مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-09-03

الإمارات وإندونيسيا: نصف قرن من التعاون المتنامي والصداقة القوية

قراءة في أبعاد ونتائج زيارة الرئيس جوكو ويدودو لأبوظبي

تعد العلاقات الإماراتية-الإندونيسية نموذج لعلاقات الصداقة الثنائية المتميزة التي شهدت تطورًا ملحوظًا على مر السنوات، لتعكس عمق التفاهم والتعاون بين البلدين، حيث تربط الدولتين علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وطيدة. وقد تأسست هذه العلاقات الرسمية في سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين، استمرت في التنامي والتطور بشكل لافت، وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على مراحل تطور هذه العلاقات الأخوية وأبعادها ومساراتها وآفاقها المستقبلية.

إعداد: هيئة التحرير
شَكَّلت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، منتصف شهر يوليو الفائت للإمارات لمدة يومين، حيث التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، شكلت دفعة قوية للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين في مختلف المجالات، ومحطة مهمة في تعزيز مسار العلاقات الشاملة، متوّجة مسيرة 47 عامًا من علاقات التعاون والصداقة بين أبوظبي وجاكرتا، وتجلى ذلك في نتائج هذه الزيارة المهمة، التي تُوجّت بتوقيع 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات عدة.

أسس قوية للعلاقات الإماراتية الإندونيسية
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإندونيسيا (أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان) رسميًا في عام 1976، وذلك بعد خمس سنوات فقط من إعلان دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، حيث تم افتتاح السفارة الإماراتية في جاكرتا وسفارة إندونيسيا في أبوظبي كخطوة أولى لتوطيد العلاقات بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقات الثنائية بين البلدين تزداد عمقًا وتنوعًا، وتقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

التعاون السياسي والدبلوماسي
خلال السنوات التي تلت تأسيس العلاقات الدبلوماسية، استمرت الإمارات وإندونيسيا في تعزيز تعاونهما على المستويين السياسي والدبلوماسي. فقد شهدت العقود التالية تبادل العديد من الزيارات الرسمية بين القادة والمسؤولين من كلا البلدين، مما ساهم في تعزيز التفاهم والتعاون في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. تميزت هذه العلاقات بالتنسيق المستمر في المحافل الدولية، حيث تدعم كلا الدولتين قضايا العالم الإسلامي وتسعيان لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. وهناك عوامل عدة أسهمت في دعم التوافق السياسي بين البلدين، أبرزها الرؤية المشتركة للاستقرار الإقليمي وركائز ومتطلبات الاستقرار الدولي ، حيث تشترك الإمارات وإندونيسيا في رؤيتهما لأهمية تحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة، خاصة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، فالبلدين يدعمان الحلول الدبلوماسية للنزاعات، ويشددان على أهمية الحوار والتعاون بين الدول كسبيل لتحقيق السلام. هذا التوجه يتجلى في مواقفهما المتقاربة تجاه الأزمات الإقليمية مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والأوضاع في أفغانستان واليمن. هناك كذلك توافق الرؤى حول التنمية المستدامة ومواجهة التغير المناخي، فالبلدين يعكسان التزامًا مشتركًا بمبادئ الاستدامة والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، ويدعمان التعاون الدولي لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وهذا التعاون يمتد ليشمل مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة. كما يشكل التعاون بين أبوظبي وجاكرتا في المنظمات الدولية والإقليمية عنصرًا مهمًا في توافق رؤاهما السياسية، فالبلدين يدعمان بعضهما البعض دبلوماسياً وسياسياً في المحافل الدولية، ويسعيان لتعزيز دور الدول النامية في صنع القرارات العالمية. كما يشتركان في تعزيز قيم التعددية واحترام سيادة الدول وحقوق الإنسان.

العلاقات الاقتصادية والتجارية
شهدت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإندونيسيا تطورًا كبيرًا منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، حيث أصبحت الإمارات واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لإندونيسيا في منطقة الخليج العربي، و تمتد العلاقات الاقتصادية بينهما لتشمل قطاعات متنوعة مثل النفط والغاز، الزراعة، والصناعات التحويلية، كما شهدت الفترة الأخيرة زيادة في الاستثمارات الإماراتية في إندونيسيا، خاصة في مجالات البنية التحتية، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا. وتجسيداً لهذا التطور في مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، فقد صادق البلدان في يوليو 2022، على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما، ودخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 2023 لتدشن حقبة جديدة من الشراكة وتحفز نمو التجارة البينية غير النفطية، حيث وصلت إلى 10 مليارات دولار سنويًاخلال 5 أعوام، مقارنة بـ 3 مليارات دولار عام 2021، وذلك من خلال خفض أو إزالة الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من السلع والخدمات، كما تخطت قيمة التبادل التجاري بين الدولتين خلال العام الماضي الـ 16 مليار درهم(27.23 مليار دولار) بنمو وصلت نسبته إلى 7.2 % مقارنة بعام 2022، وبلغ التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وإندونيسيا بين 2014 و2023 نحو 101.91 مليار درهم وشهدت التجارة البينية ارتفاعًا تصاعديًا خلال السنوات الماضية.
وتتصدر الحلي والمجوهرات وأجزاؤها من معادن ثمينة أو معادن عادية مكسوة بقشرة من معادن ثمينة التبادل التجاري، تتبعها السيارات، ثم الذهب بما فيه المطلي بالبلاتين والخام، ثم زيت النخيل وجزئياته، ثم أجهزة الهاتف بما في ذلك أجهزة الهاتف للشبكات الخلوية أو غيرها من الشبكات اللاسلكية، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد. ويتفق الجانبان على أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، مع التركيز بشكل خاص على قطاعات التجارة والطاقة والأعمال والاستثمار في البنى التحتية، كما يسعيان إلى المضي قدمًا في دعم المشروعات المشتركة في مجالات التعليم العالي والثقافة والسياحة والزراعة والنقل البحري، بالإضافة إلى الأمن الغذائي والعلوم والتكنولوجيا.

التعاون الثقافي والتعليمي
لم تقتصر العلاقات الإماراتية الإندونيسية على الجوانب السياسية والاقتصادية فقط، بل امتدت لتشمل مجالات التعاون الثقافي والتعليمي، وفي هذا الإطار تم تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية المشتركة لتعزيز التفاهم المتبادل بين الشعبين، كما تم توقيع اتفاقيات تعاون في مجال التعليم، حيث تقدم الإمارات منحًا دراسية للطلاب الإندونيسيين للدراسة في جامعاتها، ما يعزز من التواصل الثقافي والمعرفي بين البلدين. وهنا يلاحظ أن البعد الثقافي والتعليمي جزءاً لا يتجزأ من أطر تعاون الإمارات مع شركائها الاستراتيجيين، حيث تدرك الإمارات أن الثقافة والتعليم توفر لعلاقات التعاون بين الدول عمقاً شعبياً يمنحها المزيد من القوة والاستمرارية.

نشر ثقافة السلام ومواجهة الإرهاب.. قيم مشتركة بين البلدين
تشترك الإمارات وإندونيسيا في مجموعة من القيم الإنسانية التي تشكل الأساس لتعاونهما المثمر وترفد هذا التعاون بالزخم الذي يحتاج إليه، وتشمل هذه القيم نشر الاعتدال ومكافحة التطرف والارهاب، والاحترام المتبادل فكلتا الدولتين تتمتعان بتنوع ثقافي وديني غني، مما يجعلهما مثالين يحتذى بهما في كيفية إدارة هذا التنوع لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية الشاملة.
في هذا السياق، تولي الإمارات أهمية كبيرة للعيش المشترك بين مختلف الجنسيات والأديان على أراضيها، حيث تحتضن أكثر من 200 جنسية تعيش بسلام وتعاون.  وعلى الجانب الآخر، نجد أن إندونيسيا، كأكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، قد نجحت في دمج هذا التنوع الثقافي واللغوي والديني ضمن إطار وطني موحد، مما جعلها نموذجًا للتسامح الديني في العالم الإسلامي.

التسامح الديني ومحاربة التطرف
التسامح الديني هو قيمة محورية تربط بين الإمارات وإندونيسيا، فالإمارات، التي أسست وزارة خاصة للتسامح، تسعى لنشر هذه القيم ليس فقط داخل حدودها، بل أيضًا على المستوى العالمي. المبادرات التي تطلقها الإمارات، مثل «البيت الإبراهيمي» الذي يجمع بين مسجد وكنيسة وكنيس يهودي في مكان واحد، تعكس التزامها العميق بتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة.
من جهتها، تعتبر إندونيسيا نموذجًا للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والمذاهب. فهي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، إلى جانب وجود أقليات دينية أخرى كالمسيحيين والهندوس والبوذيين، وقد نجحت إندونيسيا في الحفاظ على هذا التعايش السلمي من خلال تعزيز مبدأ «بانجاسيلا»، الذي يشمل القيم الخمس التي تمثل الفلسفة الأساسية للدولة، وأبرزها التعايش السلمي بين الأديان. كما تتعاون الإمارات وإندونيسيا بشكل وثيق في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث تدركان أن الإرهاب لا يهدد فقط الأمن الوطني، بل يمتد تأثيره إلى استقرار المنطقة والعالم بأسره، فتعمل الإماراتمن خلال مؤسسات مثل «مركز هداية» لمكافحة التطرف العنيف، و»منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، على نشر خطاب الاعتدال ومحاربة الفكر المتطرف. وفي السياق ذاته، تسعى إندونيسيا إلى تعزيز قيم التسامح والاعتدال من خلال مؤسساتها التعليمية والدينية، وقد أطلقت العديد من المبادرات لمكافحة الإرهاب، بالتعاون مع الدول الأخرى، بما في ذلك الإمارات، حيث تتفق الدولتان على أن محاربة الإرهاب تتطلب جهودًا متكاملة تشمل الجانب الأمني والفكري على حد سواء. وهنا يشار إلى أن تعاون الإمارات وإندونيسيا في مجال القيم المشتركة والتسامح الديني ومكافحة الإرهاب يعكس التزامهما ببناء عالم أكثر أمانًا وتسامحًا، وهذا التعاون لا يقتصر على المبادرات الثنائية فقط، بل يمتد ليشمل العمل ضمن المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، لتعزيز هذه القيم على نطاق أوسع. ففي عام 2015، أصدرت الإمارات وإندونيسيا بيانًا مشتركًا يؤكد على أهمية نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام وتعزيز الحوار بين الأديان كوسيلة لتحقيق السلام العالمي. هذا البيان عكس رؤية مشتركة بين البلدين لأهمية نشر التسامح وتعزيز التفاهم بين الشعوب كوسيلة لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك الإرهاب والتطرف.

التعاون الأمني
التعاون الأمني بين دولة الإمارات وإندونيسيا يمثل ركيزة أساسية في العلاقات الثنائية بين البلدين. هذا التعاون ينبع من إدراك مشترك للتحديات الأمنية التي تواجه المنطقة والعالم، بما في ذلك الإرهاب، والجريمة المنظمة، والتطرف، والحروب السيبرانية، ومع تزايد هذه التحديات، أصبح تعزيز التعاون الأمني بين البلدين ضرورة مُلّحة لضمان السلام والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. وقد بدأ التعاون الأمني بين الإمارات وإندونيسيا في التطور بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، مدفوعًا بالعلاقات الدبلوماسية القوية والتفاهم المتبادل حول أهمية مكافحة التهديدات الأمنية المشتركة، وفي هذا السياق، وقّعت الدولتان العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات مثل مكافحة الإرهاب، تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب الأمني. وفي عام 2019، وقّعت الإمارات وإندونيسيا اتفاقية تعاون أمني شاملة تضمنت بنودًا للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، تبادل الخبرات في مجال الأمن السيبراني، والتعاون في مجال الأمن البحري. هذه الاتفاقية تعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون الأمني على جميع الأصعدة. ويعد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف أحد أبرز جوانب التعاون الأمني بين الإمارات وإندونيسيا. فالإرهاب يمثل تهديدًا مشتركًا للبلدين، حيث عانت إندونيسيا في الماضي من هجمات إرهابية متعددة، بينما تعمل الإمارات بشكل مستمر على تعزيز جهودها في مكافحة التطرف، وتتعاون الدولتان بشكل وثيق في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب.

الأمن السيبراني
في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبح الأمن السيبراني جزءًا لا يتجزأ من التعاون الأمني بين الدول. تدرك الإمارات وإندونيسيا أهمية حماية بنيتهما التحتية الرقمية من الهجمات السيبرانية، ولهذا السبب، تعملان على تعزيز التعاون في هذا المجال من خلال تبادل الخبرات وأفضل الممارسات. وقد أنشأت الإمارات العديد من المراكز المتخصصة في الأمن السيبراني، مثل «مركز دبي للأمن الإلكتروني»، الذي يتعاون مع المؤسسات الإندونيسية في مجالات التدريب وتبادل المعلومات حول التهديدات السيبرانية، وهذا التعاون يهدف إلى بناء قدرات قوية لحماية الأنظمة الحيوية في كلا البلدين.

الأمن البحري: نظرًا لموقعهما الجغرافي، تمتلك كل من الإمارات وإندونيسيا أهمية استراتيجية كبيرة في مجال الأمن البحري.إندونيسيا، التي تعتبر من أكبر الدول البحرية في العالم، تشارك الإمارات في حماية طرق التجارة البحرية ومكافحة القرصنة والتهريب عبر المحيطات، ويشمل التعاون في هذا المجال التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل الخبرات في مجال حماية الممرات البحرية، وقد قامت القوات البحرية الإماراتية والإندونيسية بتنظيم تدريبات مشتركة تهدف إلى تعزيز جاهزيتهما للتصدي لأي تهديدات محتملة في البحار.
التدريب الأمني وتبادل الخبرات: جزء أساسي آخر من التعاون الأمني بين الإمارات وإندونيسيا يتمثل في التدريب الأمني وتبادل الخبرات. تعمل الدولتان على تنظيم دورات تدريبية مشتركة للعاملين في الأجهزة الأمنية، بما في ذلك الشرطة وأجهزة مكافحة الإرهاب. كما تشارك الإمارات، التي تمتلك خبرات متقدمة في مجال التدريب الأمني، خبراتها مع إندونيسيا في مجالات متعددة مثل الأمن الداخلي، إدارة الأزمات، والتعامل مع الأزمات الإرهابية. هذا التعاون يسهم في بناء قدرات أمنية قوية لدى الجانبين لمواجهة التحديات المشتركة.

التعاون في المحافل الدولية
الإمارات وإندونيسيا تتعاونان بشكل وثيق في المحافل الدولية لتعزيز الأمن والسلام العالمي. ضمن إطار الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، تعمل الدولتان معًا لدفع أجندات مشتركة تتعلق بمكافحة الإرهاب، تعزيز الأمن السيبراني، ودعم الاستقرار في المناطق المضطربة. كما يدعم البلدان بعضهما في المبادرات الدولية التي تهدف إلى تعزيز السلم والأمن، حيث تشاركان في عمليات حفظ السلام وتقدمان دعمًا مشتركًا لمبادرات تهدف إلى تحقيق الاستقرار في مناطق النزاعات.

شواهد محبة تاريخية تُخلّد قوة العلاقات
جامع الشيخ زايد الكبير
علاقات راسخة تربط دولة الإمارات وإندونيسيا منذ عقود، ومعالم كثيرة باتت شاهدة على متانتها وقوتها والارتباط العميق بين البلدين، فجامع الشيخ زايد الكبير في مدينة سولو في جمهورية إندونيسيا يأتي على رأس المعالم والأيقونات التي تُخلّد هذه العلاقات، ويعد نسخة مماثلة لجامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، وقد افتتحه صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، يرافقه الرئيس جوكو ويدودو، خلال زيارته لإندونيسيا في نوفمبر 2022، وعبّر سموه خلال افتتاحه عن سعادته، مؤكدًا أن «وجود هذا الجامع يجسد خصوصية العلاقات التي تجمع البلدين والتعاون في نشر رسالة الإسلام الصحيحة التي تدعو إلى السلام والبناء والتنمية، كما يعكس الحرص على أن نترك لأحفادنا شواهد على عمق هذه العلاقات»، وبيّن أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه،  كان محبًا لإندونيسيا وشعبها وقام بزيارة تاريخية لها خلال عام 1990.
 
شجرة الصداقة
في يوليو 2019، أثناء زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للعاصمة الإندونيسية جاكرتا، قام برفقة الرئيس الإندونيسي بغرس شجرة صنوبر الصمغ «أجاثيس دامارا» التي ترمز للتلاحم والصداقة في تقاليد دول جنوب شرق آسيا، بساحة قصر بوجور الرئاسي، للدلالة على عمق وتجذر العلاقات بين البلدين.
 
شارع محمد بن زايد .. علامة خالدة للصداقة
وإضافة إلى جامع الشيخ زايد الكبير وشجرة الصداقة، يزين اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، أطول شارع علوي معلق في إندونيسيا، حيث وجه الرئيس جوكو ويدودو، في أبريل 2021 بإطلاق اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على شارع رئيسي في إندونيسيا، تقديرًا لسموه، وفي إطار العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين. ويعد «شارع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان» من الشوارع الاستراتيجية والهامة في إندونيسيا ويبلغ طوله 37 كم، وهو أطول شارع علوي معلق في إندونيسيا، وأطول طريق سريع معلق مزدوج في جنوب شرق آسيا. ويربط الشارع العاصمة جاكرتا بأهم المدن والمناطق السياحية والاقتصادية الحيوية في باندونغ وبكاسي وكروانغ بإقليم جاوا الغربية.
 
مسجد وشارع ويدودو في الإمارات
في الإمارات، يوجد مسجد وشارع يحملان اسم الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، حيث وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، في أكتوبر من عام 2020، ببناء مسجد في حي السفارات في العاصمة أبوظبي يحمل اسم جوكو ويدودو، وتم افتتاحه العام الماضي، كما تم إطلاق اسمه على أحد أهم شوارع العاصمة،وذلك تقديرًا لصداقته المتينة مع دولة الإمارات ولجهوده في توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين. وهذه الإشارات الايجابية المتبادلة تجسد قوة العلاقات بين القيادتين والشعبين، وسعي القيادة في البلدين الصديقين لترسيخ وتقوية العلاقات عبر رفد هذه العلاقات بالأسس اللازمة لإضفاء القوة والعمق الشعبي والتاريخي عليها.
 
مركز «محمد بن زايد – جوكو ويدودو» لأبحاث القرم
جاء مشروع «مركز محمد بن زايد – جوكو ويدودو» لأبحاث القرم بالتعاون مع جمهورية إندونيسيا، كأحدث هذه الشواهد التي تربط البلدين، حيث أعلنت دولة الإمارات في مايو الماضي وضع حجر الأساس للمشروع بجزيرة بالي الإندونيسية،ويمثل المركز أحد أهم إسهامات الدولة في تعزيز الاستدامة المناخية والبيئية في العالم وحماية كوكب الأرض من آثار التغيرات المناخية ويجسد متانة الشراكة الاستراتيجية بين أبوظبي وجاكرتا.
جاء المركز ثمرة التزام الإمارات بتقديم 10 ملايين دولار لتعزيز الجهود العالمية لتنمية القرم التي تعد أحد أهم الحلول الحيوية القائمة على الطبيعة في مواجهة التغيرات المناخية وحماية النظم البيئية الساحلية، حيث يستهدف المشروع إجراء مزيد من الأبحاث في زراعة أشجار القرم وتعزيز دورها بوصفها خزانات طبيعية للكربون.
 
مستشفى الإمارات - إندونيسيا لأمراض القلب
في أكتوبر 2023، وقّعت دولة الإمارات ممثلة بوزارة الخارجية اتفاقية تعاون مع دولة إندونيسيا ممثلة بوزارة الصحة، اتفاقية بناء «مستشفى الإمارات - إندونيسيا لأمراض القلب» في سولو تكنو بارك بمدينة سوراكارتا،بتمويل من حكومة الإمارات، وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز النهوض بالقطاع الصحي في جمهورية إندونيسيا.
 
كلية محمد بن زايد للدراسات المستقبلية
في فبراير الماضي، تم وضع حجر الأساس لـ»كلية محمد بن زايد للدراسات المستقبلية» في يوجياكارت بجزيرة جاوا الإندونيسية، والتي يتم إنشاؤها بالتعاون بين جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وجامعة نهضة العلماء في إندونيسيا.وأعرب ويدودو في كلمة له بهذه المناسبة عن بالغ شكره وتقديره لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، مؤكدًا أن هذا المشروع يحمل دلالات تعبر عن عمق العلاقات التي تجمع البلدين والرسائل المشتركة التي يحملانها لإبراز الصورة الصحيحة والسمحة للدين الإسلامي الحنيف، وأوضح أن الجامعة ستضطلع بأدوار علمية وبحثية حيوية، ومعالجة القضايا المعاصرة من خلال نهج مبتكر، كما ستدعم مسيرة التنمية والتطوير والبحث العلمي لدى البلدين وتوثيق الروابط العلمية والثقافية بينهما.

مما سبق، يتأكد أن مستقبل العلاقات بين البلدين واعدًا بمزيد من التعاون في مجالات جديدة، إذ يسعى البلدان إلى تعزيز شراكتهما الاستراتيجية من خلال التركيز على مجالات مثل الاقتصاد الأخضر، التحول الرقمي، والطاقة المستدامة، وهذا التعاون المستمر يعكس التزام البلدين بتعزيز علاقاتهما بما يخدم مصالحهما المشتركة ويحقق الازدهار لشعبيهما.

تطور العلاقات الثنائية: الزيارات المتبادلة والاتفاقات المشتركة
على مدار نحو 5 عقود من العلاقات بين الدولتين، تواصلت الزيارات المتبادلة بين قيادات الإمارات وإندونيسيا،  وشَكّلت فارقًا وعلامات مضيئة في تاريخ التعاون الثنائي بعد بداية لعلاقة دبلوماسية انطلقت منذ عام 1976 لتأخذ منحى تصاعديًا متميزًا في بناء العلاقات الإماراتية الإندونيسية وحملها إلى آفاق جديدة، وقد شكَّلت زيارة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، إلى إندونيسيا في مايو 1990 نقطة تحول فارقة في تاريخ العلاقات الإماراتية الإندونيسية، وفي أبريل 2006، زار الرئيس الإندونيسي الأسبق سوسيلو بامبانغ يوديونو الإمارات، تلتها زيارة قام بها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في سبتمبر 2015. كما شكَّلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى إندونيسيا في 24 يوليو 2019 حدثًا تاريخيًا، حيث ساهمت الزيارة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، ودفعت التعاون الثنائي إلى مرحلة نوعية جديدة. وفي نوفمبر 2021، استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله،الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، لتُشكّل الزيارتان مرحلة تاريخية مهمة في علاقات الصداقة الأخوية الراسخة والتعاون الثنائي بين البلدين، وهي علاقات قامت على الروابط التاريخية الوثيقة والمبادئ المشتركة والمصالح المتبادلة واحترام سيادة وسلامة أراضي كلتا الدولتين، إلى جانب الطموح المشترك بالسلام والاستقرار والازدهار الدولي.
وفي يوليو 2022، زار الرئيس الإندونيسي، الدولة، وتم توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة،وهو ما جسّد النقلة النوعية التي تشهدها العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة. كما شارك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله،إندونيسيا في قمة مجموعة العشرين، عقب الدعوة التي تلقاها سموه من الرئيس جوكو ويدودو في نوفمبر 2022، لتؤكد القياداتان على سمو العلاقة  بين الدولتين وتوقيع اتفاقيات ثنائية ومذكرات تفاهم في جميع المجالات، لتعمل الدولتان جنبًا إلى جنب بروح التعاون البنّاء لتحفيز التنمية الشاملة وتوفير فرص النمو والازدهار للشعبين الصديقين.
 
حصاد زيارة الرئيس ويدودو إلى الإمارات
في منتصف يوليو 2024، كانت زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو،الأحدث إلى دولة الإمارات، وهي الرابعة له في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، من أصل سبع زيارات قام بها ويدودو منذ توليه منصبه عام 2014، واستغرقت يومين. وقد اكتسبت هذه الزيارة أهميتها من الثقل السياسي للدولتين، حيث تُعد كلتاهما فاعلًا إقليميًا مؤثرًا في محيطها وعلى الصعيد الدولي، ومن ثم فإن استمرار التعاون بينهما سينعكس إيجابًا على الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. فإندونيسيا تدعم انضمام دولة الإمارات إلى رابطة «الآسيان» بصفة شريك حوار، فيما تمثل الإمارات بوابة مهمة لإندونيسيا على الدول الخليجية لتعزيز التعاون بينهم. وقد حظي الرئيس الإندونيسي خلال زيارته بحفاوة بالغة، حيث كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، في مقدمة مستقبليه والوفد المرافق لدى وصوله مطار الرئاسة في العاصمة أبوظبي، ورافق الطائرة التي تُقل ويدودو لدى دخولها أجواء دولة الإمارات عدد من الطائرات العسكرية الإماراتية تحية لضيف البلاد. وقد تكللت الزيارة بمنح الرئيس الإندونيسي، «وسام زايد» الأرفع بالدولة، من قِبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله،وذلك تقديرًا لجهوده في ترسيخ العلاقات الوثيقة التي تجمع البلدين وازدهار تعاونهما المشترك على مختلف المستويات، وهو ما عبّر عنه صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، قائلًا: «الحمد لله استطعنا تحقيق إنجازات نوعية في هذا المسار سواء في مجالات الطاقة المتجددة والتجارة والأمن الغذائي أو في البنية التحتية والنقل والتعليم والصحة والعمل المناخي وغيرها»، وأضاف أن توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة خلال عام 2022 شَكّل نقطة تحول نوعية أسهمت في توسيع آفاق التعاون الاقتصادي وخدمة التنمية المشتركة لكل من الإمارات وإندونيسيا، مشيرًا سموه إلى أنه عندما تولى الرئيس جوكو ويدودو الرئاسة في إندونيسيا عام 2014، كان حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين 2.7 مليار دولار، وارتفع العام الماضي ليصل إلى 4.4 مليار دولار، كما تم إنجاز اتفاقيات بمشاريع تفوق 21 مليار دولار في إندونيسيا خلال عام 2023، مضيفًا: «ولا نزال نتطلع إلى استثمارات نوعية جديدة بين البلدين».

بدوره، أكد الرئيس الإندونيسي اعتزازه بالتعاون البنّاء مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، على مدى السنوات العشر الماضية، وتطلعه لمواصلة ترسيخ العلاقات خلال المرحلة المقبلة، مرحبًا بالاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة باعتبارها تسهم في توثيق علاقات البلدين، كما أشار إلى أهمية تعزيز العلاقات خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والبيئة والعمل المناخي، إضافة إلى مجالات التجارة والاستثمار في إطار الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين، منوهًا بأن الإمارات هي الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي ترتبط مع إندونيسيا بهذه الشراكة.

وعلى مستوى النتائج، نجد أن زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إلى الإمارات، ومباحثاته مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، حققت نتائج هامة على عدة مستويات، وأسفرت عن توقيع 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهملتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، كما عقد الزعيمان محادثات مهمة أشادا فيها بـ»الإنجازات النوعية» التي تم تحقيقها في مسار تطور العلاقات الاستراتيجية بين البلدين خاصة في المجالات التنموية في إطار الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمعهما والحرص المشترك على مواصلة دفعها إلى الأمام، معربين عن ترحيبهم بالاتفاقيات الموقعة خلال الزيارة، ومؤكدين أن هذه الاتفاقيات ستساهم في تعزيز روابط البلدين.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-09-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره