مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-04-01

فرصة الصين

منذ فترة رئاسته الأولى والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحمل توجهاً متشدداً ضد الصين، نتيجة إلى أن الصين في وجهة نظره لا تتبع الإنصاف أو العدالة في التبادلات التجارية بين الطرفين، فالصين تُصدر للولايات المتحدة من البضائع ما يفوق ما تستورده منها، مما يخلق عدم توازن في ميزان التبادل التجاري يصب لصالح الصين.
وعليه فإن الرئيس ترامب أتى باستراتيجية ضبط هذا الوضع من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة على البضائع الصينية للحد من صادراتها للسوق الأمريكية.

بالطبع الصين ليست دولة صغيرة كي تقف مكتوفة اليدين، بل هي قادرة - كما فعلت - على أن ترد بفرض رسوم جمركية هي أيضاً على البضائع والمنتجات الأمريكية. لذلك حرب تجارية بدأت بين الطرفين ولم تتوقف، بل نجد أنها تشتعل من جديد مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية.

ما يهم الصين هو التشدد الأمريكي مع الرئيس ترامب في علاقته مع دول العالم المختلفة وبالأخص مع حلفائه من خلال فرض عقوبات جمركية على البضائع القادمة من بعض الدول الحليفة ككندا والمكسيك، والتخوف الأوروبي من تصعيد الحرب التجارية معها، وبالأخص مع الموقف الأمريكي غير الداعم لأوروبا في تعاملها مع الحرب في أوكرانيا. فالمشهد الذي حدث في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني أضاف الكثير من الهواجس حول مدى التزام واشنطن بالاستمرار في دعم حلفائها. ويضاف إلى ذلك سياسة التقشف الأمريكي والتي أدت إلى تضرر برنامج المساعدات الخارجية الأمريكية لدول العالم المحتاجة ولاسيما في أفريقيا. كل ذلك ورغم اعتبار الرئيس ترامب بأن ما يفعله يصب في صالح الولايات المتحدة إلا أن المتابعين يدركون بأنها فرصة سانحة لبروز الصين وأخذ زمام القيادة كدولة مسؤولة في العالم مع تراجع الولايات المتحدة عن مسؤولياتها العالمية.

فبينما يكشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أنيابه، ويوقف الدعم للدول الأكثر احتياجاً، ويهدد بعقوبات هنا وهناك، ويبتعد عن النظام القيمي الذي يحكم علاقته مع الدول الغربية، فإننا نجد على خلاف ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يبرز بشكل ودي للآخرين، ومتسامح ومتعاون مع الجميع، وراغب في تقديم يد العون والمساعدة. فهذه هي فرصة الصين الثمينة التي أتتها بشكل رائع بسبب التصرفات التي تتبعها الإدارة الأمريكية والتي تضعف من مكانة الولايات المتحدة وقوتها في العالم لصالح قوى أخرى طامحة أبرزها الصين، التي لطالما سعت إلى إبراز نفسها على أنها دولة ودود، وصديقة مع الجميع، وراغبة في دعم الجميع، ولا تتدخل في شؤون الآخرين، ولا تفرض عليهم أجندتها. فبينما تخرج الولايات المتحدة من أفريقيا بوقف مساعداتها لدول القارة نجد الصين تعزز من مساعداتها باعتبار أن ذلك جزءاً اصيلاً في عملية دعم قوة الصين ونفوذها العالمي. وحتى مع حلفاء واشنطن في أوروبا، فقد أصبحوا اليوم مقتنعين بأنه ليس من مصلحتهم مسايرة الولايات المتحدة في كل ما تريده، وبالأخص في العلاقة مع الصين، لأن في ذلك إضرار بمصالحهم الوطنية.

إن بروز الصين كلاعب مؤثر في التفاعلات العالمية تعكسه التصرفات الأمريكية غير المسؤولة تجاه حلفائها وشركائها في العالم. فبينما تتراجع الولايات المتحدة يُفتح الباب أمام الصين كي تدخل من خلاله إلى عالم التأثير العالمي عبر ما تمتلكه من مبادرات اقتصادية وسياسية تُلهم الكثير من الدول التي ما عادت تثق في واشنطن وما يمكن ان تقدمه لها. وهذا الأمر يمكن ان ينعكس أيضاً في المنظمات العالمية وعبر الالتزامات الدولية التي بدأت واشنطن في التخلي عنها أو التهديد بفعل ذلك.
فالصين أصبحت مهيئة لأن تتبوأ مركز القيادة باعتبارها رائدة العمل العالمي الجماعي الذي يشهد تأييداً عالمياً لاسيما في إطار القضايا الملحة مثل قضايا البيئة. بل أن تراجع الدعم الأمريكي للحلفاء يجعل الصين أكثر قوة وحضوراً في منطقة شرق وجنوب شرق أسيا حيث المصالح التجارية والجيوسياسية الهائلة. فمع منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس ومبادرة الحزام والطريق والمبادرات الأخرى الحضارية تصنع الصين لنفسها مكانة عالمية باعتبارها قوة جامعة وليست مفرقة. فهل ستنجح الصين في ذلك؟ الطريق صعب ولن يكون يسيرا، إلا أن سياسات الرئيس ترامب الاندفاعية وغير المسؤولة قد تسهل من فرصة تحقيق ذلك الأمر للصين، التي سُينظر إليها على أنها مركز الثقل الجديد للكثير من دول العالم.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-05-30 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره