مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-02-01

ما‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬

يصف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬والمتابعين‭ ‬والكُتاب‭ ‬العلاقة‭ ‬الصينية‭ ‬الروسية‭ ‬وبالأخص‭ ‬مع‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بأنها‭ ‬علاقة‭ ‬تحالفية،‭ ‬وأن‭ ‬الحرب‭ ‬قربت‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬بصلة‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تحالف‭ ‬صيني‭ ‬روسي،‭ ‬وإنما‭ ‬التقارب‭ ‬الحادث‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬فعلاقتهما‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الشراكة‭ ‬وليس‭ ‬التحالف‭. ‬هذا‭ ‬الخلط‭ ‬نتاج‭ ‬تساهل‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬معنى‭ ‬وأسس‭ ‬التحالف‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬العلمية‭.‬
 
 
فالتحالف‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬علاقة‭ ‬قوية‭ ‬تربط‭ ‬بلدين‭ ‬معينين،‭ ‬يعملان‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬وفقاً‭ ‬لرؤية‭ ‬وتخطيط‭ ‬استراتيجي‭ ‬واحد‭. ‬التحالف‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬مشتركة‭ ‬وتخطيط‭ ‬مشترك‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التحالف‭ ‬يرتبط‭ ‬بترتيبات‭ ‬أكثر‭ ‬ترابطية‭ ‬وموثقة‭ ‬وفقاً‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬ومعاهدات‭ ‬تكون‭ ‬ملزمة‭ ‬للأطراف‭. ‬والتحالف‭ ‬يأخذ‭ ‬بُعداً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬أمنياً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البعد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأخرى‭ ‬غير‭ ‬العسكرية‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التحالفات‭ ‬تنتج‭ ‬نتاج‭ ‬بروز‭ ‬أخطار‭ ‬مشتركة‭ ‬أو‭ ‬خطر‭ ‬مشترك‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬الأطراف‭ ‬ويعملون‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهته،‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬يتبعون‭ ‬ذات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الخطر‭. ‬فهل‭ ‬العلاقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تحالف؟‭ ‬الإجابة‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭.‬
 
 
فرغم‭ ‬وجود‭ ‬مشتركات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬برفض‭ ‬كليهما‭ ‬للهيمنة‭ ‬والسيطرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬واقتناعهما‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تعددي‭ ‬وليس‭ ‬أحادي‭ ‬تنفرد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونه،‭ ‬فإن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭. ‬فروسيا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬فرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تعتمد‭ ‬أسلوب‭ ‬الصعود‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬والسياسي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تعتمد‭ ‬أسلوب‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬التعاون‭ ‬ومحاولة‭ ‬فرض‭ ‬نفسها‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وسياساً‭ ‬كلاعب‭ ‬دولي‭ ‬مؤثر‭. ‬فرغم‭ ‬اتفاق‭ ‬الجانبين‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬المرجو‭ ‬تحقيقه‭ ‬وهو‭ ‬منع‭ ‬الهيمنة‭ ‬والأحادية‭ ‬ألأمريكية‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬يختلفان‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬أو‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يسعيان‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭. ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬بانها‭ ‬تحالفية،‭ ‬لأن‭ ‬الأطراف‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بذات‭ ‬الطريقة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الهدف‭. ‬فالتحالفات‭ ‬تتطلب‭ ‬أهداف‭ ‬مشتركة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬باستراتيجيات‭ ‬مشتركة‭. ‬
 
 
فبينما‭ ‬تخوض‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬تبتعد‭ ‬الصين‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬توطيد‭ ‬أداتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬ومناطق‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭. ‬فالصين‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬لمنافسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬العسكري‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬روسيا‭ ‬وإنما‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬نفوذ‭ ‬سياسي‭ ‬عبر‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬ومناطق‭ ‬العالم‭. ‬فما‭ ‬أن‭ ‬سعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬حتى‭ ‬سارعت‭ ‬روسيا‭ ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ردع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬
 
 
أما‭ ‬عن‭ ‬الصين‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬وفقاً‭ ‬لذات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ولا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬روسيا‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬روسيا‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬كإيران‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬معدات‭ ‬عسكرية‭ ‬لحربها‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفضت‭ ‬الصين‭ ‬تقديم‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المساعدة‭ ‬لها،‭ ‬وأكتفت‭ ‬بالدعم‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭. ‬وعندما‭ ‬توترت‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬بسبب‭ ‬تايوان‭ ‬مع‭ ‬زيارة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬لم‭ ‬تلجأ‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬ضد‭ ‬تايوان؛‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬استراتيجية‭ ‬الاحتواء‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬علاقاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬أسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي‭ ‬ككوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬واليابان‭ ‬وأستراليا‭ ‬والهند‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬لم‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬اتباع‭ ‬ذات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بل‭ ‬اكتفت‭ ‬بالرد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والسير‭ ‬في‭ ‬خطها‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭  ‬مناطق‭ ‬العالم‭. ‬
 
 
لذلك‭ ‬فإنه‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬في‭ ‬تأطيرها،‭ ‬حيث‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬إلى‭ ‬التأطير‭ ‬وفقاً‭ ‬للعلاقة‭ ‬التحالفية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬شراكة‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬بالمشتركات‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬حر‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬مناسباً‭ ‬دون‭ ‬الإضرار‭ ‬بالآخر‭. ‬
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره