مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-07-11

حول فاعلية الهجوم الأوكراني المضاد

رغم الحديث المتكرر منذ شهور أعلن مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولاك مؤخراً، أن الهجوم المضاد لتحرير الأراضي التي سيطرت عليها روسيا أصبح قريباً، وهو ما يثير التساؤلات حول جدوى وفاعلية هذا الهجوم الذى طال انتظاره في تحقيق أهدافه.
والواقع أن أوكرانيا تعتمد بشكل كبير في استراتيجيتها لشن هذه المعركة الكبرى على الدعم العسكري الغربي لها بالأسلحة الحديثة، والذى برز في الاعتماد على القوات البرية للتقدم واستعادة الأراضي في تلك المناطق، من خلال تحالف الدبابات الغربية الحديثة، والذى يشمل دبابات لويبارد الألمانية وتشالينجر البريطانية وأبرامز الأمريكية.
 كذلك الاعتماد على الهجوم الجوي من خلال تحالف الطائرات الغربية الحديثة، وعلى رأسها طائرات F16 الأمريكية، وفى ذات الوقت تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاع جوى لصد الهجمات الروسية خاصة الطائرات المسيرة وأنظمة صواريخ باتريوت، كذلك تزويدها بالصواريخ الهجومية مثل هيمارس الأمريكية وستورم شادو البريطانية، وهو ما شكل نقلة نوعية في تسليح أوكرانيا باتجاه التوسع في الأسلحة الهجومية. لكن رغم امتلاك أوكرانيا قدرات عسكرية غربية متطورة إلا أن هناك تحديات وعقبات كبيرة تواجه الهجوم المضاد وتقلل من فاعليته في تحقيق أهدافه، خاصة استعادة كامل الأراضي التي سيطرت عليها روسيا والقوات الحليفة لها.
 
وأول هذه التحديات هو آلاف التحصينات العسكرية التي أقامتها القوات الروسية وشملت خنادق وحواجز مركبات على امتداد أكثر من 1500 كيلو خاصة في المناطق الحدودية الروسية وفى جنوب وشرق أوكرانيا، وهو ما يمثل عقبة كبيرة أمام تقدم القوات البرية الأوكرانية، كما أنها تحتاج إلى أعداد كبيرة من الدبابات والجنود، في حين يعانى الجيش الأوكراني إنهاكاً شديداً في ظل الخسائر البشرية التي تكبدها خلال الفترة الماضية، كما أن هذه الدبابات الغربية الحديثة هي قليلة العدد ورمزية وتحتاج لوقت طويل لتدريب الجنود الأوكرانيين عليها. وثاني هذه التحديات هو الاستعداد الروسي الكبير لذلك الهجوم المضاد، ليس فقط من خلال التحصينات، وإنما أيضا حشد المزيد من الأسلحة الحديثة ومنها الصواريخ الأسرع من الصوت، وتكثيف الهجوم العسكري وتوسيع نطاقه ليشمل العاصمة كييف والمدن الحيوية الأخرى واستهداف البنى التحتية، وبالتالي التعامل مع الأسلحة الغربية الحديثة وتأكيد أنها ستكون أهدافاً مشروعة للقوات الروسية.
 
الدعم العسكري الغربي بالأسلحة الحديثة لن يستطيع قلب موازين القوى العسكرية لمصلحة أوكرانيا وهزيمة روسيا في ظل القدرات العسكرية الروسية الهائلة، وإنما هو محاولة لحلحلة حالة الجمود المسيطرة منذ شهور ودعم صمود ومقاومة القوات الأوكرانية أمام القوات الروسية، وإطالة أمد المعارك فقط. كذلك الاستمرار في استراتيجية استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً وبشرياً ووقف تقدمها ومنعها من تحقيق أهدافها في استكمال السيطرة الكاملة على الأقاليم الأربعة، خاصة في خيرسون التي انسحبت من جزء منها، وكذلك زابوريجيا ودونيتسك والتي لا تزال القوات الأوكرانية تسيطر على أجزاء منها.
 
كما أن سلاح المسيرات الأوكراني، رغم توسيعه للمعارك ونقل بعضها إلى داخل روسيا كما حدث في الهجوم على الكرملين واستهداف قواعد عسكرية في شبه جزيرة القرم، وفى ميناء ستيفاستيبول، إلا أنه لن يستطيع حسم المعارك البرية. وبالتالي من الصعب على أوكرانيا تحرير كامل الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، في ظل الخلل في موازين القوى العسكرية لمصلحة روسيا، والتي لن تفرط في تلك الأقاليم التي اعتبرتها جزءاً من أراضيها وضمتها بشكل رسمي وكلفتها كثيراً اقتصادياً وبشرياً وعسكرياً، وانسحابها منها يعنى فشل العملية العسكرية الروسية وهو ما سيكون لها تداعيات سلبية كبيرة سواء على مكانة روسيا في النظام الدولي أو على المستوى الداخلي.
 
الهجوم الأوكراني المضاد يعنى أن الغرب لا يزال يراهن على الحل العسكري لهزيمة أو إفشال روسيا في تحقيق أهدافها، ويعني تراجع فرص الحل السياسي في ظل رفض أمريكا والغرب المبادرات المختلفة للتسوية، وعلى رأسها المبادرة الصينية، ومن ثم الاستمرار في دفع أوكرانيا نحو المواجهة العسكرية، وهو ما سيعني استمرار الحرب، واستمرار خسائرها البشرية والعسكرية والاقتصادية على روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى التداعيات السلبية الاقتصادية على دول العالم المختلفة. وفى المقابل هذا الدعم العسكري الغربي والهجوم المضاد سيصعب من مهمة القوات الروسية في تحقيق أهدافه. وبالتالي لا خيار أمام روسيا وأوكرانيا سوى الحل السياسي عبر الحوار والمفاوضات كسبيل وحيد للتوصل إلى صيغة توافقية تنهي هذه الحرب المدمرة لكلا الجانبين وللعالم.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره