأى بإلزاميته، بالنظر إلى إسهاماته في تحقيق السلم العالمي، ووجود عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تؤطر عددا من المجالات، إضافة إلى حضور مؤسسات دولية تحظى قراراتها وتدابيرها المختلفة بنوع من الإلزام؛ في مواجهة أشخاص القانون الدولي.
 
وعلاوة على ذلك، تثار الكثير من الإشكالات بصدد صفتي العمومية والتجريد في هذا القانون، ذلك أن قرارات مجلس الأمن باعتباره المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، تبرز الطابع الانتقائي؛ فيما يتعلق بتحريك مقتضيات المادة 39 من الميثاق الأممي، حيث مثّل التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا امتحانا حقيقيا، كشف عجزا رهيبا في أداء المجلس الذي يبدو أنه يتعامل مع النزاعات والخروقات الدولية بمنطقين مختلفين، فعلى عكس الدول الضعيفة التي غالبا ما يتحرك بصرامة لمواجهة الاعتداءات والخروقات التي تتورط فيها، فإن الأمر يختلف تماما؛ عندما يتعلق الأمر بسلوكات مماثلة؛ ترتكبها دول عظمى، وهذا أمر طبيعي إذا استحضرنا موازين اتخاذ القرار داخل المجلس، والامتيازات التي تستأثر بها دول بعينها على مستوى امتلاك العضوية الدائمة و حق الفيتو، مقارنة بباقي الدول الأعضاء داخل الهيئة.
 
ويشكل استخدام هذا الحقّ (الفيتو) داخل المجلس تجسيدا عمليا لمنطق قانون القوة، الذي يتيح للقوى الدولية الكبرى حماية مصالحها، والتحكم في توجهات الهيئة الأممية، ومصادرة مهامها المتصلة بتطبيق قواعد القانون الدولي. فيما أضحى الحق في الدفاع الشرعي الذي تكفله المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ذريعة للاعتداء على الشعوب، ولارتكاب الجرائم الدولية الخطيرة، وهو ما تعكسه الممارسات الإسرائيلية المستمرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
 
تبرز الكثير من الوقائع والمحطات الدولية، أن مبادئ القانون الدولي أصبحت مجرد شعارات، بل حبرا على ورق، بسبب الخروقات التي تتعرض لها من قبل عدد من الدول الكبرى، فباسم حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، قام مجلس الأمن وعدد من الدول بتدخلات زجرية في سيادة دول بعينها؛ ضدا على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل وغيرها من الدول أصبحت لا تتورع في استخدام القوة العسكرية ضد دول أخرى بمبررات مختلفة، دون أي رد فعل من قبل مجلس الأمن.
 
راكم “المجتمع الدولي” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مجموعة من التدابير كسبيل لوقف نزيف الحروب والصراعات التي كلّفت الإنسانية دمارا كبيرا على كافة المستويات، مع تأسيس منظمة الأمم المتحدة وإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما تم عقد مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات في مختلف المجالات، وتزايدت أدوار المنظمات الدولية، علاوة على إحداث المحكمة الجنائية الدولية، لكن تزايد الانحرافات والخروقات التي تطال مبادئ القانون الدولي ضمن الممارسات الدولية، من حيث تكريس الفوضى، وتهميش الآليات الدولية لتسوية المنازعات والأزمات، وبروز مفاهيم “قانون القوة” في مقابل قوة القانون، و”الكيل بمكيالين” في مقابل المساواة في السيادة، كلها مؤشرات تحيل إلى أن القانون الدولي يمر بانتكاسة خطيرة تهدد بانهياره.
 
ومن هذا المنطق؛ أصبحت هناك حاجة ماسة إلى ضبط تناقضات هذا القانون الدولي والانحرافات التي تطبع تطبيقاته، من خلال تطوير قواعده تبعا لتطور الواقع الدولي، وكذلك الأمر بالنسبة للآليات المتصلة بتطبيقاته أيضا، مع تجاوز الفراغ والغموض الذي يطبع الكثير من مقتضياته.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره