مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-10-03

ما الذي لم تفعله واشنطن في أفغانستان ؟

فاجأ الرئيس الأمريكي جو بايدن الجميع بقراره الانسحاب السريع من أفغانستان، تاركاً البلد الذي استثمرت فيه الولايات المتحدة عشرين عاماً، وأكثر من تريليوني دولار أمريكي، ونحو ألفين وأربعمائة قتيل أمريكي ليقع في يد حركة طالبان التي جاءت واشنطن أساساً للقضاء عليها وتحويل أفغانستان إلى بلد يحكمه نظام ديمقراطي.  
 
 
هذا التحرك من الرئيس الأمريكي هو إعلان صريح بأن واشنطن أخفقت في تحقيق الهدف. وإن كان الانسحاب الأمريكي العسكري أمر متوقع الحدوث، إلا أن حدوثه بالطريقة التي اتخذها الرئيس بايدن هو الأمر الغير متوقع، حيث جاء هذا الانسحاب معلناً خسارة الولايات المتحدة أمام حركة طالبان، وانهزامها من دون تأمين البلد الذي استثمرت فيه الكثير. فما الذي فعلته واشنطن جعلها تخسر مشروعها في أفغانستان؟
 
لقد جاءت الولايات المتحدة بمشروع تغير النظام السياسي في أفغانستان من خلال القضاء على حكم طالبان وتنظيم القاعدة وإنشاء نظام جديد يقوم على بعض أسس مبادي الليبرالية التي تضمن الحريات والحقوق للأشخاص كحق المشاركة السياسية وحق المرأة في التعليم والعيش الكريم، وهو مشروع يحمل أبعاد إيجابية لبلد عانى الكثير من الاضطهاد والعبودية وعدم الاستقرار للعديد من فئات شعبه، ولاسيما خلال فترة حكم طالبان الأولى. ولكن رغم نُبل الهدف، فإن الواقع لم يؤدي إلى تحقيق كل ما كانت واشنطن تصبو إليه، فرغم أنها نجحت في إحياء آمال المرأة الأفغانية، إلا أن الدولة الأفغانية ظلت ضعيفة بسبب عدم مقدرتها على فرض سلطتها على مختلف مناحي البلاد، فقد ظلت طالبان وبعض الجماعات المسلحة الأخرى تحتفظ بنفوذ لها في العديد من المناطق الأفغانية، ولم تتمكن الدولة الأفغانية من فرض سيطرتها على كامل التراب الأفغاني.
 
ويعود السبب في ذلك بالدرجة الأساسية إلى فشل واشنطن في بناء دولة المؤسسات في أفغانستان. فالقوات العسكرية الأمريكية المرابطة هناك ظلت تتعامل مع البلد من منظور محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة ولم تعمل على تطوير مؤسسات الدولة للعب دور أكبر في جميع انحاء أفغانستان. الأمر الذي خلق ضعف كبير في قدرة الدولة الأفغانية على بسط نفوذها. لقد تعاملت واشنطن مع سياسيين أفغان أفسدوا المشروع الأمريكي لبناء دولة المؤسسات، وحولوا مؤسسات الدولة إلى مؤسسات شخصية ذو ميول قبلية وجهوية وعائلية، واستبعدوا مكونات المجتمع الأفغاني الأخرى التي لا تتماشى مع أطيافهم ولا تتماهى مع ميولهم. من هنا لم يحس المواطن الأفغاني أن حكومته وقيادته تعمل من أجل تحقيق التنمية الشاملة في البلاد وتحقق ما يصبو إليه من خدمات ضرورية، بل أنها طبقة فاسدة تسعى لتحقيق مصلحتها على مصالح الشعب الأفغاني، وهو ما فتح المجال أمام جماعات مثل طالبان وغيرها أن تجد لها الملاذ المناسب لخلق اتباع وموالين ومؤمنين بمشروعها. فالمعروف أنه أينما فُقدت الدولة وغابت عن لعب دورها المطلوب، تبرز جهات أخرى تحاول ملء الفراغ لصالحها. وهذا ما حدث في أفغانستان.
 
فالمواطن الأفغاني شعر بأن وجود الجندي الأمريكي هو خطر عليه لأنه لا يصب في صالح تقديم تنمية وخدمات صحية وتعليمية وأمنية له، بل يصب في حماية مصالح الفئة الفاسدة ومحاربة طالبان، وبالتالي باسم محاربة الإرهاب فإنه يرسل طائراته وقذائفه على المدنيين ويلحق الضرر بالقرى والمدن التي تحتاج إلى تنمية ولا تجده، بل تجد الدمار. من هنا نجحت الجماعات الأخرى في المحافظة على نفوذ لها، وأصبحت تنافس الدولة التي غابت عن إبعاد المواطن عن مثل تلك الجماعات.
 
خروج الولايات المتحدة مهزومة من أفغانستان هو بسبب الفشل الأمريكي في بناء الدولة الحديثة هناك، وعدم مقدرتها على تكوين هوية أفغانية جامعة لجميع أبناء فئات الشعب الأفغاني. مسئولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق واشنطن، والنخبة الحاكمة في أفغانستان التي لم تستثمر في الوجود الأمريكي لصالح تحقيق الخير لأفغانستان، وآثرت مصلحتها الشخصية. فهل ستنجح طالبان في تحقيق ما أخفقت عنه واشنطن؟ أشك في ذلك.
 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره