2023-02-01
ما بين الصين وروسيا
يصف العديد من المحللين والمتابعين والكُتاب العلاقة الصينية الروسية وبالأخص مع حرب أوكرانيا بأنها علاقة تحالفية، وأن الحرب قربت الصين إلى التحالف مع روسيا. إلا أن مثل هذا التحليل لا يمت إلى الواقع بصلة. لا يوجد على أرض الواقع تحالف صيني روسي، وإنما التقارب الحادث هو نتاج الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الطرفين. فعلاقتهما تأتي في إطار الشراكة وليس التحالف. هذا الخلط نتاج تساهل الكثيرين في فهم معنى وأسس التحالف في الأدبيات العلمية.
فالتحالف هو نتاج علاقة قوية تربط بلدين معينين، يعملان مع بعضهما البعض وفقاً لرؤية وتخطيط استراتيجي واحد. التحالف يعكس رؤية مشتركة وتخطيط مشترك. كما أن التحالف يرتبط بترتيبات أكثر ترابطية وموثقة وفقاً لاتفاقيات ومعاهدات تكون ملزمة للأطراف. والتحالف يأخذ بُعداً استراتيجياً أمنياً أكثر من البعد الاقتصادي أو غيره من الأبعاد الأخرى غير العسكرية. ويضاف إلى ذلك أن التحالفات تنتج نتاج بروز أخطار مشتركة أو خطر مشترك يؤمن به الأطراف ويعملون مع بعضهما البعض من أجل مواجهته، أي أنهم يتبعون ذات الاستراتيجية لمواجهة الخطر. فهل العلاقة القائمة بين الصين وروسيا اليوم هي علاقة تحالف؟ الإجابة بالطبع لا.
فرغم وجود مشتركات بين الجانبين الصيني والروسي فيما يتعلق برفض كليهما للهيمنة والسيطرة الأمريكية على النظام الدولي، واقتناعهما بأن النظام الدولي يجب أن يكون تعددي وليس أحادي تنفرد الولايات المتحدة في الهيمنة على إدارة شؤونه، فإن الاستراتيجية التي يؤمن بها كل طرف في سبيل مواجهة هذا الأمر تختلف من دولة إلى أخرى. فروسيا تعتمد على البعد العسكري في محاولة فرض نفسها على النظام الدولي، في حين أن الصين تعتمد أسلوب الصعود السلمي في المجال الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي بدلاً من السير في خط المواجهة مع الولايات المتحدة. ففي حين أن روسيا تعتمد أسلوب المواجهة العسكرية فإن الصين تتجه إلى أسلوب التعاون ومحاولة فرض نفسها اقتصادياً وسياساً كلاعب دولي مؤثر. فرغم اتفاق الجانبين الصيني والروسي على الهدف المرجو تحقيقه وهو منع الهيمنة والأحادية ألأمريكية على النظام الدولي، إلا أنهما يختلفان بشكل كبير في الطريقة أو الاستراتيجية التي يسعيان من خلالها لتحقيق ذلك الهدف. وعليه فإن العلاقة بين الصين وروسيا لا يمكن أن توصف بانها تحالفية، لأن الأطراف لا تؤمن بذات الطريقة لتحقيق الهدف. فالتحالفات تتطلب أهداف مشتركة والعمل على تحقيق تلك الأهداف باستراتيجيات مشتركة.
فبينما تخوض روسيا في مواجهة عسكرية غير مباشرة مع الولايات المتحدة في سوريا وأوكرانيا، تبتعد الصين كل البعد عن مثل هذه المواجهة وتحاول أن تعمل على توطيد أداتها الاقتصادية وتأثيرها السياسي من خلال القوة الاقتصادية التي تتمتع بها مع دول ومناطق العالم المختلفة. فالصين لا تسعى لمنافسة الولايات المتحدة على مناطق النفوذ العسكري كما تفعل روسيا وإنما تعمل على خلق نفوذ سياسي عبر علاقاتها الاقتصادية مع دول ومناطق العالم. فما أن سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في شرق أوروبا القريب من روسيا حتى سارعت روسيا بالتدخل العسكري في أوكرانيا من أجل ردع الولايات المتحدة.
أما عن الصين فهي لا تعمل وفقاً لذات الاستراتيجية، ولا تسعى إلى دعم روسيا عسكرياً في هذا المجال، الأمر الذي يجعل روسيا تلجأ إلى دول أخرى كإيران للحصول على معدات عسكرية لحربها ضد أوكرانيا بعد أن رفضت الصين تقديم مثل تلك المساعدة لها، وأكتفت بالدعم السياسي والاقتصادي. وعندما توترت العلاقة مع واشنطن بسبب تايوان مع زيارة رئيسة مجلس النواب العام الماضي إلى الجزيرة لم تلجأ بكين إلى القيام بعمل عسكري ضد تايوان؛ ولا حتى مع تزايد استراتيجية الاحتواء التي تتبعها واشنطن من خلال دعم علاقاتها العسكرية والسياسية مع دول شرق أسيا والمحيط الهندي ككوريا الجنوبية واليابان وأستراليا والهند فإن الصين لم تعمل على اتباع ذات الاستراتيجية بل اكتفت بالرد من خلال الدبلوماسية والسير في خطها نحو تعزيز قدراته الاقتصادية مع دول مناطق العالم.
لذلك فإنه عند الحديث عن العلاقة بين الصين وروسيا علينا أن نكون حذرين في تأطيرها، حيث أنها لا تخضع إلى التأطير وفقاً للعلاقة التحالفية، بل هي شراكة يعمل من خلالها الأطراف على الدفع بالمشتركات والعمل من خلالها، مع بقاء كل طرف حر في اتباع ما يراه مناسباً دون الإضرار بالآخر.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات