2022-08-02
لغة الحقائق !
لغوياً، الحقائق هي كل ما يتعارض مع الكذب والخيال ، وهي الأشياء المادية التي يجب أن تكون محسوسة من قبل الإنسان ببعض او كل حواسه حتى يتأكد من كونها واقعاً لا كذب فيه أو خيال. ودخول عناصر التدليس و التزييف يلغي الحقيقة ! كمفهوم، مفهموم “ الحقيقة” شغل العديد من الحضارات القديمة ومنها الحضارة اليونانية التي سخرت كل أدواتها لمعنى “ الحقيقة” الذي لطالما كان سؤالا يشغل بال الناس وخصوصا المفكرين من أجل الوصول إلى إجابة مقنعة وأقرب إلى الصواب ... ولطالما كانت مختلف الإجابات محل نقاش مجتمعي بين افراد الشعب.
كما أنشغلت أيضا الحضارة الإسلامية بمفهوم “ الحقيقة” ، التي يرى مفكريها ان أول خطوة للإمساك بطرفها هو “ الشك” الذي يضع الإنسان في حيره من أمره ويدفعه الى البحث والتساؤل والتوقف أمام كل فكرة وتحليلها من منظور عقلي ومنطقي كطريقة للوصول الى “ الحقيقة”.
وللحقيقة أنواع وأشكال عدة، منها حقائق تفرضها العلوم الرياضية والحسابية ، فلطالما أرتبطت الأرقام بالحقائق من أجل تحقيق عدة أهداف كتعزيز الطرح والنقاشات المختلفة ، مواجهة الشائعات ودحض الافتراءات،رفع المصداقية لدى الأطراف المتلقية للمعلومات! وان غيابها يعني العكس تماما، بحيث يصبح الطرح ضعيفا ًسطحياً وغير قابل للتصديق في غياب الأرقام !
وهناك حقائق نابعة من الأخلاق وهي حقائق تفرضها الطبيعة الإنسانية النقية وهو أمر قابل للنقاش ، فعلى الرغم من الفطرة البشرية التي ترى ان الاخلاق أمر ثابت ، إلا ان الفلاسفة يرون ان الأخلاق أمر متغير اذا ما وضعنا في الحسبان ظروف المجتمع والمتغيرات المؤثرة على الأخلاق ! وهو أقرب للمنطق، خصوصا إذا ما قارنا “ الأخلاق” قبل وبعد الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ونوع المحتوى المتداول عبرها !
في مجال الاعلام، الحقائق التي تأتي على شكل “ أرقام” واحصائيات تعزز الأخبار التي يتم تداولها عبر وسائل الاعلام المختلفة و تعطي مدلولات محددة للمتلقي تساعده في فهم الرسائل الاتصالية التي تلقاها سواء بالسلب أو الايجاب..وهو أمر يتفاوت من متلقي إلى آخر -خصوصا- اذا أخذنا بعين الاعتبار عوامل مختلفة منها الخصائص الديمغرافية وعناصر التنئشة الاجتماعية والسياسية ، وكذلك الظروف المحيطة بالمتلقي أثناء تلقي الخبر وحالته النفسية ومدى ارتباط الخبر به بشكل مباشر !
مؤخراً، أعتمدت العديد من المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الربحية على الأرقام والاحصائيات يمكن الحصول عليها من شبكات التواصل الاجتماعي ومن البرامج التي يمكن ربطها بتلك الشبكات من أجل اتخاذ العديد من القرارات لصالح مخرجات وأهداف المؤسسات، إلا ان السؤال الذي يفرض نفسه ..إلى أي مدى تعتبر هذه الأرقام والإحصائيات حقائق يمكن الوثوق بها ؟ فعلى سبيل المثال، حصول على خبر على مشاهدة 5ملايين شخص ، ليس بالضرورة يعني ان ال 5 ملايين شخص قرأوا الخبر ! وذلك لأن الخبر يظهر بشكل تلقائي مع روابط وهمية في عدد من المواقع الإلكترونية بدون اختيار الزائر وبشكل إجباري ! وبالتالي، على الرقم من كون الرقم صحيح إلا أنه لا يعبر عن الواقع ولا يعكس الحقيقة !!
خلاصة القول، الأرقام لم تعد لغة للحقائق ، في ظل البرمجيات الحديثة التي يمكن ان تعطي نسب لا تعكس الواقع ، وهنا يأتي دور المؤسسات الإعلامية ، دور المرسل وأخلاقياته ، دور المتلقي واطلاعه وثقافته...وجميعها تحديات «حقيقية» وضعها أمامنا التطور التكنولوجي الذي أصبح يهدد « الحقائق» بكل أنواعها !
السطر الأخير ...
لا ينتهي البحث عن الحقيقة في العالم المملوء بالمرايا - غازي عبد الرحمن القصيبي.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات