استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
في صباح يوم من أيام أغسطس 2015، استيقظتُ فجراَ ذلك الشاب المدني المُرفه في الحياة المدنية، صليتُ الفجر تأكدت من حقائبي حملتُها مودعاً أمي واخوتي الابن البكر والأكبر، في تجربة هي الأولى من نوعها برفقة والدي سلكنا ذلك الطريق الطويل من ربوع العاصمة أبوظبي إلى مرابعِ ليوا برمالها الحمراء في طريقٍ ساكن كسكون الفجر اتأمل الطريق والشمس التي تُشرق على استحياء، نحوَ المجهول وإلى حياةٍ مُختلفة لا توجد أي تصورات مُسبقة عنها سوى أنها قاسية! ولكن في تلك السكينة وفي تلك التساؤلات تُدغدغ روحك مشاعرُ فخر واعتزاز فرحيلُك تلبيةً لنداء الوطن، خدمةً لأرضه وما أغلى عن الوطن؟ وما هو أسمى أن تكون للوطن مع قواته درعاً، يُفدى هذا الوطن بالروحِ وميادين العز تشهد بتضحيات أبناءه.
بقلم: عمر أحمد الشحي
وصلنا والشمسُ ارتفعت، استقبلنا المدربون أنا ومئاتُ الوجوه التي لا أعرف من مناطق مُختلفة، وافكارٍ متنوعة، إلا من صديقٍ عزيزٍ جداً ابحثُ عنه بين تلك الوجوه لعلمي أننا سوياً وكان من حُسن الحظ أنه يتبعني بترتيبه هنالك ووجدنا سريرنا بجانب بعضنا فتلك كانت بشائرُ خير، فبدون شك وجود من تعرف وتألف معك يهون جزء كبيرً من ذلك، تم توزيعنا على فصائل جلسنا الساعات الطوال حتى ارتفعت الشمس إلى كبدِ السماء في صيفٍ ساخن ولكن جو ليوا ألطف من بعض المناطق الأخرى، وزعنا ثم استلمنا حاجياتنا فرش، ملابس، وبعض المستلزمات الأخرى ومن ثم وزِعنا على السكنات اخترنا سريرنا ومن هُنا سنقضي اشهر طوال، أول يوم كان صعباً حرارة وشدة وتجهيزات واعدادٌ ضخمة، من دون هاتف طبعاً ذلك الجهاز الذي يربطنا بجميعِ من نعرف ولا نعرف منصات التواصل الاجتماعي، تخيل ان تتخلى عن هاتفك تماماً فكرة صعبه حينها على مدى ثلاثة أسابيع مُتصلة ثم في كل أسبوع سيتسنى لك استعماله في عطلة نهاية الأسبوع إن لم تحجز، عم الصمتُ علينا من التعب حتى بدأ ينقضي اليوم وحل المغرب تناولنا عشاءنا وصلينا وإلى السكن، نمنا تلك الليلة نوماً مختلفاً صعباً وعميقاً تنام مع العشرات في سكنٍ واحد تجهلهم جميعاً، فجراً اذا بالمدرب يصيح عالياً « انهض .. انهض يا عسكري « ومن ذلك الحين لم تعد انت المدني المرفه تستيقظ متى شئت تأكل ما شئت تنام متى شئت وتفعل ما شئت! كان مُنبه كل يوم ذلك النداء، أتذكر أنني حتى في عطلات نهاية الأسبوع كنت استيقظ لا شعورياً وذلك النداء يتردد في اذني، ننهض كل صباح في وقتٍ يسير عليك ان توظب سريرك ومُلحقاته ان تغتسل وتتوضأ وترتدي زيك وأن يتم التأكد من نظافة السكن والحمامات، ثم تصطف في طابورٍ في ظلام الفجر يتم التأكد من العدد ونتحرك في طابورٍ واحد إلى المسجد الحركة هنالك واحدة، ألف.. ألفين كم كان عددكم انتم على قلبِ رجلٍ واحد حركتكم واحدة عند النوم، الاستيقاظ، الصلاة، تناول الوجبات، التدريبات، المشي، الجري في كل شيء هي حركة واحدة نُصلي الفجر، ونبدأ بالرياضة من خيرِ ما ينشط به جسم المرء عند الصباح ونحنُ نردد العازي وهي: أهازيج ينشدُ بها شخص ذو صوتٍ جهوري ويردد خلفه المجندين بصوتٍ واحد ومرتفع كي تُحي الهمم فيهم وترفع من معنوياتهم وكانت متنوعة مختلفة وكُنت ممن أوكل إليه ان يكون عازياً، وكانوا يمقتوني صباحاً بصوتي الذي احسبه شُجي وأنا اردد العازي لهم، وفي خضم فقرة الرياضة أتذكر ذلك المدرب الذي كان يأتي مروراً ليزرع فينا الحماس ويصيحُ قائلاً « الحي يحييك، والميت يزيدك غبن « فلا تكونون ميتين، ننتهي من تلك الفقرة نتناول افطاراً مفيداً، وتبدأ حصص التعليم في مجالات مُختلفة، الجندية، الأسلحة، الرماية، الضبط والربط، أخلاق العسكري وقيمه، الالتزام، الحفاظ على أمن الوطن، علومٌ جمة نُثري بها العقل فالخدمة الوطنية وقوداً للذهن والجسم ولا يستقيمُ احدهما إلا بالآخر، وحصصٌ ميدانية متنوعة نأخذها وتمارينُ لتقوية الجسد من تسلق وقفز وما سوى ذلك، وفي فترات المساء يكون لنا نصيباً من حصص المشاة العسكرية كيف تستوي المشاة والخطوات وارتفاع الأيدي ودنوها، أسابيع مرت رغم صعوبتها وفقد الأسرة والأحبة والرفاهية ودفئ فراش المنزل، إلا انها لحظات من صفاء الذهن بعيداً عن الملهيات، لحظات فخر وعز وأنت تتذكر كل ما ترتدي الزي العسكري أنك في خدمة وطنك لتذود عن حياضه وتحميه بالغالي والنفيس، لحظات تجعلك تندمج مع الآخر تتكون لك أسرة أخرى هنالك تتعايش فيها مع الاختلاف في التصرفات والأفكار ذلك الشقي « راعي المشاكل « وذلك الهادئ، المثقف، راعي السوالف، الحكيم، تُعلمك الخدمة كيف تتقبل الجميع كيف أننا فعلاً أبناء بيتٍ واحد متوحد، التعب والراحة واحدة لنا جميعاً هُنالك كان الحسابُ عسيراً عندما نُخطئ عندما ما تُخطئ انت قد تُحاسب فصيلة كاملة بسببك، فكيف تكون حذراً في تصرفاتك لا تستعجلها، كيف ترعى حق زُملائك، الحياة العسكرية رغم قسوتها تُعلمك معاني جليلة كالنُبل والالتزام والانضباط، أنا رجلٌ منضبط بالوقت جداً لكن هُنالك تعرف أكثر قيمة هذا الوقت والانضباط فيه، الدقيقة لها قيمة ففي ساعات الشدة الوقت ليس عبثاً إنما يُحسب بالثواني، ثانية قد تنقذ روح، تحمي، تصنع فارقاً كبيراً، إنها ليست مسألة هينه، انضباطك والتزامك مع الفريق له أثر على الفريق بأكمله، كانت العودة بعد ثلاث أسابيع من الحجز مُختلفة، نظرتك للعالم مُختلفة كذلك تستشعر النعم أكثر، كثير من النعم المُرفهين بها، تعود إلى عائلتك بعد ان خرجت شاباً مدنياً تعود عسكرياً صلباً، بجسدٍ قوي وذهنٍ أقوى، تُترجم العسكرية على حياتك حينها منذ استيقاظك صباحاً وتوضيب سريرك حتى نومك، تكون أكثر التزاما واحتراماً للآخر، تقدر الوقت بشكل أكبر، تجربة الخدمة الوطنية ستشعر بها وبمدى تأثيرها طوال حياتك أكتب اليوم بعد عشر سنوات من تأدية هذا الواجب، فخوراً بكوني واحداً من الدفعات الأولى في هذا البرنامج، انتقلتُ خلاله بنقلة نوعية في حياتي، ما زال أثرها فيني حتى اليوم بعد سنواتٍ طِوال وترى ذلك في تصرفات كل شاب يكون ضمن صفوف العسكر في الميادين، ميادين العز تلك التي تصنع شباباً مُنضبطاً مُلتزماً، شباباً يقفُ درعاً حصيناً لحماية وطنه ومُكتسباته، مرتدياً معاني عظيمة، مُستعداً للحفاظ على ارضِ وطنه جسداً وفكراً، فالخدمة الوطنية تصنع انساناً صلب البُنية الجسدية والعقلية لا تؤثر به الأفكار الشاذة والدخيلة، يعرفُ للوطن وقيادته قدراً، يعرفُ جيداً معنى الوطن الآمن والقيادة الرشيدة والعيش الهانئ، لا يغرنهُ من أراد بالوطن سوء بل يقف في وجه ذلك بحكمة وصلابة الرجل العسكري ابن الامارات، ابن زايد الخير الذي أسس هذه الأرض الطيبة، وبذر فينا حكمه التي ننهلُ من فيضها حتى اليوم، هذا الجندي الذي اقسم ان يُعادي من يعاديها، يُسالم من يسالمها.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات