2023-08-03
الأزمة الأوكرانية ... والحياد الإماراتي
يرى بعض المراقبين أن زيارات صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى روسيا يمكن أن تثير حفيظة العواصم الغربية، التي تسعى لعزل روسيا دولياً، إلا أن الإمارات تدرك تماماً أن هذه التحركات هي جزءاً من «مخاطرة محسوبة» وهي على استعداد لتحملها باعتبارها ضرورة لتطبيق نهج خفض التوتر والبحث عن مخارج من الأزمة الأوكرانية والحد من الاستقطاب السائد في العلاقات الدولية.
وفي ذلك كان الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة قد قال: «يجب كسر هذا الاستقطاب»، وأضاف: «يلتقي الشيخ محمد بن زايد بالكثير من القادة الغربيين، ومن المهم أيضا أن يسمع من الرئيس بوتين، ليكون قادرا أيضا على دعم الجهود الجماعية للمجتمع الدولي، من أجل تجاوز الاستقطاب الحالي»، وتابع: «نحاول أن نسمع كل الأطراف»، ووصف قرقاش زيارة رئيس الإمارات لروسيا بأنها جزء من تلك السياسة “مخاطر إيجابية محسوبة” لضمان بقاء القنوات مفتوحة مع الرئيس بوتين.
ورغم أن البعض يرى أن الإمارات لا تستطيع لعب دور فاعل في تسوية الأزمة الأوكرانية، ولكن هذا الاستنتاج أو التصور بعيد تماماً عن واقع الأمور لاعتبارات وحسابات عدة أهمها أن الأزمة لا تحتاج لتدخلات قوى كبرى بقدر ما تحتاج إلى وسطاء محايدين يمتلكون علاقات قوية مع الأطراف جميعها، ويحظون بالقبول من الجميع، وفي الوقت ذاته يمتلكون نوايا جادة وإرادة قوية وعزيمة لا تلين للبحث عن السلام والاستقرار، فضلاً عن توافر خبرات دبلوماسية متراكمة تتيح لهم رأب الفجوات وبناء الجسور وطرح الحلول والتسويات التي تحفظ ماء وجه، وهذه الشروط والمواصفات تحديداً لا تكاد تتوافر في التوقيت والظروف الراهنة سوى في قادة معدودين عالمياً، في مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ الذي يمتلك موروثاً كبيراً من الخبرات الدبلوماسية والسياسية وتسوية الصراعات والنزاعات مدعومة برصيد هائل من علاقات الصداقة القوية مع رؤساء وزعماء العالم شرقاً وغرباً، وهو ماتحتاج هذه الأزمة المعقدة في هذا التوقيت تحديداً، حيث تصاعدت الأمور وازدادت تعقيداً وسخونة لدرجة التهديد باستخدام السلاح النووي، الأمر الذي يحتاج إلى قائد عالمي حقيقي يمتلك من الحكمة، والحياد والقناعة بخطورة الأزمة الأوكرانية، ما يدفعه إلى بذل جهود مخلصة وصادقة ومتواصلة لتبريد الأجواء، وطرح مقترحات ونقل الرسائل عبر قنوات دبلوماسية متعارف عليها من أجل الاسهام الجاد في البحث عن مخارج، لاسيما أن الأزمة لم تعد تتحمل الحسابات الصفرية التي يراهن عليها البعض في الغرب، بل تتطلب البحث عن مخارج تحفظ ماء وجه الجميع وتتضمن تنازلات من الأطراف جميعها لانقاذ اقتصادات العالم وشعوبه من المعاناة المتزايدة جراء استمرار هذه الحرب التي يصعب بناء توقعات متماسكة بشأن مالآتها في ظل التصعيد الراهن المتبادل.
ولاشك ان الأزمة الأوكرانية بما تتسم به من تعقيدات تحتاج إلى وسطاء يتمتعون بسمات خاصة، كالتي تمتلكها الدبلوماسية الاماراتية الفاعلة والهادئة في آن معاً، وهو مايفسر تصريح الرئيس بوتين خلال مؤتمر صحفي عقب قمة «رابطة الدول المستقلة» في كازاخستان، إنه «منفتح» على المفاوضات مع كييف وعلى وساطة دول مثل الإمارات العربية المتحدة، وهذا الحديث المهم يعني قبول روسياً صريحاً بدور إماراتي للبحث عن حلول، حيث دعا الرئيس بوتين، صاحب السمو رئيس الدولة لاستخدام نفوذه من أجل التحرك نحو تسوية الوضع في أوكرانيا، وهذا الأمر يعكس تقدير روسيا للدبلوماسية الاماراتية، وشخص صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وما يتمتع به من حكمة وبعد نظر وقبول من جميع الأطراف، بما يؤهل سموه للقيام بدور وساطة مؤثر في أزمة باتت من التعقيد والتداخل بحيث تحتاج إلى تضافر جهود حكماء العالم جميعهم من أجل ايجاد مخرج آمن يحول دون تحقق السيناريوهات المتشائمة التي تنذر بدمار عالمي.
ولاشك أن الوساطة الإماراتية ترتكز ليس فقط على علاقات الصداقة والتعاون القوية بين دولة الامارات وروسيا الاتحادية، ولكن أيضاً على العلاقات الشخصية القوية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس فلاديمير بوتين.
لا يوجد تعليقات