مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-06-01

دروس من الحرب في أوكرانيا: طبيعة الحرب المتغيرة

يتجلى من خلال الحرب في أوكرانيا واحد من أهم مبادئ الحرب المهمة والدائمة؛ ذلك هو أن طبيعة الحرب تؤثر في نتائجها؛ إذ يمكن أن تأخذ الحرب أشكالاً عديدة. ففي الآونة الأخيرة شاعت حركات التمرد والضربات الهجومية الدقيقة، غير أن أكثر أشكال الحرب شيوعاً عبر التاريخ كان مواجهة القوة بالقوة، كما هو الحال في أوكرانيا اليوم، وغالباً ما يميل أسلوب القتال هذا إلى اتخذ طابع الدفاع. ويوضح الهجوم الأوكراني الآن كيف أن طبيعة الحرب يمكن أن تغير نتائج الصراع.
 
 
كانت روسيا تتمتع بمزايا هائلة في بداية الصراع؛ إذ كانت تتحكم بالتوقيت، فقد اختارت وقت تنفيذ الضربة، كما تمتلك أيضاً عدداً أكبر كثيراً من حيث أفراد القوات المسلحة، مع تفوق في التكنولوجيا على أوكرانيا. وكذلك كان موقع روسيا الاستراتيجي أقل أهمية، ولكنه كان في البداية مواتياً جداً للرئيس بوتين؛ لأنه كان يستطيع اختيار الأماكن التي يوجه إليها ضرباته حول حدود أوكرانيا.
أما أوكرانيا فكانت تمتلك القليل من نقاط القوة، ولم تكن قواتها جيدة الإعداد، كما كانت تفتقر إلى معلومات استخباراتية حساسة عن توقيت الهجوم الروسي ومحوره. كذلك لم تكن قيادتها قد جُرّبت تماماً في الحرب. غير أن أوكرانيا تلقت بالفعل دعماً مصحوباً بالتعاطف معها من دول أخرى.، ولكن ذلك الدعم كان في البداية يتمثل في التعاطف أكثر منه في القوة. ومن الجدير بالذكر أن أوكرانيا كانت تمتلك دفاعاً تكتيكياً يتمتع بالمصداقية بالنظر إلى أنها كانت قد اشتبكت في القتال الدائر منذ غزو مقاطعات القرم عام 2014.
 
 
بمجرد أن توقف الغزو الأوّلي ثنائي المحور نتيجة البطولة الأوكرانية، وضعف التنسيق والإمداد لدى القوات الروسية، بدأت علاقات القوة تتغير. فمع مرور الوقت، حدث تحول مهم، وإن كان بطيئاً، في الدعم الدولي، لصالح تزويد أوكرانيا بقوة عسكرية حقيقية. ومع تباطؤ الهجوم، بدأت القدرات الدفاعية للقوات الأوكرانية تُنهك الوحدات الروسية ضعيفة التدريب. ونظراً لضعف التدريب وانهيار الروح المعنوية بين المجندين، أصبحت الفظائع الروسية مُعلَنة ومعروفة في جميع أنحاء العالم، وقد أدى ذلك إلى تلقي أوكرانيا مزيداً من الدعم العسكري الدولي في البيئة الإعلامية الراهنة الغنية بالمعلومات.
 
 
وقد انتقل حلف الناتو من الموقف الحمائي أو الوقائي إلى العمل على تعزيز قوته أولاً من خلال ضمّ دول أعضاء جدد، ثم إلى تزويد القيادة الأوكرانية مباشرة بالأسلحة؛ حتى إن القوات المسلحة الأوكرانية نفذت بعض الضربات دقيقة التوجيه داخل روسيا لزيادة تكلفة الحرب على المواطنين الروس، وحظيت تلك الضربات بتغطية إعلامية جيدة. كذلك بدأت الخسائر المتزايدة داخل القوات الروسية في زيادة المعارضة الشعبية داخل روسيا.
 
 
قد تنتصر روسيا حتى الآن في الصراع مع أوكرانيا، ولكنها بفقدانها للسيطرة على طبيعة الصراع، وتحولها إلى حملة استنزاف تهدف إلى استنزاف الشعب الأوكراني، فقد تخلت بذلك عن أعظم مزاياها الطبيعية، وسمحت لأوكرانيا بمواصلة القتال في ظل ظروف تسمح لها بالاستمرار والمواصلة.
 
 
على الرغم من ضرورة ضمان الدول الأمن لأراضيها وشعوبها، وقد يكون مطلوباً منها الانخراط في الصراع، فإنه يمكن تعديل طبيعة كل صراع من خلال التخطيط الاستراتيجي التكيفي والقيادة الفعالة. يوضح الصراع الدائر في أوكرانيا كيف يمكن لطابع الصراع أن يغير ميزان القوى، كما يغير حصيلة حتى أشد الصراعات انعداماً للتكافؤ. تضمن الطبيعة المستديمة للحرب عدم إمكانية السيطرة عليها مطلقاً، غير أن التحول الديناميكي لطبيعة القتال في أوكرانيا يجب أن يكون بمثابة تحذير لكل دولة بأنه يتعين عليها إدارة طبيعة أي صراع مستقبلي بشكل فعال من أجل تحقيق الفوز.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره