حيث نجحت الامارات من خلال جهود هذا الفريق في حلحلة الكثير من الملفات الجامدة والامساك بزمام المبادرة والمبادأة استراتيجياً في التعاطي مع الأزمات والتوترات والتفكير خارج الصندوق في التعاطي معها، وما يُنظر إليه كتحركات دبلوماسية «مفاجئة» نحو بعض الدول الاقليمية، هو في حقيقة الأمر نتاج دراسة متأنية للظروف ومعطيات البيئة الاستراتيجية الاقليمية والدولية، بما يحقق مصالح الإمارات ويضمن لها خطوات استباقية في ملفات متحركة ضمن رؤيتها الاستراتيجية الشاملة للأمن والاستقرار الإقليمي.
تبدو الدبلوماسية الاماراتية خلال الأشهر الأخيرة الأكثر نشاطاً وفاعلية وديناميكية على الصعيدين الاقليمي والدولي، فالامارات التي تستضيف المعرض الأكثر عراقة وشهرة في العالم «اكسبو 2020» استقبلت في الأشهر الأخيرة أيضاً العديد من القادة والرؤساء والزعماء وكبار المسؤولين من دول العالم، كما تبادلت الزيارات مع العديد من الدول المحورية، وقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بزيارات لعواصم اقليمية ودولية عدة، وجميع هذه الأنشطة الدبلوماسية والاقتصادية قد أثمرت عن تحولات نوعية مؤثرة في الخارطة الاقليمية، والمسألة تبدو أعمق بمراحل من «تصفير المشاكل» أو تهدئة التوترات لتطال رسم واقع جيوسياسي جديد يرسخ موقع الامارات ومكانتها وثقلها الاستراتيجي الاقليمي والدولي كصانعة سياسات وصاحبة دور استراتيجي فاعل يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي. فالتحركات الدبلوماسية الاماراتية منذ توقيع اتفاق ابراهيم مع اسرائيل حتى الآن، تعكس استجابات اماراتية غير تقليدية للأزمات التقليدية، فالامارات تمتلك من الثقة بالذات والقدرة على التمسك بالثوابت ما يجعلها قادرة على اقتحام الأزمات وإجراء الحوارات المباشرة البناءة مع أصدقائها ومنافسيها وأيضاً خصومها الاستراتيجيين، فالنموذج الاماراتي الذي بات يمثل قدوة في الفاعلية والانطلاق والتحرر من القيود والحسابات التقليدية بات قادراً على تجاوز الأعراف والقواعد والبروتوكولات التقليدية التي تعمل في أحيان كثيرة على تحريك المياه الراكدة في أزمات وملفات كثيرة، وتقف عقبة أمام تنقية الأجواء وتبريد أزمات المنطقة.
تمثل التحركات الدبلوماسية الاماراتية باتجاه بعض الدول الاقليمية نهجاً تشاركياً يعكس رؤية الامارات وميلها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، فالامارات لا تسعى للجمع بين المتناقضين كما يتصور البعض، بل تريد تشارك بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها واقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع، وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهداف طموحة كالتي وردت في وثيقة الخمسين، تطرق أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت، لاسيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمكاسب اقتصادية وتجارية، بل برغبة صادقة في نشر قيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر.
لاشك أن حصاد مسيرة التنمية الاماراتية طيلة العقود الخمس الماضية من عمر الاتحاد، قد راكمت موروثاً عميقاً من الانجازات النوعية التي تمثل وقوداً ورافعة استراتيجية لأي تحرك سياسي اماراتي، فالامارات تتحدث إلى الجميع وهي تستند إلى حصاد كبير من التجارب والانجازات التي توفر لها قدر هائل من الاحترام والتقدير الاقليمي والدولي، وهذا يمنحها القدرة على إدارة الخلافات رغم الاختلافات، واعتماد نهج أكثر براجماتية مقابل تحقق المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدولة.
لا يوجد تعليقات