2024-04-03
خصخصة الحروب في عالم مرتبك
بعد سنوات من الترويج للقوة الناعمة؛ كأسلوب جاذب وناجع لكسب مختلف المعارك الاستراتيجية، بأقل خسائر بشرية وتكلفة مادية ومعنوية، عادت القوة الخشنة إلى الواجهة الدولية من جديد كآلية لتحقيق المصالح والأهداف.
ونظرا لتكلفة الحروب النظامية من النواحي البشرية والمالية والتقنية والسياسية، وكذا المسؤوليات الجنائية التي يطرحها تورّط الجيوش في ارتكاب جرائم خطرة خلال المعارك، وتأثيرات ذلك على الرأي العام وطنيا ودوليا، تزايد الاعتماد على خدمات المرتزقة التي توفرها شركات أمنية وعسكرية خاصة.
إن اللجوء إلى المرتزقة ليس بالأمر الجديد في حقل الحروب، بل تمتد مظاهره إلى تاريخ بعيد، حيث وظفتهم الكثير من الأمم والحضارات كاليونان والرومان.. في سبيل كسب معاركها وتوسيع إمبراطورياتها.
وقد ظهرت العديد من الشركات الأمنية منذ منتصف القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبعد ذلك؛ برز في فترة الستينيات من القرن المنصرم المرتزق الفرنسي «بوب دينار» الذي شارك في عدد من الانقلابات بإفريقيا على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، قبل أن تتأسس خلال السنوات الأخيرة وفي سياق تطورات العولمة، وتنامي النزاعات الإقليمية، والصراعات الداخلية الدامية على السلطة، مجموعة من الشركات التي توفر خدمات أمنية وعسكرية عابرة للحدود، كما هو الشأن بالنسبة ل" فاغنر" (تأسست سنة 2014 بروسيا ، و"إيجيس" لخدمات الدفاع (تأسست سنة 2002 بسكوتلندا( ،و" بلاك ووتر" التي غيرت اسمها إلى شركة «أكاديمي»( تأسست سنة 1997 بالولايات المتحدة الأمريكية)..
لم يثر عمل هذه الشركات إشكالات كبيرة، عندما كان ينصبّ على تأمين حماية بعض الشخصيات، أو بعض المواقع الحيوية من مناجم وبنايات ومؤسسات، غير أن اقتحامها لمهام عسكرية تعدّ من صميم اختصاصات الدول باعتبارها المحتكر لسلطة الاستخدام المشروع للقوة، أصبح يطرح إشكالات قانونية وأخلاقية وإنسانية كبيرة، بعدما أضحت هذه الشركات تضع رهن إشارة الدول قوات عسكرية خاصة، لتوظيفها في المعارك العسكرية، ومختلف النزاعات الداخلية الدامية حول السلطة، وفي صد الاحتجاجات والثورات.
فقد وظّفت الولايات المتحدة الأمريكية هذه القوات خلال حرب الخليج الثانية ضد العراق في بداية تسعينيات القرن الماضي، كما استخدمتها أيضا خلال تدخلها العسكري في أفغانستان سنة 2001، بينما وظفتها روسيا خلال حربها الجارية في أوكرانيا، وفي تعزيز تواجدها داخل القارة الإفريقية.
ينطوي عمل هذه القوات على الكثير من الانعكاسات التي تؤثر سلبا على هيبة الدول التي تلجأ إلى خدماتها، وعلى تطوير قواتها العسكرية النظامية، بل كثيرا ما تجرّأت هذه الشركات في التطاول على سيادتها ومصالحها، وهو ما تؤكده تجربة روسيا مع قوات «فاغنر» خلال الحرب على أوكرانيا، كما أدّى تدخل هذه القوات خلال العمليات العسكرية في أفغانستان، وفي ليبيا بعد سقوط القذافي إلى تعقّد الوضع الأمني داخل هذين البلدين.
إن انخراط المرتزقة والشركات الخاصة في الحروب والنزاعات المختلفة، لا تحركه عقيدة عسكرية، أو أهداف متصلة بالدفاع عن قضايا عادلة ومصالح وطنية، بقدر ما يتحكم فيه هاجس تحقيق الربح المالي، بعدما وصل الأمر إلى حدّ تجنيد بعض هذه الشركات للسجناء.
فالمرتزق لا يعتبر مقاتلا بموجب القانون الدولي الإنساني، وهو بدوره)المرتزق) لا يعير عادة أي اهتمام لمقتضيات هذا الأخير، حيث يكون ولاؤه لرب العمل أي الشركة، وليس للدولة التي يشتغل لحسابها. وفي غياب الشعور بأية مسؤولية قانونية، والافتقار إلى تكوين عسكري يعزز كفاءة هذه القوات، بالإضافة إلى حرصها على كسب الأموال، فإنها كثيرا ما تقدم على ممارسة سلوكيات لا تميّز فيها بين المدنيين والعسكريين، حيث تسببت في اقتراف انتهاكات جسيمة، وفي ارتكاب جرائم خطيرة على امتداد مناطق مختلفة من العالم، بصورة تتنافى مع مقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
إن الاستعانة بالقوات التي تتيحها الشركات الأمنية الخاصة دون ضوابط صارمة، يمكن أن يتحوّل إلى تهديد للأمن والسلم في بعديهما الوطني والدولي، لما قد يكرسه هذا الخيار من استهتار بالقوانين والمعاهدات الدوليين، وإفلات من العقاب.
ووعيا بالإشكالات والمخاطر التي تنجم عن انخراط هذه القوات في الحروب، اعتمدت الأمم المتحدة بتاريخ 4 ديسمبر من عام 1989 الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، والتي دخلت حيز التنفيذ في 20 أكتوبر من عام 2001.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات