مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-05-04

الإمارات والولايات المتحدة: شراكة استراتيجية مستدامة

 في ضوء الزيارة المرتقبة للرئيس دونالد ترامب لأبوظبي

تتسم علاقات الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بخصوصية استثنائية، حيث لا تتأثر هذه العلاقات بتغير الإدارات بين الديمقراطيين والجمهوريين، انطلاقاً من اعتمادها القوي على أطر التعاون المؤسسية، يضاف إليها التفاهم والتنسيق القائم على مبادئ وأسس أهمها: مراعاة المصالح المشتركة والعمل سوياً من أجل تعزيز الأمن والاستقرار وإرساء قواعد التعايش والسلام في مختلف أرجاء العالم، وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على تطور العلاقات بين البلدين الحليفين، والمقومات والركائز التي تعتمد عليها التعاون الثنائي المشترك.

إعداد: هيئة التحرير
في أول زيارة خارجية له منذ توليه السلطة مجدداً في 20 يناير الماضي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن محطات جولته المرتقبة في منطقة الشرق الأوسط قد تشمل التوقف في الإمارات، التي وصفها بأنها «دولة مهمة جدا»، وقال ترامب للصحفيين في أوائل شهر أبريل الماضي إنّ الزيارة: «قد تكون الشهر المقبل، أو ربّما بعد ذلك بقليل. وسنزور قطر أيضا، وربّما بضع دول أخرى. الإمارات العربية المتّحدة مهمّة جدا... لذا سنتوقّف حتما في الإمارات وقطر».

وجاءت هذه التصريحات بعد أيام من انتهاء زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني، الذي حل ضيفا استثنائيا على واشنطن، في زيارة عكست عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الحليفين، حيث حظيت الزيارة باهتمام واسع داخل الأوساط السياسية الأمريكية، وهو ما عكسته طريقة استقبال الشيخ طحنون بن زايد، في البيت الأبيض، والتكريم الذي حظي به، والذي لم يكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل جاء ليؤكد مكانة الإمارات كلاعب رئيسي في الملفات الإقليمية والدولية، وسط تحولات كبرى تشهدها الساحة العالمية.
وهنا تجدر الاشارة إلى أن زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان الأخيرة لواشنطن، جاءت بعد نحو 6 شهور من الزيارة الرسمية التي كان سموه خلالها ضمن الوفد الذي رافق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر الماضي.

ومن أحد دلائل التطور في علاقات الشراكة بين البلدين، هو ما شهدته زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، حيث أعلن الجانب الأمريكي، عقب لقاء الرئيس ترامب مع الشيخ طحنون بن زايد، في البيت الأبيض، اعتزام دولة الإمارات العربية المتحدة استثمار مبلغ 1.4 ترليون دولار خلال السنوات الـ10 المقبلة؛ حيث أشار تقرير نشرته السفارة الأمريكية لدى دولة الإمارات وسلط الضوء على الزيارة ونتائجها، أن هذا «الإطار الجديد سيزيد بشكل كبير استثمارات دولة الإمارات الحالية في الاقتصاد الأمريكي في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، والتصنيع الأمريكي». وقد تصدرت أجندة مباحثات سمو الشيخ طحنون بن زايد، مناقشة التحديات الإقليمية، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، كما بحث الجانبان تعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية بين البلدين، وسبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات والممتدة منذ عقود.

توقيت حيوي للزيارة
أضفى عامل التوقيت وما تشهده منطقة الشرق الأوسط والعالم من تغيرات استراتيجية متسارعة، على زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد للولايات المتحدة ومباحثاته مع الرئيس ترامب، أهمية فائقة، حيث جاءت الزيارة في وقت تتزايد المساعي الدولية لوضع حد للعديد من الأزمات المتفاقمة وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية  والأوضاع المعقدة في قطاع غزة، وما يرتبط بذلك من سجالات حول ملف التهجير ومستقبل القطاع وغير ذلك، فضلاً عن محاولات تعزيز أمن الملاحة الدولية، والتصدي لمصادر التهديد التي تسهم في عرقلة التجارة الدولية، وهي ملفات حيوية بالنظر إلى الطابع الاستراتيجي الذي تتسم به العلاقات الإماراتية الأمريكية، حيث تراهن واشنطن كثيراً على الدور الإماراتي في ضمان الأمن والاستقرار وتسوية الأزمات في المنطقة والعالم، كما اثبتت الدبلوماسية الإماراتية فاعليتها وقدرتها على التعامل مع أعقد الأزمات والصراعات سواء من خلال أدوار الوساطة الناجحة التي قامت بها في ملفات مثل تبادل الأسرى في الحرب الروسية ـ الأوكرانية، أو في تبريد الأزمات والصراعات والتوترات العديدة في الشرق الأوسط، فضلاً عن دورها الفاعل في التصدي لخطر التطرف والارهاب وتنظيماته بمناطق شتى.

وجاءت زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان في وقت يسعى فيه الرئيس دونالد ترامب لإيجاد تسوية سياسية للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا،  وفي هذا الإطار يبرز دور الإمارات التي لعبت خلال الفترة الماضية دورا محوريا في العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات على صعيد المنطقة أو خارجها وسعت بشكل دؤوب ومستمر لتعزيز برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية، حيث جاءت الزيارة بعد نحو شهر من نجاح وساطة إماراتية جديدة لتبادل الأسرى بين كييف وموسكو خلال فبراير الماضي شملت 300 أسير، مناصفة من الجانبين، لتتمكن الإمارات بها في إتمام تبادل 2834 عبر 12 وساطة منذ مطلع عام 2024.

وهذه الوساطة الإماراتية الفاعلة فتحت نافذة فرص مهمة لحل سياسي ودبلوماسي لتلك الأزمة التي تجاوزت الأعوام الثلاثة، وهي جهود تتوافق في مجملها مع مساعي تقودها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء تلك الأزمة عبر التوصل لهدنة وبدء محادثات سلام. وفي هذا الإطار، يشار إلى أن دولة الإمارات قد رحبت قبل أيام باستضافة المملكة العربية السعودية محادثاتٍ بين الولايات المتحدة وجمهورية أوكرانيا، معربة عن أملها في أن تسهم هذه الخطوة في تخفيف التوترات وإيجاد حل شامل ومستدام للصراع بين روسيا وأوكرانيا.

كما جاءت الزيارة كذلك في توقيت يسعى فيه البلدان بقوة لإيجاد حل للحرب في قطاع غزة، حيث تتوافق رؤى الجانبان على ضرورة إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام في المنطقة، مع وجود تباينات في الرؤى لتحقيق تلك الأهداف. وتسهم المباحثات المشتركة في تقريب الرؤى، والاقتراب من تحقيق السلام ودعم الأمن والاستقرار. وكان الرئيس ترامب قد اقترح سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمرة وتحويلها إلى ما وصفه بـ «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد ترحيل السكان البالغ عددهم 2,3 مليون إلى مكان آخر، خصوصا مصر والأردن، في حين أكدت الإمارات مراراً موقفها الثابت الرافض لأي محاولات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مشددة على ضرورة أن ترتبط عملية إعمار غزة بمسار يؤدي إلى السلام الشامل والدائم الذي يقوم على أساس «حل الدولتين» كونه السبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وهنا تبرز جدوى الحوار الايجابي بين الشريكين، حيث تعول الولايات المتحدة دوما على الدور الإماراتي الفاعل والبناء في مختلف القضايا الإقليمية والدولية وتحرص على الاستماع لرؤيتها وتقديراتها لهذه القضايا وكيفية التعامل معها.

وفي المقابل تنظر الإمارات إلى أمريكا باعتبارها حليفا استراتيجيا وطرفا أساسيا في معادلة تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ويعمل الطرفان على تعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق الازدهار الاقتصادي ومجابهة التحديات الملحة في مختلف أرجاء العالم. وقد اكتسبت هذه الزيارة أهمية خاصة أيضاً في ضوء كونها الأولى لمسؤول إماراتي رفيع المستوى منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة في يناير الماضي، الأمر الذي يجسد حرص البلدين على تعزيز شراكتهما الاستراتيجية.

شريك دفاعي رئيسي
تجدر الإشارة إلى أن عمق أوجه ومظاهر التعاون سالفة الذكر وما يرتبط بهل من شراكة أمنية ودفاعية يمثل أحد دوافع إعلان واشنطن خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ للولايات المتحدة في سبتمبر2024، أن دولة الإمارات العربية المتحدة شريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة، لتنضم بذلك إلى الهند فقط، وذلك لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني في مناطق الشرق الأوسط وشرق أفريقيا والمحيط الهندي، وهو التصنيف الذي سيفتح الباب أمام تعاون ثنائي غير مسبوق من خلال التدريب المشترك والتعاون العسكري بين القوات المسلحة للولايات المتحدة ودولة الإمارات والهند، إضافة إلى الشركاء العسكريين المشتركين الآخرين، لتعزيز الاستقرار الإقليمي، كما يعكس هذا التصنيف التقدير الأمريكي الكبير للدور المسئول الذي تمارسه الإمارات في محيطها وانخراطها الفاعل في حل أزمات المنطقة، فضلا عن مواقفها المتوازنة إزاء القضايا ذات الصلة بالأمن والسلم الدوليين.

وكان إعلان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن دولة الإمارات شريكاً دفاعياً رئيسياً للولايات المتحدة محطة نوعية بالغة الأهمية في مسيرة علاقات التحالف القائمة منذ تأسيس العلاقات الثنائية في عام 1971، حيث تعد دولة الإمارات العربية المتحدة  أول دولة عربية وشرق أوسطية تحصل على مثل تلك الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها كانت الدولة الوحيدة التي حصلت على صيغة الشراكة هذه خلال ولاية الرئيس السابق بايدن، كما كانت الإمارات أول دولة تحصل على هذه الشراكة منذ 8 سنوات، حيث كانت الهند أول دولة تحصل عليها عام 2016، وأصبحت الإمارات هي ثاني دولة في العالم بعد الهند التي تعد كذلك شريكاً دفاعياً رئيسياً» للولايات المتحدة.

وستسهم تلك الشراكة في تعزيز التعاون الدفاعي بين الإمارات وأمريكا، سواءً من خلال التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة بين البلدين أو مع شركائهما المشتركين. كما ستسهم الشراكة الرئيسية في زيادة التعاون الإماراتي - الأمريكي لمواجهة الإرهاب ومكافحة التطرف ومجابهة مختلف التحديات، ودعم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، فضلاً عن توطيد التعاون الوثيق في المسائل الدفاعية والأمنية، ودعم الجهود التي تبذلها الدولتان للحفاظ على الأمن في المنطقة بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص. وقد عكس الإعلان الأمريكي عن الارتقاء بمستوى الشراكة مع دولة الإمارات رغبة قوية في تعزيز صيغة الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين وفتح آفاق جديدة أمامها.

مظاهر قوة الشراكة والتعاون
تتسم العلاقات الإماراتية-الأمريكية بالاستمرارية والقوة بغض النظر عن تبدل الإدارات بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث يلاحظ أن الرئيس الحالي دونالد ترامب ينظر بتقدير كبير للغاية للقيادة الإماراتية ودور الإمارات في معادلات الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، وقد انعكس ذلك في تأكيد على أهمية الإمارات وحرصه على أن تكون ضمن محطات جولته الخارجية الأولى، والاحتفاء بزيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان للبيت الأبيض، فيما كان التميز ذاته سمة لعلاقات الإمارات مع إدارة الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، حيث التقى الرئيسان الإماراتي والأمريكي (9) مرات ضمن سلسلة قمم ولقاءات جمعت الزعيمين خلال نحو عامين ( الفترة منذ تولي صاحب السمو رئيس الدولة منصبه ونهاية ولاية الرئيس السابق بايدن) منها ثلاث قمم ثنائية، فيما يعتبر رقمًا قياسيًا من القمم واللقاءات، يُعد الأكبر الذي يجمع زعيما عربيا بالرئيس الأمريكي خلال تلك الفترة القصيرة، مما يبرز العلاقات المتنامية بين البلدين.

استمرارية علاقات التعاون الاقتصادي والاستثماري ودعم المصالح المشتركة: يشير الاعلان الأمريكي عن استثمار دولة الإمارات مبلغ 1.4 ترليون دولار في قطاعات الصناعة والتكنولوجيا المختلفة في الولايات المتحدة خلال السنوات الـ10 المقبلة إلى طفرة ضخمة في حجم الاستثمارات الإماراتية، ولكن الشواهد تؤكد أن هذه الطفرة غير مقطوعة الصلة بمسيرة التعاون المشترك بين البلدين، فقد عقدت القمة الثنائية الثانية التي جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس الأمريكي السابق بايدن، عن بعد في 2 نوفمبر عام 2022 ، غداة توقيع البلدين شراكة استراتيجية لاستثمار 100 مليار دولار في تنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 غيغاواط في كل من دولة الإمارات والولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم، بحلول عام 2035، بهدف تعزيز أمن الطاقة ونشر تطبيقات التكنولوجيا النظيفة.

تأسست العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، بعد فترة وجيزة من قيام اتحاد دولة الإمارات في عام 1971، وتم تدشين سفارة الدولة في واشنطن عام 1974، كما تم افتتاح سفارة الولايات المتحدة في أبوظبي خلال العام نفسه. ويرتبط البلدان بعلاقات اقتصادية واستثمارية متميزة، حيث بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية (باستثناء الخدمات) بين الإمارات والولايات المتحدة في عام 2023، نحو 39.5 مليار دولار، مقارنة بحوالي 23.8 مليار دولار في عام 2022. وارتفعت واردات الإمارات من الولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى 25.9 مليار دولار في عام 2023 مقارنة بحوالي 21.3 مليار دولار في عام 2022.وزادت صادرات دولة الإمارات إلى الولايات المتحدة من 3.2 مليار دولار في عام 2022 لتصل إلى 3.9 مليار دولار في عام 2023، كما ارتفعت إعادة صادرات الإمارات إلى أمريكا في عام 2023 لتصل إلى 9.6 مليار دولار مقارنة بـ 8.2 مليار دولار في عام 2022.وبلغت استثمارات الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 3.7 مليار دولار بين عامي 2018 و2023، بينما بلغت استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية في الإمارات حوالي 9.5 مليار دولار خلال المدّة ذاتها. وتشمل القطاعات الرئيسية لاستثمارات الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية، الطاقة المتجددة، والاتصالات، والطاقة، والعقارات، والخدمات البرمجية، إضافة إلى تكنولوجيا المعلومات.

توافق المصالح والاولويات: إلى جانب المصالح المشتركة بين البلدين، هناك توافق في الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، حيث شارك الزعيمان في 6 قمم دولية، تركزت على سبل مواجهة التحديات العالمية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والبيئية والإنسانية، وعلى رأسها أمن الطاقة وأزمة تغير المناخ والأزمة الأوكرانية وبحث جهود تعزيز التنمية المستدامة.

دوافع متجددة لاستدامة الشراكة الاستراتيجية: رغم شبكة المصالح التقليدية التي تربط الإمارات والولايات المتحدة في مختلف المجالات، فإن هناك رافعات استراتيجية متجددة ترفد الشراكة الاستراتيجية القائمة بالمزيد من القوة والاستمرارية، وفي هذا الإطار تُعد العلاقات الإماراتية الأمريكية في قطاع الطاقة نموذجًا رائدًا للتعاون الاستراتيجي الذي يهدف إلى تعزيز الاستدامة والابتكار، حيث شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مع التركيز على الاستثمارات المشتركة في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة. وقد شهد التعاون في هذه المجالات دفعة نوعية كبرى  وانتقل إلى آفاق أرحب وأكثر استدامة خلال الزيارة الرسمية التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، للولايات المتحدة الأمريكية في مارس الماضي، حيث شهدت الزيارة تفاهمات واتفاقات عدة منها ترحيب كل من MGX، وبلاك روك، ومايكروسوفت، وشركاء البنية التحتية العالمية (GIP)، ومقرّها أبوظبي، بانضمام NVIDIA وXAI إلى شراكة البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (AIP)، والتي تهدف إلى حشد استثمارات إجمالية تصل إلى 100 مليار دولار أمريكي لتمكين بناء مراكز بيانات من الجيل التالي وبنية تحتية للطاقة، دعماً لريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
تشارك الإمارات في قيادة مبادرةAIM for Climate مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تشمل أكثر من 50 دولة و500 شريك، لتعزيز الزراعة المستدامة، إضافة إلى ذلك استثمرت شركة مصدر في 11 مشروعا للطاقة النظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك مشروع الطاقة الشمسية والبطارياتBig Beau بالقرب من لوس انجلوس.

تتسم العلاقات الإماراتية الأمريكية بالطابع الإستراتيجي، حيث يلتزم البلدان بالتعاون والسعي المستمر لتعزيز الأمن الإقليمي، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، ومواجهة التحديات في مختلف أرجاء العالم. وتشمل أوجه التنسيق الثنائي بين البلدين، أطرا مختلفة منها التنموية، والسياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتجارية، والعسكرية، فيما تجمعهما العديد من الشراكات الاقتصادية والأمنية، المرتبطة بإعلان الاتفاقية الإبراهيمية للسلام عام 2019.

 الذكاء الدبلوماسي الاماراتي: تتميز الدبلوماسية الإماراتية في علاقاتها مع الجانب الأمريكي بإعلاء مصالح البلدين والشعبين الصديقين، ما يعكس نوعاً من الذكاء والفطنة الدبلوماسية التي تتفادي الصراعات الحزبية، وتداعيات الرهان على أحد الحزبين الكبيرين في الساحة السياسية الأمريكية، حيث تحرص القيادة الإماراتية على استمرارية الروابط والحوار مع مختلف الأطياف والنخب السياسية والحزبية الأمريكية بغض النظر عن هوية «سيد» البيت الأبيض والتركيبة السياسية للكونجرس الأمريكي وهوية الحزب المسيطر على مجلسي الكونجرس. وهنا يلاحظ أن المسؤولين الإماراتيين يديرون حوارات مستمرة مع الدوائر السياسية الأمريكية ويحرصون على بقاء قنوات الاتصال والتواصل والحوار مع الجميع من دون استثناء،  وفي هذا الإطار يلاحظ أن صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ قد عقد خلال زيارته لواشنطن في سبتمبر الماضي عدة لقاءات ومباحثات مع عدد من المسؤولين الأمريكيين السابقين، كما التقى جورج دبليو بوش الرئيس السابق للولايات المتحدة، وأعرب سموه عن تقديره لدور الرئيس الأمريكي السابق في تعزيز العلاقات الإماراتية الأمريكية خلال فترة رئاسته، وأشار سموه في هذا السياق إلى الدور البارز لوالده الراحل جورج دبليو بوش في توطيد علاقات الصداقة والشراكة بين البلدين، قائلًا: إن «والدكم كان صديقًا لدولة الإمارات وحليفًا لدول المنطقة في مواجهة أصعب التحديات»،  والتقى كذلك الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب قبيل انتخابه، وتطرق الجانبان إلى العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين.

التعاون في مكافحة الإرهاب
يمثل ملف مكافحة الارهاب أولوية خاصة ضمن ملفات التعاون الإماراتي الأمريكي المشترك، حيث شارك البلدان في التحالف العالمي ضد تنظيم داعش الإرهابي، وفي النزاعات السابقة في الصومال، البلقان، العراق، أفغانستان، وليبيا، ما يفسر وضعية الإمارات كواحدة من أقوى الشركاء العسكريين للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، بالإضافة إلى وجود جدول حافل من التدريبات الثنائية ومتعددة الأطراف، حيث يتشارك الجانبان في مكافحة التهديدات الإقليمية، وتطوير مبادرات مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن البحري وجهود مكافحة القرصنة، وزيادة التعاون الأمني، واعتراض شحنات الأسلحة والتكنولوجيا غير القانونية. وقد لعبت اتفاقية التعاون العسكري لعام 2017 دوراً مهماً في هذا الإطار، حيث أبرزت تعاونهما الحيوي وطويل الأمد في هزيمة الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة التهديدات ضد مصالحهما المشتركة، بما في ذلك تمويل الإرهاب. وفي سبيل تعزيز هذا التعاون يحرص البلدان على استمرارية الحوار العسكري السنوي المشترك باعتباره ركيزة مهمة لتعزيز الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة والإمارات، بما في ذلك مراجعة المصالح الأمنية المشتركة، ومناقشة الأهداف الاستراتيجية للعلاقات والتحديات في المنطقة، مثل الأمن البحري، مكافحة القرصنة، التعاون في مكافحة الإرهاب، وزيادة الوعي بالمجالات في الشرق الأوسط والمحيط الهندي وشرق أفريقيا.

العمل المناخي والطاقة النظيفة: ركيزتان مهمتان
يعد العمل المناخي، أحد أهم أوجه التعاون المثمر بين البلدين، ويبرز ذلك من خلال الشراكة من أجل تسريع الطاقة النظيفةPACE، والتي أُعلن عنها في نوفمبر 2022، وتهدف إلى تعبئة 100 مليار دولار لإنتاج 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2035. وتستهدف هذه الشراكة تعزيز الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية، مما يعكس التزام البلدين بمواجهة تحديات التغير المناخي. وستكون المرحلة الأولى من الاستراتيجية بقيادة شركة «مصدر» الإماراتية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة، ومستثمرين أمريكيين من القطاع الخاص، على أن يتم توفير الدفعة التمويلية الأولى من خلال 7 مليارات دولار من القطاع الخاص و13 مليار دولار عبر أدوات تمويلية مثل سندات الدين.

وسيدعم التمويل الذي ستوفره شراكة“PACE” مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والنووية النظيفة، بالإضافة إلى الابتكارات الجديدة مثل الهيدروجين الأخضر، وتقنية التقاط الكربون وتخزينه، وستعطي أولوية لتقديم المساعدات التقنية والإدارية والتمويلية لمشروعات الطاقة المستدامة بيئيا وتجاريا في دول الجنوب (البلدان النامية).  وفي أكتوبر 2024، أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، الرائدة عالمياً في مجال الطاقة النظيفة، عن استكمال صفقة الاستحواذ على حصة 50% في شركة «تيرا-جن باور هولدينغز»، إحدى أكبر شركات إنتاج الطاقة المتجددة المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية، من شركة «إنرجي كابيتال بارتنرز» (إي سي بي). وتعد هذه الصفقة واحدة من أكبر الصفقات التي أبرمتها «مصدر»، وستسهم في تعزيز مكانتها في سوق الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلتها لأول مرة في عام 2019، ولديها فيها محفظة مهمة تشمل تمويل وتطوير وتملك وتشغيل عدد من مشروعات الطاقة النظيفة.

بالإضافة إلى ذلك، أعلن جهاز أبوظبي للاستثمار، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في الإمارات، في يناير 2025 عن استثمار 500 مليون دولار في شركة «ألفا جينيريشين» الأمريكية المتخصصة في البنية التحتية لقطاع الطاقة. يهدف هذا الاستثمار إلى دعم مشاريع الطاقة وتوسيع نطاق التعاون بين البلدين في هذا المجال.   وفي فبراير 2025، قامت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بنقل استثماراتها في الولايات المتحدة إلى ذراعها الاستثماري الدولي الجديد «إكس آر جي” (XRG)، بهدف التركيز على مشاريع الطاقة منخفضة الكربون والكيماويات. وتشمل هذه الاستثمارات حصة بنسبة 35% في مشروعExxonMobil لإنتاج الهيدروجين في تكساس، بالإضافة إلى حصة بنسبة 11.7% في منشأة تصدير الغاز الطبيعي المسال التابعة لشركةNextDecade في تكساس.

دعائم ومقومات الشراكة 
منذ قيام العلاقات الثنائية عقب تأسيس دولة الاتحاد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ كانت الولايات المتحدة ثالث دولة في العالم تقيم علاقات دبلوماسية مع الامارات، وهذا الأمر له دلالته العميقة، سواء من حيث قناعة الإدارة الأمريكية آنذاك بقوة الركائز التي تقوم عليها الدولة الوليدة، أو امتلاكها مقومات التطور والنماء بحيث تلعب دوراً مؤثراً في محيطها الاقليمي والدولي، وهو ما حدث بالفعل حيث شهد السنوات والعقود الماضية تطوراً واضحاً في العلاقات الثنائية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، إذ قدمت دولة الامارات الدعم للولايات المتحدة خلال عملية «عاصفة الصحراء» لتحرير دولة الكويت الشقيقة في عام 1991، كما تزايدت العلاقات العسكرية ابتداء من منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث برزت دولة الامارات كواحدة من الأسواق الواعدة لاستيراد المعدات الدفاعية الأمريكية، لاسيما بعد تنامي دور الامارات في حفظ الأمن والاستقرار الاقليمي والعالمي، وتحديداً بعد المشاركة في قوة «كي فور» الدولية لحفظ السلام في كوسوفو، والتي تشكّلت بموجب تفويض أممي لحلف الأطلسي بقيادة هذه القوة التي كانت الامارات الوحيدة فيها، وكانت إحدى قصص نجاح القوات المسلحة الاماراتية في تقديم يد العون والمساعدة ودعم الاستقرار وحفظ السلام في مناطق الصراعات بالعالم.

وقد مثّل عام 2000 محطة نوعية فارقة في مسار الشراكة الاماراتية الأمريكية، حيث شهد توقيع عقد شراء 80 مقاتلة من طراز «إف 16» الأمريكية، حيث كان هذا العقد وقتذاك بمنزلة تحول كبير في مسار العلاقات سواء بالنظر إلى أبعاده ودلالاته الخاصة بالثقة بين الشريكين، أو بانعكاساته على صعيد تطوير القدرات العملياتية للقوات المسلحة الإماراتية بما يعكس تطور القوة الشاملة للدولة. وفي ظل هذا التطور التدريجي للعلاقات، جاء إطلاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في عام 2002، ليؤكد المضي قدماً على صعيد تطوير التعاون وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك.
ثم شهد عام 2008 دفعة قوية أخرى للشراكة سواء بزيارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن للإمارات، أو بموافقة الكونجرس على طلب الامارات شراء معدات دفاعية تزيد قيمتها عن 15 مليار دولار، تشمل نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تطوراً في العالم، لتصبح الإمارات هي الدولة الوحيدة، بعد الولايات المتحدة، التي تنشر هذه التكنولوجيا. وفي عام 2009، أصبحت الامارات أول دولة في الخليج العربي توقع اتفاقية مع الولايات المتحدة للتعاون في تطوير برنامج للطاقة النووية المدنية. واستمرت خطوات التعاون والتفاهم والشراكة بعد ذلك حتى توجت بإطلاق الحوار الاستراتيجي في العشرين من أكتوبر 2020.
 
خاتمة
في ضوء استعراض مسيرة وتطور ومظاهر تنامي الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، يمكن توقع الأثر الاستراتيجي بالغ الأهمية للزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعاصمة الإماراتية أبوظبي ضمن جولته الخارجية الأولى في المنطقة، حيث يمكن التكهن بأن الظروف والتطورات الجيوسياسية والجيواستراتيجية المهمة التي تشهدها المنطقة والعالم على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، تضاعف أهمية الزيارة وتجعل منها عنواناً لمرحلة جديدة ليست في العلاقات الإماراتية ـ الأمريكية فقط، بل في الدور الأمريكي بمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل عام.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره