استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات متسارعة ليس إلا دليل واضح على أن المنطقة تدخل في تحولات جذرية سيكون لها تداعيات كبيرة على مجريات التفاعلات في المنطقة بأسرها. وعلى الرغم من أن الأمور ما زالت في بداياتها، إلا أن المتابع يستطيع أن يلحظ مجموعة من التطورات ذات علاقة بتشكل تحولات استراتيجية محورية في منطقة الشرق الأوسط، ولعلنا نذكر أهمها في السطور التالية.
أول هذه التحولات مرتبط بعودة الإسلام السياسي من جديد إلى الواجهة السياسية في المنطقة، مع سيطرة هيئة تحرير الشام - ذو التوجه الديني والخلفية القاعدية والمصنفة من الكثيرين كتنظيم إرهابي – على إدارة شؤون البلاد في سوريا، مع هروب الرئيس السوري بشار الأسد إلى الخارج وسقوط نظام الأسد الذي حكم مقاليد البلاد لأكثر من خمسين عام.
هذا التحول مهم واستراتيجي، لأنه سيبث روحاً جديدةً لدى التيارات الإسلامية في المنطقة، والتي كانت تعيش فترة من التراجع بعد فشل تجربتها في العديد من البلدان العربية مع ما سمي بثورات الربيع العربي. كل الأنظار تتجه إلى ما يحدث في سوريا، وبالأخص أنظار التيارات الإسلامية المنتشرة في عالمنا العربي، التي من الممكن أن يعطيها سيطرة الإسلاميون على الحكم دفعة معنوية قوية لتنظيم صفوفها من جديد. آمال الكثيرون هي نحو مجتمع أكثر اتزاناً واستقراراً في سوريا، إلا أن الخبرة التاريخية للتيارات السياسية الإسلامية لا توحي بقدرة مثل هذه التيارات على تحقيق مثل هذا الأمر. فالواقع هو أن المنتصر سيفرض أجندته على الآخرين، شاء الآخرون أم لم يشاءون. كلنا يأمل لسوريا الخير، ولا أحد يريد أن تسقط سوريا في متاهات دكتاتوريات جديدة بعباءة أخرى. الأوضاع بالطبع ليست سهلة على الإطلاق، والتحديات جسيمة، إلا أن المؤكد أن ما يحدث في سوريا هو انتصار لتيار الإسلام السياسي ومشروعه للوصول إلى سدة الحكم. فعلينا ربط الأحزمة، وانتظار القادم، علنا نجد فيه شي من العقلانية والحكمة!
ثاني التحولات مرتبط بالتراجع المفاجئ والمدوي للقوة والهيمنة الإيرانية وقدراتها على إدارة وسيطرة التفاعلات في عاصمتين عربيتين، لطالما تفاخرت طهران ومعها داعميها بسيطرتها عليها، وهي بيروت ودمشق. فقوة إيران وذراعها المسيطر في لبنان تراجع بشكل كبير مع تراجع قوة حزب الله بعد الأعمال العسكرية الهجومية المدمرة التي قامت بها إسرائيل لتحجيم قوة الحزب العسكرية والاقتصادية والسياسية. فلا يبدو أن تأثير إيران في لبنان اليوم هو ذاته التأثير لما قبل الهجوم الإسرائيلي على بنية الحزب التحتية المدنية والعسكرية والاقتصادية. وهذا الأمر ينطبق كذلك على حماس وقدرة إيران في دعم الحركة في قطاع غزة. واليوم نشهد تراجعاً مخزي ومذل على ما يبدو لقدرة إيران على التدخل في الشأن السوري بعد سقوط نظام الأسد الموالي لإيران، ومجيء الإسلاميين السنة الذي لا يكنون أي احترام لإيران وما كانت تفعله في سوريا وما تقدمه من دعم للإجراءات التي كان يمارسها النظام السوري ضد شعبه. لذلك فإن إيران اليوم ستصبح أقل قوة وقدرة على الحضور والتأثير في التفاعلات الإقليمية العربية عما كانت عليه في السابق، مما يعطي بعض الدول العربية القدرة على التنفس بعيداً عن التدخلات الإيرانية. وهذا التراجع الإيراني المفاجئ يثير العديد من التكهنات حول مستقبل الدور الإيراني، فهل هو تراجع استراتيجي أم تراجع تكتيكي؟! علينا أن ننتظر، ونشاهد، ونحلل الأمور بشكل أعمق حتى يتسنى لنا معرفة ذلك.
ثالث التحولات الاستراتيجية هو التراجع الروسي الواضح عن الدفاع عن نظام بشار الأسد، مما يفتح المجال أمام فرص اعتبار أن موسكو أصبحت أكثر برجماتية في التعامل مع الدفاع عن مصالحها في المنطقة بعيداً عن الثورية والمواجهة. فعدم مواجهة موسكو لتقدم المعارضة السورية المسلحة نحو دمشق يعطي انطباعاً بأن روسيا لديها أجندتها الخاصة التي يمكن من خلالها أن تتخلى عن حلفائها لصالحها. ومهما كان الأمر إلا أننا أمام حقيقة أن روسيا ليست كما كانت، وأنها لربما غير قادرة على الدخول في حربين في منطقتين مختلفتين في ذات الوقت مع انشغالها في حرب أوكرانيا. وهذا يعتبر مكسب أمريكي في منطقة الشرق الأوسط، ومثار تساؤلات حول قوة وقدرة روسيا في المنطقة. ورابع التحولات التي تحوم في الأُفق هو عودة تركيا من جديد كلاعب مؤثر في مجريات الأحداث وتطوراتها في منطقة الشرق الأوسط. فلتركيا علاقات وثيقة مع هيئة تحرير الشام المنتصرة في المعركة في سوريا، فلطالما كانت هي الداعم الرئيسي لها.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات