مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-06-01

مـا الذي أوصلنا إلى هنا؟

يمر العالم اليوم بفترة من الفترات العصيبة في العلاقات الدولية، حيث تتشكل تفاعلات دولية توثر بشكل مباشر وغير مباشر على المعطيات العامة لشكل النظام الدولي. وعادة عندما تحدث مثل هذه المعطيات يكون العالم أمام مفترق طريق، حيث أن مثل هذه المعطيات من شأنها السعي لإحداث تغيرات كبرى من خلال تحدي الأمر القائم وإحلال واقع دولي بمعطيات جديدة وربما بشكل جديد. لذلك فإن العالم في وجهة نظرنا بحاجة إلى قراءات صحيحة تضع نصب عينها الابتعاد عن فرص تشكلات من شأنها الإضرار بالأمن والسلم الدوليين. فقوى الوضع القائم كالولايات المتحدة ترفض ما تحاول قوى التغير أن تفعله كروسيا والصين.
 
 
فبالنسبة لقوى الوضع القائم تعتقد بان أفضل سبيل لاستمرار الأمن والاستقرار العالميين هو باستمرار الوضع القائم على الهيمنة والسيطرة والنفوذ الغربي بقيادة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وبالتالي لا تريد لهذا الوضع التغيير. أما قوى التغير فإنها تعتقد انها هي أيضاً صاحبة حق مشروع في أن تلعب دور عالمي في النظام العالمي لا يقل عن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، وبالتالي فهي تحاول تغير الوضع القائم وإنشاء وضع جديد تكون فيه جزءً من معادلة القوة والهيمنة العالمية. وهذا ما ترفضه قوى الوضع القائم التي ترى بان بقاء الوضع القائم هو الأسلم والأفضل لهيمنتها وسيطرتها العالمية.
 
 
لذلك فإن ما وصل إليه العالم اليوم من حالة توتر عالية جداً بين قوى الوضع القائم وقوى التغير هو أمر طبيعي لطالما ان كل طرف يتمسك بحقه في الهيمنة والسيطرة على النظام العالمي أو جزء منه. فالولايات المتحدة التي نجحت في اسقاط الاتحاد السوفيتي وهيمنته على جزء من النظام ترفض اليوم محاولات البروز الصيني والروسي الساعية للعب دور عالمي، وإبراز نفسها كدول ذات نفوذ وهيمنة عالمية شأنها شأن الولايات المتحدة. هذه الموقف الأمريكي ترجمه رفضها إنهاء حلف الناتو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وإصرارها على تمدده شرقاً إلى مناطق النفوذ والسيطرة التقليدية الروسية. وعليه كان من الطبيعي أن ترد روسيا بموقف حازم رافض لذلك المسعى. لذلك تحركت نحو أوكرانيا من أجل إرسال رسالة واضحة للولايات المتحدة مفادها أن روسيا ترفض رفضاً قاطعاً استراتيجية الناتو في التمدد شرقاً واحتواء روسيا عبر إنشاء وجود عسكري للناتو على الحدود القريبة للأراضي الروسية. هذه العقلية التي كانت سائدة في الحرب الباردة هي ذاتها التي تسود اليوم في المخيلة الأمريكية التي لم تتجاوزها نحو عقلية جديدة لفترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة. لذلك فاستمرارية واشنطن بتلك العقلية جعلت قوى التغير تتبنى مواقف متشددة موازية لمواقف الحرب الباردة للتعبير عن رفضها لما يحدث في النظام الدولي. أوكرانيا كانت الضحية، ولن تكون الأخيرة. 
 
 
لذلك نستطيع القول اننا أمام نظام دولي يدخل مرحلة عودة ملامح الحرب الباردة بين قوى الوضع القائم وقوى التغير. هذه الحرب التي من شانها أن تُحدث حالة من التوتر العالمي بين تلك القوتين، وستلقي بضلالها على حالة الأمن والاستقرار العالميين. وربما ان المخرج لهذه الحالة هو بقبولها ومحاولة احتواء خطورتها أو بالتفكير خارج فكر الحرب الباردة والعمل على ربط الآخرين بترتيبات تدخلهم في منظومة الاقتصاد والسياسة العالمية وعدم تهميشهم ومحاولة اخراجهم من هذه المنظومة وجعلهم بالتالي أكثر قرباً مع بعضهم البعض وتعاوناً لخلق شراكة تعمل على إحداث بدائل للمنظومة العالمية القائمة حالياً. إذا لم يحدث ذلك فإن المنظومة الليبرالية العالمية ستكون أكبر الخاسرين، حيث ستخرج العديد من قوى التغير من تلك المنظومة أو ستعمل على خلق منظومة بديلة تمكنها من تجاوز التزامات المنظومة الليبرالية القائمة حالياً. فمزيد من العقوبات على دول كبرى كروسيا والصين من شانه أن يجعل مثل هذه الدول تبحث عن بدائل، كالذي فعلته روسيا مؤخراً بفرض عملية شراء الغاز من الدول الأوروبية بالعملة الروسية وليس بالدولار الأمريكي، حيث أن في هذا الأمر إضعاف للدولار الأمريكي باعتباره العملة المهيمنة على التبادلات الاقتصادية العالمية ولاسيما في مجال غاية في الأهمية مثل مجال الطاقة.  
 
 
إن الحل الأمثل للخروج من الأزمة العالمية الحالية هو التفكير بعيداً نوعاً ما عن فكر الحرب الباردة، واعتماد مقاربات جديدة قوامها أن النظام الدولي لا يمكن أن يستمر بسيطرة دولة واحدة، بل لابد من إشراك الآخرين واعطاءهم الفرصة ليكونوا جزءً من القيادة والهيمنة العالمية. فالحل في التعددية بإشراك القوى العالمية في مشاكل وأزمات العالم وليس في القطبية التي كانت سائدة في زمن الحرب الباردة. ولعل عودة روسيا والصين تشير إلى أن التاريخ لم ينتهي كما اعتقد فرانسيس فوكو ياما، بل انه حاضر وموجود وتعبر عنه الاختلافات الحضارية والثقافية والسياسية بين دول العالم. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره