2023-01-08
دوافع زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية
قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية في السابع من شهر ديسمبر، وشارك في اجتماعات قمم ثلاثية شملت: قمة صينية - سعودية، وقمة صينية - خليجية، وقمة صينية - عربية. لقد ثارت تكهنات منذ بداية العام بأن الرئيس الصيني سيقوم بأول زيارة له لخارج الصين منذ اندلاع جائحة كوفيد 19 في 2020 إلى السعودية إلا أن ذلك لم يحدث وسافر إلى سمرقند للمشاركة في قمة شنغهاي للتعاون، وكذلك شارك في قمة بالي للدول العشرين في اندونيسيا. لذلك تأتي زيارته إلى السعودية تعبيراً واضحاً عن اهتمامه بالسعودية وبهذه المنطقة بالذات. فما هي دوافع زيارته يا ترى؟
أول الدوافع هو العامل الاقتصادي من دون أدنى شك. وفي هذا العامل ترتبط مجموعة من الجوانب الاقتصادية المهمة. فالسعودية مهمة للصين في مجال تزويدها بالنفط، حيث تعتبر السعودية المصدر الأساسي الأول للنفط إلى الصين من منطقة الخليج العربي. ومع سعي الصين لتجاوز مرحلة جائحة كوفيد 19 فإن انفتاحها الاقتصادي يتطلب مزيداً من مصادر الطاقة الكفيلة بتشغيل مصانعها ومحاولة استعادة عافيتها وقوتها الاقتصادية التي تراجعت مع تداعيات وتأثيرات الجائحة. منطقة الخليج العربي هي أهم مورد نفطي للصين ولاسيما مع بدء الغرب فرض عقوبات على روسيا وعدم قدرة الشركات الصينية الكبرى على التعامل المباشر مع الشركات الروسية في مجال الطاقة خشية من تعرضها لعقوبات من الغرب وبالأخص من الولايات المتحدة. لذلك تدرك الصين بأن نفط المنطقة سيبقى محوري لها وبالأخص نفط دولة مثل السعودية.
ويشمل الدافع الأول جانب آخر مهم للصين وهو الترابط والتبادل التجاري والاستثماري بين البلدين أو مع منطقة الخليج العربي. فالسوق الخليجية وبالأحرى السوق السعودية والإماراتية تعتبران أهم الأسواق الاستثمارية للصين في منطقة الشرق ألأوسط. ومع التوجه السعودي لتطوير البنى التحتية مع الرؤية الجديدة للعاهل السعودي وولي عهده فإن الصين تحاول أن تبني شراكات استثمارية قوية مع الجانب السعودي في مجالات دعم البنية التحتية في المدن الجديدة ولاسيما في مدينة نيوم والمناطق الأثرية العديدة في المملكة والتي تسعى السعودية إلى بناء صورة جديدة عن المملكة في أعين العالم. الشركات الصينية ولاسيما في مجال البنية التحتية وتكنولوجيا الاتصالات والطاقة المتجددة تسعى لتكون حاضرة في المشروع السعودي الجديد.
ويدخل في ذات الإطار أيضاً جانب رغبة الصين في دفع الاستثمار الصيني والسعودي في مبادرة الحزام والطريق عبر تطوير الموانئ السعودية الموجودة في منطقة البحر الأحمر والتي تعتبر نقطة عبور هامة للتجارة البحرية الصينية. فالموانئ السعودية يمكن ان تكون عامل دعم للمبادرة ونجاحها في تحقيق هدفها المرجو منه.
وثاني الدوافع هو الحضور السياسي في منطقة لطالما سعت دول العالم الكبرى إلى توطيد وجودها عبرها نظراً لتمتعها بمصادر الطاقة الحيوية. فإقامة علاقات سياسية قوية مع دول الخليج العربي التي أصبحت لاعب مؤثر عالمي وإقليمي يعتبر دافع مهم لجميع الدول الكبرى وتلك الساعية لخلق أو مد نفوذ لها عبر مناطق العالم المختلفة. وهذا لا يعني أن الصين تريد أن تأخذ مكان الولايات المتحدة، وإنما يعني رغبة صينية في تعزيز قوتها السياسة وحضورها في المنطقة وبالأخص مع تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة أو مع وجود شعور خليجي برغبة في توسيع مصادر الشراكات الاستراتيجية مع قوى العالم المختلفة. فهذه فرصة سانحة أمام الصين لبناء أسس شراكات أكثر عمقاً مع دول المنطقة تسعى من خلالها لتلبية احتياجاتها، وبالتالي تأخذ بعضا من النفوذ الأمريكي في المنطقة، وخاصة إذا ما أدركنا بأن هذه قد تكون خطوة احتوائية من قبل الصين ورغبة في التعبير عن رفضها لما تقوم به الولايات المتحدة من إقامة تحالفات وشراكات مع العديد من دول أسيا المحورية بهدف احتواء النفوذ والبروز الصيني.
العامل الاقتصادي هو الأبرز من وراء زيارة الرئيس الصيني للسعودية ولقاءه بالقادة الخليجيين والعرب، ولكن لا يمكن أن نتجاهل العامل السياسي في استخدام هذا التقارب لإنشاء شراكات أكثر عمقاً تربك من خلالها حسابات واشنطن في المنطقة.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات