مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-05-01

لا صح ولا خطأ

ما أعقد حياةً محصورةً بين صح وخطأ، كل فعل محكوم بين أحدهما، وكل موقف إن لم يكن صحيحاً فهو خاطئ، إذْ يبدو أن الطبيعة حين كفلت للإنسان حق التجربة ليتعلم، كما كفلتها للحيوان، تدخل البشر بحجة التصحيح، والإصلاح، والتصويب، والغريب أن حياة الحيوان مستمرة كما هي.
 
رغم أن قوانين الطبيعة تحدد مساره، وغالباً يهتز التوازن في عالم الحيوان حين يتدخل الإنسان، لأنه أي الإنسان لديه طبع حشر نفسه في كل شيء، ليضع قوانينه، وأفكاره، وميوله، وأطماعه، فهل صادفك أن قطة ما، سوف تراجع موقف سابق لها، لتؤنب نفسها، أو تسهر على إعادة السيناريو، وتتمنى أنها قللت حجم القفزة، لتظفر بفأرة هربت منها!
 
بينما الإنسان يعيش عذابات إعادة الحسابات، وتكرار المشهد، ويعيش الموقف مرات ومرات في عقله، ويشغل يومه في مراجعة أمسه، رغم استحالة رجوع الوقت إلى الوراء، إلا أنه لا يزال يحاسب نفسه، فأي عذاب هذا؟
 
 كثيراً ما نُنصح بنسيان الماضي لنبدأ من جديد، لكن نحن غرقنا في كتابة قوائم سوداء وأخرى بيضاء، قوائم للصحيح والخاطئ، ونورثها للأبناء ليكملوا عليها، قوائم ليس لها أول ولا آخر، ولا أدري متى اعتقل الإنسان نفسه بنفسه، وعقد محكمة سرية في داخله، محكمة متربصة به، بحركاته، وسكناته، بأقواله ونياته، بواقعه وأحلامه، مع أن المعادلة بسيطة جداً، ولا تحتاج لهكذا تعقيد، إنها محصورة في مساحة صغيرة اسمها أنت والآخر، وبينهما حدود، فقط، لا تتجاوز أنت، ولا هو يتجاوزها.
 
وما بعدها لا يمكن أن يكون خطأ أو صح، هي أمور ترتاح لها، فتفعلها، وأخرى ترضيك وتأخذها، أو تسعدك وتعيش بها، أو تحميك من الألم وتتركها.
 
وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن نحكم على التصنع أنه خطأ أو صحيح، بل الموقف هو من يحدد نفعه من ضرره، فالتظاهر بالشجاعة وتصنعها في موقف ما، يحميك، ولو كان قلبك بلغ حنجرتك من الخوف، وفي موقف آخر يكون التصنع نفاقاً، لأنه يضر آخر، ويجعله يشعر بمشاعر ليست حقيقية، لكن تصنعك هو من زيف الخارطة بأكملها، لذا فإن التصنع ليس سيئاً في ذاته، ويمكنك استخدامه دون تردد أو حياء، وطريقة استخدامك هي من تحدد نبله من لؤمه، وعلى ذلك يمكن أن تقيس أموراً أعمق وأكثر.
 
تذكر دائماً أن الصح والخطأ قوانين وضعها غيرك، ولا تشملك، وتأكد إن كانت من صنعك أنت، أم هي تركة وجدتها فاتبعتها.                               
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره