مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-04-03

خصخصة‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مرتبك

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الترويج‭ ‬للقوة‭ ‬الناعمة؛‭ ‬كأسلوب‭ ‬جاذب‭ ‬وناجع‭ ‬لكسب‭ ‬مختلف‭ ‬المعارك‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬بأقل‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬وتكلفة‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية،‭ ‬عادت‭ ‬القوة‭ ‬الخشنة‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬كآلية‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬والأهداف‭.‬
 
 
ونظرا‭ ‬لتكلفة‭ ‬الحروب‭ ‬النظامية‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬البشرية‭ ‬والمالية‭ ‬والتقنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وكذا‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الجنائية‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬تورّط‭ ‬الجيوش‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬خطرة‭ ‬خلال‭ ‬المعارك،‭ ‬وتأثيرات‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا،‭ ‬تزايد‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬خدمات‭ ‬المرتزقة‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬شركات‭ ‬أمنية‭ ‬وعسكرية‭ ‬خاصة‭.‬
 
إن‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المرتزقة‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الحروب،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬مظاهره‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬بعيد،‭ ‬حيث‭ ‬وظفتهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬والحضارات‭ ‬كاليونان‭ ‬والرومان‭.. ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬كسب‭ ‬معاركها‭ ‬وتوسيع‭ ‬إمبراطورياتها‭.‬
 
 
وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الأمنية‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك؛‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬المرتزق‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬بوب‭ ‬دينار‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الانقلابات‭ ‬بإفريقيا‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتأسس‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬تطورات‭ ‬العولمة،‭ ‬وتنامي‭ ‬النزاعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬الدامية‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬خدمات‭ ‬أمنية‭ ‬وعسكرية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬ل" فاغنر‮" ‬‭ ‬(تأسست‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬بروسيا‭‬ ،‭ ‬و‮"‬إيجيس‮" ‬‭ ‬لخدمات‭ ‬الدفاع‭ (‬تأسست‭ ‬سنة‭ ‬2002 ‭ ‬بسكوتلندا‭‬‭( ‬ ،و" بلاك‭ ‬ووتر" ‬‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬أكاديمي‮»(‬‭ ‬تأسست‭ ‬سنة‭ ‬1997‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية)‭.. ‬
 
 
لم‭ ‬يثر‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬إشكالات‭ ‬كبيرة،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬ينصبّ‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬حماية‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬الحيوية‭ ‬من‭ ‬مناجم‭ ‬وبنايات‭ ‬ومؤسسات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬اقتحامها‭ ‬لمهام‭ ‬عسكرية‭ ‬تعدّ‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬اختصاصات‭ ‬الدول‭ ‬باعتبارها‭ ‬المحتكر‭ ‬لسلطة‭ ‬الاستخدام‭ ‬المشروع‭ ‬للقوة،‭ ‬أصبح‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالات‭ ‬قانونية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬وإنسانية‭ ‬كبيرة،‭ ‬بعدما‭ ‬أضحت‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬تضع‭ ‬رهن‭ ‬إشارة‭ ‬الدول‭ ‬قوات‭ ‬عسكرية‭ ‬خاصة،‭ ‬لتوظيفها‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية،‭ ‬ومختلف‭ ‬النزاعات‭ ‬الداخلية‭ ‬الدامية‭ ‬حول‭ ‬السلطة،‭ ‬وفي‭ ‬صد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والثورات‭.‬
 
 
فقد‭ ‬وظّفت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الثانية‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬استخدمتها‭ ‬أيضا‭ ‬خلال‭ ‬تدخلها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬سنة‭ ‬2001،‭ ‬بينما‭ ‬وظفتها‭ ‬روسيا‭ ‬خلال‭ ‬حربها‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وفي‭ ‬تعزيز‭ ‬تواجدها‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭.‬
 
 
ينطوي‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الانعكاسات‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬هيبة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬خدماتها،‭ ‬وعلى‭ ‬تطوير‭ ‬قواتها‭ ‬العسكرية‭ ‬النظامية،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تجرّأت‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬سيادتها‭ ‬ومصالحها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬تجربة‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬فاغنر‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬كما‭ ‬أدّى‭ ‬تدخل‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬خلال‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬القذافي‭ ‬إلى‭ ‬تعقّد‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬داخل‭ ‬هذين‭ ‬البلدين‭.‬
 
 
إن‭ ‬انخراط‭ ‬المرتزقة‭ ‬والشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬المختلفة،‭ ‬لا‭ ‬تحركه‭ ‬عقيدة‭ ‬عسكرية،‭ ‬أو‭ ‬أهداف‭ ‬متصلة‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬عادلة‭ ‬ومصالح‭ ‬وطنية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬هاجس‭ ‬تحقيق‭ ‬الربح‭ ‬المالي،‭ ‬بعدما‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬تجنيد‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬للسجناء‭.‬
 
 
فالمرتزق‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬مقاتلا‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬وهو‭ ‬بدوره‭)‬المرتزق) ‬ لا‭ ‬يعير‭ ‬عادة‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬لمقتضيات‭ ‬هذا‭ ‬الأخير،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬ولاؤه‭ ‬لرب‭ ‬العمل‭ ‬أي‭ ‬الشركة،‭ ‬وليس‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬يشتغل‭ ‬لحسابها‭. ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬الشعور‭ ‬بأية‭ ‬مسؤولية‭ ‬قانونية،‭ ‬والافتقار‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬عسكري‭ ‬يعزز‭ ‬كفاءة‭ ‬هذه‭ ‬القوات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬الأموال،‭ ‬فإنها‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬سلوكيات‭ ‬لا‭ ‬تميّز‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬المدنيين‭ ‬والعسكريين،‭ ‬حيث‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬اقتراف‭ ‬انتهاكات‭ ‬جسيمة،‭ ‬وفي‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬بصورة‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭.‬
 
 
إن‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالقوات‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬الشركات‭ ‬الأمنية‭ ‬الخاصة‭ ‬دون‭ ‬ضوابط‭ ‬صارمة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬للأمن‭ ‬والسلم‭ ‬في‭ ‬بعديهما‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي،‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يكرسه‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬من‭ ‬استهتار‭ ‬بالقوانين‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الدوليين،‭ ‬وإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬
 
 
ووعيا‭ ‬بالإشكالات‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬انخراط‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬اعتمدت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بتاريخ‮ ‬4‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضة‭ ‬تجنيد‭ ‬المرتزقة‭ ‬واستخدامهم‭ ‬وتمويلهم‭ ‬وتدريبهم،‭ ‬والتي‭ ‬دخلت‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2001‭.‬
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره