مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-05-01

آسـف... وأخواتها

بقلم : الرائد ركن/ يوسف جمعة الحداد
       رئيس التحرير
 
ثقافة الاعتذار ممارسة نحتاج كثيراً لأن تكون جزءاً من تكوين علاقاتنا الاجتماعية بحيث نمارس هذا الفعل بكل أريحية ودون تردد أو شعور بالخجل، فهي مستوى من مستويات الشجاعة الأدبية، وهي سلوك النبلاء، وتمثل حصانة قوية للابتعاد عن الخطأ واللامبالاة بمشاعر الآخرين، فمن خلال حياتنا اليومية نواجه الكثير من التصرفات الخاطئة التي قد تتطور، وكان يمكن كبحها بمجرد كلمة (آسف)، لا ضير ولا عيب أن أسأت التصرف أن أعتذر، وهذا لا يقلل من شأني ولا يحط من كرامتي. 
 الاعتذار سمة حضارية وثقافية، يحتاج إلى ثقة عالية بالنفس وجرأة أدبية، ونظرة ايجابية لمعالجة المشاكل، واستعداد لتحمل المسؤولية، فالاعتذار يفتح باب التواصل من جديد، ويعالج الآثار المترتبة عن الخطأ، ويساعد على التخلص من تأنيب الضمير، ويعيد الاحترام لمن تعرض للإساءة وينهي شعور الغضب عنده، كما أنه تقويم لسلوك سلبي، يظهر من خلاله مدى شجاعة الفرد على مواجهة الواقع، غير أن هذه الثقافة غائبة لدى الأغلب الأعم منا، حيث يعتبر الشخص المخطئ أن الاعتذار "تقليل شأن" بينما العكس صحيح. 
 
البعض يقول إن من أسباب صعوبة الاعتذار هو اختلاف المفاهيم، فما يراه البعض أنه خطأ يراه البعض الآخر صواباً، وما يظنه طرف بأنه عيب يراه الطرف الآخر بأنه حرية شخصية، لذلك لا تطالب أحداً بأن يعتذر من شيء لا يؤمن به، بل الأجدر أن تتركه في حاله خير لك من مطالبته بإعتذار غير مدرج في جدول اهتماماته.
 
ونحن نقول: لا يعتذر إلا من كان متصالحاً مع ذاته وثقته بنفسه عالية، وتسيره منطلقات وأفكار راقية ومتسامية، ولذلك تجد أن من تنقصه هذه المبادئ والمثل العليا، حتى لو شعر في قرارة نفسه بحجم الخطأ الذي ارتكبه فإنه يلجأ للتبرير، والمكابرة، والهروب للأمام وأحياناً إلى الخلف، بما يكشف ضعف وهشاشة بنيته الثقافية والسلوكية، وأحياناً تربيته وطريقة نشأته. 
 
يرى الكثير من المختصين في علم النفس أن الهدف من الاعتذار هو لتصحيح الخطأ الحاصل، ورد الاعتبار للشخص المتعرض للإساءة، ولكن الشخص المخطئ يتردد أو يمتنع عن الاعتذار لأنه لايعرف معنى وأهمية الاعتذار، ويعتبر ذلك انتقاصاً من كبريائه، لذلك يبتعد بالهروب من مواجهة الحقيقة.
 
كلمة الاعتذار أصبحت تمثل عبئًا ثقيلًا على الكثيرين، وأبسط الأمثلة تبدو في الخلافات اليومية، حيث يصر الكل على موقفه حتى وإن علم أنه المخطئ، في حين أن كلمة بسيطة، يمكنها أن تحل الموقف، والشيء الطبيعي هو أن الذي ارتكب الخطأ عليه أن يتراجع ويعتذر ويقول أنا "آسف".
 
غياب ثقافة الاعتذار جاء نتاجًا طبيعيًا؛ لأن البعض يعتقد خطأ أن الاعتذار يتعلق بالكرامة، وأن كلمة الأسف تقلل من شأن صاحبها، ولهذا يجب أن نعيد النظر في حساباتنا وأفكارنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتفي بأن يخرج بطنه إعتذاراً ممن لكزه ليقتص منه، بل قال: اللهم أيما مؤمناً سببته فاجعل ذلك له طهوراً، وسيدنا عمر بن الخطاب من على المنبر إعتذر عن عزله لخالد بن الوليد، ومن قبلهم قال أخوة يوسف (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) سورة يوسف 97.
 
كما أكد المختصون في علم الاجتماع أن استعداد الطرف الواقع عليه الخطأ لقبول اعتذار المخطئ لا يقل أهمية عن استعداد المخطئ للاعتذار، فهما طرفا المعادلة التي لا تتم بدون أحدهما، فلو أن مخطئاً اعتذر ولم يلق اعتذاره صدى لدى الطرف الآخر فسوف يفعل أي شيء مستقبلاً إلا الاعتذار، وربما إعتذر لنفسه وكرامته على إعتذاره هذا، وقد يظن البعض أن قبول إعتذار المخطئ ومسامحته يشجعه على التمادي في الخطأ، وهذا ليس صحيحاً، بل على العكس، إن رفض إعتذاره هو الذي سيشجعه على الخطأ، فهو سيخطئ في كل الأحوال لأنه بشر، لكن الفرق هنا سيكون بين مخطئ يعتذر فيُقبل اعتذاره ومخطئ لا يُقبل اعتذاره فيكرر الخطأ دون اعتذار، فأي المخطئين نريد؟
 
لكلمة "آسف"- وأخواتها-  دلالات عظيمة، كتواضع قائلها وإقراره بإنسانيته التي من صفاتها النقص والخطأ والنسيان والتقصير، "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، وكذلك مراعاة لإنسانية الطرف الآخر ومشاعره، والحرص على إدامة العلاقات مع الآخرين، ناهيك عن الصدق والشفافية ونكران الذات والإيثار والبعد عن التعالي والغرور والأنانية.
 
من المهم جداً أن يكون إعتذارنا صادقاً حقاً ، وأن يكون في وقت مناسب وليس بعد فوات الأوان، وأن يكون مخططاً له وليس متروكاً للصدفة، لأن ذلك يضعف مصداقية الاعتذار نفسه، حينها سيكون الاعتذار ذو معنى مختلف كما سيكون وساماً على صدر الشخص المعتذر.
 
وأخيراً نقول ما قاله الحكماء: إن لم تكن لديك الشجاعة الكافية للاعتذار عن الخطأ، فاعمل جاهداً على ألا تحتاج إليه، وإذا كان الاعتذار ثقيلاً على نفسك فالإساءة ثقيلة على نفوس الآخرين.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره