مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-05-01

جنود الإمارات.. ومساجد أفغانستان!

أذكر أنني حين قابلت أحد الأصدقاء الذين عملوا ضمن أفراد قواتنا المسلحة في عملية تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان، وكان ذلك قبل خمس سنوات تقريباً؛ وجهت إليه سؤالاً عن طبيعة جهود القوة الإماراتية هناك. وكما أذكر، فإن إجابته كانت تدور حول القيام بأعمال تحاول إبعاد فقراء الشعب الأفغاني عن استغلالهم في العمليات الإرهابية، وذلك من خلال حفر آبار مياه تساعد الناس على الزراعة- باعتبارها المهنة الأساسية للشعب الأفغاني وغير ذلك من الأنشطة الخدمية. ومن الأشياء التي أسهب فيها صديقي كثيراً، بناء المساجد والاهتمام بها، كان الأمر لافتاً للنظر بالنسبة لي في البداية، على اعتبار أن الأمر يبدو دعماً لحركة "طالبان"، وذكر أيضاً أنهم يحاولون إعطاء المسجد دوراً أكبر من مجرد إقامة الصلاة فيه. والسبب كما ذكر صديقي يعود إلى مكانة المسجد لدى أفراد المجتمع الأفغاني، المتدين بطبعه، والذي يدين شعبه بنسبة كبيرة بالدين الإسلامي.
 
عندما أقرأ الأخبار الواردة في وسائل الإعلام العالمية هذه الأيام عن أن مساجد أفغانستان كانت مراكز الاقتراع لاختيار الرئيس الأفغاني القادم، وأن المراقبين فوجئوا بأن الناس خرجوا للتصويت في الانتخابات ليهزموا حركة "طالبان"، أتذكر الحديث الذي دار بيني وبين صديقي، وأدرك المعنى الحقيقي لدور المسجد، خاصة أن بعض المحللين العالميين كانوا يرون أن القضاء على الإرهاب يتم من خلال تقييد دور المساجد وليس تنظيمه كما فعلت القوات الإماراتية.
 
إن عودة المساجد إلى الاضطلاع بدورها الصحيح وهزيمة التطرف تُسعد الجنود الإماراتيين، خاصة الذين شاركوا في عملية إعادة إعمار أفغانستان؛ لأنهم نجحوا فيما يعتقدون أنه الصواب، وما عملوا من أجله. وربما تزداد مشاعر السعادة تلك عندما يترتب على هذه الانتخابات استقرار أفغانستان؛ لأن حصول ذلك دليل على الوصول إلى الهدف الذي كانت تسعى إليه القوات الإماراتية، باعتبار أن استقرار أفغانستان وكذلك باكستان - حيث منبع الإرهاب العالمي - مسألة مهمة للإمارات وللعالم، وأن أي استقرار في العالم يُعدُّ جزءاً من الهدف النهائي لدولة الإمارات التي تشارك في عمليات السلام الدولية، حتى باتت اليوم مرجعاً في استقرار المنطقة.
 
المسجد، قبل أن يُختطف من الذين يستغلون الدين لأهداف سياسية (كما وضح لنا خلال الفترة الماضية خاصة خلال الربيع العربي حين رأينا "تيارات سياسية" ولم نر الإسلام)، كانت عبارة عن مدرسة للقيم والأخلاق الكريمة، بل كثيراً ما كان المسجد "نادياً اجتماعياً" يتواصل أفراد المجتمع من خلاله ويتابع بعضهم أخبار بعض. كذلك كان المسجد "منتدى ثقافياً" تُناقش فيه القضايا الفكرية بوسطية واعتدال، ويعاد توجيه أفراد المجتمع وتبصيرهم بالحق والصواب. 
 
كذلك مارس المسجد دوراً "قضائياً" في إصلاح سلوكيات أفراد المجتمع وتوجيهها، وكان إمام المسجد مربياً حقيقياً. مثل هذه الأفكار أعتقد أنها كانت موجودة في ذهن أفراد القوات المسلحة الإماراتية حين كانوا يهتمون بالمساجد في أفغانستان. وربما يكون ما أفرزته الانتخابات الرئاسية من تحول المساجد إلى مقار للاقتراع، وكذلك إصرار الأفغان على المشاركة، دليلاً على تحقيق جزء من الرؤية الإماراتية.
 
لقد تابع الرأي العام العالمي سير الانتخابات الأفغانية بكل مراحلها، وأشار إلى مفاجآتها المحتملة، ولكنني أعتقد أن متابعة الجنود الإماراتيين مختلفة، ليس فقط من حيث مغادرة حامد كرزاي كرسي الرئاسة سلمياً على غير عادة هذه الدولة منذ منتصف السبعينيات، وإنما من منطلق أن مغادرتهم أرض أفغانستان تمت بنجاحات تتعدى الصور التذكارية إلى مشروعات وطنية للشعب الأفغاني، وهو ما فعلته القوات المسلحة الإماراتية في كوسوفو قبل ذلك.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره