2023-04-02
دروس من الحرب في أوكرانيا: التحالفات
ينطوي الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا على دروس قيّمة بالفعل للخبراء الاستراتيجيين. أحد أوائل هذه الدروس وأوضحها يؤكد أهمية التحالفات وتأثيرها. والتحالف، بمعناه الأعم، هو عبارة عن علاقة رسمية بين الدول التي اتفقت على العمل معاً لأجل المنفعة المشتركة، أو لتحقيق غرض مشترك ما. وتتشكل الأحلاف في سياقات عديدة، منها السياسي ومنها العسكري ومنها عالم الأعمال.
غير أنه في كل حالة من الحالات، تنشأ سعياً وراء منفعة استراتيجية. ولا يتطلب التحالف العسكري الرسمي أن يُنظر إلى كل من الطرفين على أنه حليف، بل تكفي المشاركة في القتال والعداء، ومجرد القتال إلى جانب طرف ما، غير أن التحالفات توفر مزيداً من القوة المحتملة، لكن التحالفات أيضاً تتطلب حفاظاً منتظماً على الاستمرار في توجيه الجهود لتبقى فعالة.
يمكن أن يكون تأثير التحالفات كبيراً؛ فقد خَلُصت دراسات عدّة إلى أن التحالفات الدفاعية يمكن أن تردع نشوء الصراعات، بينما تهدف تحالفات أخرى إلى مجرد زيادة القوة، وثمّةَ تحالفات أخرى كذلك تمنح نفوذاً من خلال جعل دول برية وبحرية تحيط بالعدو. وقد تكون التحالفات أيضاً متشابكة، وتفضي في الواقع إلى الصراع، كما حدث في الحرب البيلوبونيسية. والعناصر الأساسية للتحالفات القوية هي: الالتزام والشفافية والعزم على العمل معاً.
شملت دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى المملكة المتحدة وفرنسا والإمبراطورية الروسية وبلجيكا والولايات المتحدة. وقد انسحبت الإمبراطورية الروسية من الحلف قبل نهاية الحرب؛ بسبب ثورة عام 1914 التي أدت إلى نشوء الاتحاد السوفيتي. وقد شكلت تلك القوى نفسها (كانت روسيا بحلول ذلك الوقت قد أصبحت «الاتحاد السوفيتي») مرة أخرى تحالفاً ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
في نهاية تلك الحرب، ظل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حليفين، لكنهما أصبحا على طرفي نقيض أيديولوجياً. ثم أثناء حقبة الحرب الباردة، تم تشكيل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من قبل المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة، بوصفه تحالفاً سياسياً وعسكرياً يروج للقيم المعادية للشيوعية، ويتجه إلى معارضة أي توسع للاتحاد السوفيتي إلى داخل أوروبا الغربية. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي في عام 1989، واصلت روسيا الضغط ضد الجناح الشرقي من أوروبا، وفي عام 2014 شنت هجوماً على أوكرانيا في شبه جزيرة القرم، وما الحرب الحالية سوى امتداد لذلك الصراع، الذي يرى فيه البعض سعياً من الرئيس بوتين لاستعادة أراضي الاتحاد السوفياتي السابق.
بدأ الصراع الحالي، في بعض جوانبه، حول التحالفات، لأن أحد أسباب غزو روسيا يكمن في شعورها بالتهديد من إمكانية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. ولسوء حظ روسيا، فإن تصرفاتها - مع تطور الحرب – أدّت إلى تعزيز التحالف بالفعل؛ لأن دولتين أوروبيتين أخريين، هما فنلندا والسويد، تقدمتا بطلب للانضمام إلى الناتو كرد فعل على الحرب، بينما تضغط المجر للقيام بذلك أيضاً.
لا ريب أن حلف الناتو ساعد على ضمان بقاء أوكرانيا، على الرغم من أن أوكرانيا ليست عضواً في الناتو. فبعد عام من بدء القتال، أخفقت روسيا في تحقيق النصر، ومع زيادة الناتو لإمداداته لأوكرانيا بالأسلحة، يظل مفتاح السلام هو الحكم على نقطة التحول عندما تغدو أوكرانيا قوية بحيث تمثل تهديداً لروسيا أكبر مما يمثله استمرار الحرب.
بإمكان التحالفات إذاً أن تجلب الفوائد والمخاطر. ويمكن لدول مثل الإمارات أن تستفيد من خلال الحفاظ على تحالفات مفيدة، مثل عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، غير أنه يمكنها أيضاً الاحتفاظ باستقلالية العمل من خلال الاستقلالية عن التحالفات. وكلا الخيارين قرار استراتيجي مهم.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات