2022-07-01
التجارة والسلام
في كلمة لها ألقتها في مايو 2018، حين كانت تشغل منصب مدير عام صندوق النقد الدولي، قالت كريستين لاجارد الرئيسة الحالية للبنك المركزي الأوروبي، أن هناك وظيفة من كل خمسة وظائف في العالم تعتمد على التجارة، وأن التجارة الرقمية ومؤسسات الأعمال الصغيرة تمثل رافعة استراتيجية كبرى للاقتصادات في القرن الحادي والعشرين.
وأن تجارة الخدمات تنمو بوتيرة متسارعة عالمياً وتمثل نحو 20% من الصادرات العالمية، وأن نحو %50 من التجارة العالمية في قطاع الخدمات تقوده التكنولوجيا الرقمية. وقالت إن مقدمي الخدمات بأنواعها كافة يحصدون اليوم ثمار التحول إلى عالم أكثر ترابطاً وأصغر حجماً.
واختتمت لاجارد كلمتها بعبارة قالها الفليسوف الفرنسي مونتسكيو منذ أكثر من مائتي عام :التجارة هي أفضل علاج للتحيز. هناك قاعدة عامة تقريباً أنه أينما نشأت المواطنة السليمة، تقوم التجارة، وحيثما توجد التجارة، تنشأ المواطنة السليمة ... فالتجارة بطبيعتها تؤدي إلى تحقيق السلام».
وفي تاريخ العلاقات الدولية على امتداد العصور، مايؤكد الدور الذي لعبته التجارة في صناعة السلام، وبناء الجسور بين الأمم والشعوب. فالتجارة تلعب دوراً رئيسياً في بناء السلام وأيضاً في صناعة الأزمات، من خلال ما يعرف بالحروب التجارية التي وقعت بين الدول على مر التاريخ كما حدث بين بريطانيا وهولندا في القرن السابع عشر، وبين الصين والامبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر في إطار مايعرف بحرب الأفيون الأولى، ثم حرب الأفيون الثانية، ناهيك عن سلاسل عديدة من الحروب التجارية التي شهدها العالم في القرن العشرين وكانت الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً فيها مثل حرب الدجاج مع أوروبا وحرب السيارات مع اليابان وحرب الأخشاب مع كندا وحرب الفولاذ مع أوروبا. وفي مقابل ذلك يشير التاريخ إلى تجارب كثيرة لعبت فيها التجارة دور القاطرة لعلاقات الدول والشعوب والأمم، بل كانت المصالح التجارية الدافع لانهاء الصراعات والأزمات والحروب، وباتت التجارة في العصر الحديث أحد أهم مؤشرات قوة ومتانة العلاقات والتعرف إلى المستوى الذي ارتقت إليه علاقات الدول ببعضها البعض. وتؤخذ كمؤشر على نجاح تلك العلاقات، فضلاً عن أن التجارة تسهم بشكل فاعل في تعزيز الفهم المشترك وترسيخ قيم الحوار والتعاون وتجاوز الخلافات والتباينات على صعيد العرق والدين والثقافة والسياسة والأمن.
لاشك أن اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الامارات واسرائيل يمثل تعزيزاً للفرص في مواجهة التحديات الاقليمية، ويمثل حدثاً محورياً في تاريخ المنطقة، ويؤشر ـ بجانب تحركات عديدة أخرى ـ إلى واقع جيواستراتيجي جديد في الشرق الأوسط، كما يوفر حصانة قوية لاتفاقات السلام الابراهيمي، ويضاعف قناعة الآخرين بأهميتها، مايسهم إجمالاً في بناء المزيد من التحالفات وخلق فرص لم تكن متخيلة قبل سنوات قلائل حول مستقبل الأمن والاستقرار الاقليمي، فضلاً عن أن التنمية ونشر ثقافة التعايش يحمل الآمال بإشاعة السلام في مجمل المنطقة.
لا يوجد تعليقات